كما كان متوقعا، الحكومة ليست على قلب رجل واحد في قضية إصلاح مدونة الأسرة؛ فالنزعة الحداثية التي يتحدث بها عبد اللطيف وهبي، وزير العدل الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، لا يبدو أن حليفيه في الحكومة “الاستقلال” و”الأحرار” يتفقان معه عليها.
فبعدما ملأ وهبي الدنيا وشغل الناس بتصريحاته وخرجاته المتوالية متعهدا بالدفاع عن الإصلاحات الحداثية في مدونة الأسرة المرتقبة، خرج عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، لـ”يضع النقاط على الحروف” مؤكدا أن تعديل المدونة يجب أن يتم في إطار المبادئ الوسطية للدين الإسلامي.
وقال أخنوش، في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب، الاثنين الماضي، إن مدونة الأسرة تبقى “الفاصل الذي يعطي لكل أفراد الأسرة حقهم في إطار الاعتدال والوسطية اللذين يميزان الدين الإسلامي والمذهب المالكي في إطار إمارة المؤمنين”.
موقف رئيس الحكومة، الذي يترأس حزب التجمع الوطني للأحرار، سبقه موقف مشابه أعلن عنه حزب الاستقلال على لسان رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، في حوار مع هسبريس؛ فقد شدد بدوره على أن أي إصلاح لمدونة الأسرة ينبغي أن يخضع للمرجعية الإسلامية وإمارة المؤمنين، في تعبير واضح على رفض حزب علال الفاسي إدخال أي تعديلات تتعارض مع الدين الإسلامي.
موضوع حساس
محمد يحيا، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، اعتبر أن إصلاح مدونة الأسرة “موضوع بالغ الأهمية، لا سيما أن جلالة الملك أكد، باعتباره أميرا للمؤمنين في خطاب عيد العرش للسنة الماضية، على ضرورة إعادة النظر فيها على اعتبار مرور عقدين من الزمن عليها؛ ومن ثم، كانت هناك اختلالات، خصوصا فيما يتعلق بالتطبيق”.
وأضاف يحيا، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية: “علينا أن نستحضر أن للمغرب مرجعية إسلامية دينية. وانطلاقا من المبادئ الكبرى للشريعة الإسلامية وللمذهب المالكي فإنه لا يمكن إلا اعتماد مرجعية وسطية تأخذ بعين الاعتبار، مبادئ الشريعة الإسلامية بما يكفل ويضمن استقرار الأسرة وقوتها وتماسكها”.
واعتبر المحلل السياسي ذاته أن التجارب الدولية التي يريد أن يستلهمها ويتبناها “أولئك الذين يعتبرون أنفسهم ذوي مرجعيات حداثية وما إلى ذلك لا يمكن تطبيقها في الواقع المغربي”، مذكرا بكلام الملك الحاسم في خطابه “بأنه لا يمكن أن يحلل حراما أو يحرم حلالا”.
من يحسم الملف؟
أبرز محمد يحيا أن النقاش الموجود بين أحزاب التحالف الحكومي يبين أن هناك “اختلافا في الرؤى. وإذا ذهبنا لاستفتاء شعبي، أعتقد أنه لن يتم قبول أي مساس بالمرجعية الدينية، والتي تستند على التشريع الإسلامي، على اعتبار أنها هي وحدها الكفيلة بضمان استمرارية استقرار الأسرة وتكافلها”.
وزاد الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية مبينا أن “المجلس العلمي الأعلى هو الذي يجب أن يحسم في هذا الموقف، وفقا لرؤية وتوجه جلالة الملك في هذا الباب”، معتبرا أن تصريحات وزير العدل تبقى “خارج السياق، ولن يتم الاعتماد عليها؛ لأن المغرب لديه تاريخ ويجب دائما استحضاره”.
وأفاد المتحدث ذاته أن كل من يتبنى الحداثة “يريد إلغاء تاريخ المغرب وحضارته وقوة مبادئه انطلاقا من الشريعة الإسلامية”، مرجحا بأن لا تخلف هذه التصريحات أية “أزمة داخل الحكومة، لأنه كانت خلافات أكبر من هذا الموضوع، وفي مواضيع أخطر. وفي نهاية المطاف، تم الجلوس على طاولة النقاش وتم أخذ بعين الاعتبار المصالح الكبرى للأمة والمصلحة العليا للوطن فتم حلها”.
وأكد يحيا أن الأساسي والمهم في مدونة الأسرة هو المحافظة على استقرار وعدم تشتيت الأسرة لتكون نواة أساسية وصلبة، لبناء مجتمع سليم وقوي، وهذه المسألة لا يمكن تبنيها أو الوصول إليها وفق تبني مقاربات غربية دخيلة على المجتمع المغربي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبولها أو تبنيها”.
شعبوية وهبي
علق مصطفى المريني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، على الموضوع قائلا: “إن وزير العدل في حكومة أخنوش أكثر الجدل بخصوص موضوع إصلاح مدونة الأسرة والقانون الجنائي، وانزلق إلى نوع مذموم من الشعبوية، خاصة في مجال حساس يمت بصلة إلى المرجعية القيمية والدينية للمجتمع المغربي”.
وأضاف الأستاذ الجامعي، في تصريح لهسبريس، أن “وهبي تعمد خلق الجدل والإمعان فيه من أجل تسويق نفسه كرجل حداثي تقدمي ومدافع عن الحقوق والحريات في مقابل المحافظين المتشددين والأصوليين”، مبرزا أنه يعلم أن فصل المقال في هذا المجال يعود إلى حقل “إمارة المؤمنين من خلال المجلس العلمي الأعلى، الذي يرأسه الملك محمد السادس”.
وتابع المريني مبينا أن “إصرار الرجل وتلويحه بإدخال تعديلات على مدونة الأسرة بكيفية خاصة والقانون الجنائي بكيفية عامة، قد تمس بما يعتبره البعض ثوابت دينية وقطعيات شرعية، هو ما استثار غضب التيار المحافظ في المجتمع”، موضحا أن “بعض ممثلي هذا التيار، وخاصة حزب العدالة والتنمية، نبهوا إلى تعدي الرجل على مجال محجوز لإمارة المؤمنين؛ وهو ما يشكل في نظرهم خطورة على تماسك المجتمع ومرجعيته الدينية”.
كل هذه المعطيات هي التي “حذت بعزيز أخنوش إلى الخروج وإعلان الموقف الرسمي للحكومة بشأن مرجعية إصلاح وتعديل مدونة الأسرة والقانون الجنائي، حتى لا يظن أحد أن وهبي يعبر عن رأي الحكومة”، أورد المريني الذي أشار ضمن التصريح عينه إلى أن “أعضاء الحكومة يشاطرون الرأي مع وزير العدل في شأن هذه التعديلات؛ غير أن المشكل يكمن في اندفاع هذا الأخير أكثر من اللازم وجرأته المقصودة في طرح مشاريع الإصلاح التي جاء بها، الشيء الذي سيجلب مخاطر سياسية على الحكومة”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن إقرار هذه التعديلات يحتاج “الكثير من التريث والتبصر لدى مناقشتها وصولا إلى التوافق حولها، نظرا لتداعياتها على تماسك المجتمع المغربي وانعقاد الاختصاص الحصري فيها لمؤسسة إمارة المؤمنين”، وفق تعبيره.
المصدر: وكالات