يرى الباحث المغربي شفيق بنصفية، أن الموانئ الخاصة بالخدمات اللوجستية ليست مجرد محطات لرسو السفن، بل هي مراكز مزدحمة ومعقدة وحيوية للحركة السريعة للبضائع الدولية، معتبرا أن “إدارة الموانئ عملية معقدة تتضمن مجموعة متنوعة من الشركات الخاصة والوكالات الحكومية، إذ يعتبر استعمال تكنولوجيا المعلومات، وبالأخص المنصات الرقمية الحديثة، أمرا ضروريا لجعل كل شيء يسير بسلاسة”.
وأضاف بنصفية، في مقال توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، بعنوان “الرقمنة في خدمة اللوجستيك المينائي”، أن نظام إدارة مجتمع الموانئ ركيزة أساسية يمكن أن تجعل سلاسل التوريد العالمية أكثر مرونة في مواجهة الصدمات والأزمات الاقتصادية والصحية، لافتا إلى أن “خير دليل على ذلك أزمة كورونا الأخيرة التي أكدت بالملموس أن الدول التي تستثمر في تكنولوجيا المعلومات هي التي نجحت في الخروج من الأزمة بسلام، فكلما زادت المعلومات التي تتبادلها شركات الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد الدولية، زادت قدرتها على التكيف مع العقبات غير المتوقعة”.
وأشار المختص في مجال اللوجستيك إلى أن “الموانئ التي تستخدم أنظمة إدارة مجتمع الموانئ تمكنت من زيادة سرعة عملياتها، وبالأخص المرور السلس للأشخاص والبضائع، فكلما كانت هنالك سرعة في مرور السلع وكذا تبادل المستندات الخاصة بالسلع والسفن نتمكن حينها من ربح العديد من المصاريف والذعائر والغرامات التي تفرضها السلطة المينائية وكذا إدارة الجمارك”.
نص المقال:
لم تعد الخدمات اللوجستية مجرد علم يدرس كيفية نقل البضائع من مكان إلى آخر أو كيفية التحكم في تكلفة النقل وفقط، لكن الآن الرهان على رقمنة جميع التدفقات عبر استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال. في هذا السياق، تتطلب اتفاقية “FAL” للأمم المتحدة من جميع الدول أن يكون لديها نظام معلومات قادر على إدارة جميع العمليات الخاصة بمرور السلع داخل الموانئ وكذلك تبادل المستندات الخاصة بهذه العملية.
فالموانئ ليست مجرد محطات لرسو السفن، بل هي مراكز مزدحمة ومعقدة وحيوية للحركة السريعة للبضائع الدولية بحيث تعد إدارة الموانئ عملية معقدة تتضمن مجموعة متنوعة من الشركات الخاصة والوكالات الحكومية، إذ يعتبر استعمال تكنولوجيا المعلومات، وبالأخص المنصات الرقمية الحديثة، أمرا ضروريا لجعل كل شيء يسير بسلاسة.
تتيح هذه المنصات الرقمية للمهنيين في الموانئ والأطراف المهتمة تبادل البيانات والمعلومات مع بعضهم البعض (EDI). وتساعد هذه القدرات على تحسين الأداء اللوجستي للميناء وتسهيل التدفقات التجارية. يُطلق على أحدث إصدار من النظام الأساسي الرقمي للميناء اسم نظام إدارة مجتمع الموانئ (PCS).
يمثل نظام إدارة مجتمع الموانئ ركيزة أساسية يمكن أن تجعل سلاسل التوريد العالمية أكثر مرونة في مواجهة الصدمات والأزمات الاقتصادية والصحية، وخير دليل على ذلك أزمة كورونا الأخيرة التي أكدت بالملموس أن الدول التي تستثمر في تكنولوجيا المعلومات هي التي نجحت في الخروج من الأزمة بسلام، فكلما زادت المعلومات التي تتبادلها شركات الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد الدولية، زادت قدرتها على التكيف مع العقبات غير المتوقعة.
بالنسبة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، يعد نظام إدارة مجتمع الموانئ آلية متقدمة لتعزيز التجارة والتجارة الدولية والربط اللوجستي. يمكن أن تكون أنظمة إدارة مجتمع الموانئ خطوة كبيرة على طريق تعزيز الرخاء من خلال التجارة مع زيادة الكفاءة وسعة الموانئ وكذا مرور المزيد من السلع عبر الميناء كل يوم، لأن التجارة والتبادل تعتبران حلا لتنمية الدول وضمان مجتمع دولي بدون حرب ولا نزاعات، ولنا في الخطوات التي قام بها المجتمع الدولي بعد الحرب العامية الثانية عبرة ودرس، بحيث تم تأسيس مجموعة من المؤسسات المالية والنقدية، كانت تسمى مؤسسات “Bretton Woods”، أسست لمجتمع دولي تجمعه علاقات اقتصادية ومصالح من الصعب المغامرة بها والدخول في حرب خاسرة تنسف كل ما تم نسجه.
وبالنظر إلى الأرقام، فإن أنظمة إدارة مجتمع الموانئ تقدم فوائد كبيرة للمستهلكين والشركات وكذا المحيط البيئي. على سبيل المثال، وحسب البنك الدولي، في هولندا وحدها، ساعد نظام إدارة مجتمع الموانئ المسمى “Port Base” الشركات على خفض التكاليف المرتبطة بالخدمات اللوجستية بمقدار 245 مليون يورو سنويا. ولا يعد هذا بمثابة دفعة للاقتصاد الهولندي فحسب، بل يساعد أيضًا في تحسين ظروف التشغيل لمجتمعات الموانئ على مستوى الاقتصاد الجزئي، مع مساعدة سائقي الشاحنات على معرفة متى تكون بضائعهم جاهزة للتسليم بالضبط، يمكن أن يوفر ذلك 30 كيلومترًا من حركة مرور الشاحنات من وإلى الميناء ويقلل بشكل كبير من التأثير البيئي لصناعة شحن البضائع.
تمكنت الموانئ التي تستخدم أنظمة إدارة مجتمع الموانئ من زيادة سرعة عملياتها، وبالأخص المرور السلس للأشخاص والبضائع، فكلما كانت هنالك سرعة في مرور السلع وكذا تبادل المستندات الخاصة بالسلع والسفن نتمكن حينها من ربح العديد من المصاريف والذعائر والغرامات التي تفرضها السلطة المينائية وكذا إدارة الجمارك، وكما يقولون “الوقت هو المال”.
من السمات المميزة لأنظمة إدارة مجتمع الموانئ، تتبع البضائع والعمليات في الوقت الفعلي والحقيقي (temps reel) وبزاوية 360، بحث تكون قادرا على رؤية حالة شحناتك الدولية بالضبط (tracking)، تمامًا كما يمكنك أن ترى في الوقت الفعلي متى سيتم تسليم كل طلبياتك، ومع ازدياد وعينا ببصمتنا البيئية، ستصبح أنظمة إدارة مجتمع الموانئ أكثر أهمية من أي وقت مضى، بحث حسب دراسات قام بها البنك الدولي تخص نظام إدارة مجتمع الموانئ في دبي، فقد ساعد هذا النظام في تجنب 12.74 مليون زيارة فعلية لوكلاء الشحن في الموانئ ومقدمي الخدمات اللوجستية الآخرين، وتم تحويل 42.47 مليون معاملة ورقية مذهلة إلى معاملات رقمية، أي ما يعادل تجنب ما يقرب من 1700 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهذا يعادل سحب 347 سيارة من الطريق لمدة عام كامل.
فمثلا، قبل وجود النافذة الواحدة “بورتنيت” (PORTNET) بالمغرب، ما يقرب من 500,000 تصريح استيراد مادي سنويا تم إصدارها ومعالجتها بين المتدخلين، ومن بينهم وزارة التجارة الخارجية، البنوك، مكتب الصرف، الجمارك والمستورد. إذا تم تقييم عدد الأوراق المالية التي تمت معالجتها من قبل عدد المتدخلين المعنيين، سيكون هناك 2.5 مليون تصريح بين هؤلاء المتدخلين، لذلك فالأرباح التي يمكننا أن نجنيها باستخدام أنظمة إدارة مجتمع الموانئ كثيرة. فعلى سبيل المثال، الأرباح السنوية التي تخص فقط الاستيراد تتمثل في الحفاظ على 212 500 شجرة، 33, ملايين لتر من الماء الصالح للشرب وكذا الاقتصاد في استهلاك 37 500 برميل من البترول، فلك أن تتخيل حجم الأرباح إن تعلق الأمر بجميع عمليات التجارة الدولية من تصدير واستيراد وعلى مدى سنوات.
يجب أن تكون أنظمة إدارة مجتمع الموانئ متكاملة بشكل جيد مع أنظمة الموانئ الأخرى حتى تعمل بفعالية. على سبيل المثال، أنشأت العديد من الموانئ أنظمة النافذة الواحدة التجارية التي تسمح بتبادل البيانات بين موظفي الجمارك وغيرهم من موظفي مراقبة الحدود. وقد أصبح المغرب نموذجا في هذا المجال، بحيث يتوفر حاليا على 43 ميناء، منها 14 ميناء تجاريا يؤمن أكثر من 96% من التجارة الخارجية للمملكة، علما أن هذه الموانئ ستتعزز بمشروعي ميناء الناظور غرب المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي اللذين سيقومان بمراجعة السياسة المينائية في المتوسط والأطلسي بفضل هذه البنيات التحتية اللوجستية، التي تحترم معايير المنظمة البحرية الدولية، بحيث تعالج موانئ المغرب ما يقارب 9 ملايين حاوية مع ارتباطها مع 80 دولة و180 ميناء عبر المستوى الدولي، بحيث تمكن المغرب من الحصول على المرتبة 20 دوليا في ما يخص الربط البحري.
تواجه العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل قيودًا فنية ومالية في تنفيذ أنظمة إدارة مجتمع الموانئ، ونتيجة لذلك، وحسب إحصائيات البنك الدولي، توجد 16% فقط من الموانئ العالمية التي تستخدم المنصة وتقع في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، في حين أن 84% منها تقع في بلدان مرتفعة الدخل. ومع استمرار تقدم التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي “IA” والحوسبة السحابية “Cloud computing”، فمن المرجح أن تتسع الفجوة الرقمية إذا لم تقم الدول السائرة في طريق النمو بخطوات عملية وتبدأ في استخدام هذه الأنظمة قريبًا، وتفوت فرصًا كبيرة.
من خلال ما تم ذكره سالفا، يمثل نظام إدارة مجتمع الموانئ المستقبل الرقمي للتجارة واللوجستيك الدوليين، وهو أكثر من مجرد تطور تكنولوجي؛ فهو أداة قوية يمكنها إحداث ثورة في التجارة الدولية، وبالتالي في هيكل الاقتصاد العالمي، وليس من قبيل الصدفة أن الموانئ التي حصلت على أعلى الدرجات على مؤشر الأداء اللوجستي التابع للبنك الدولي، وهو مؤشر مهم للقدرة التنافسية، قد تبنت هذا النظام، في حين أن أغلب الموانئ غير المتطورة لم تفعل ذلك.
المصدر: وكالات