بعنوان “بعيدا عن الضريح”، صدرت عن دار نشر “الفنك” سيرةٌ ذاتية للأكاديمي ومُنشئ المعاجم المغربي عبد الغني أبو العزم، الذي كان أحد مترجِمَي مرجع مُنع في المملكة زمنَ سنوات الرصاص، هو كتاب واتربوري “أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية”.
تلي هذه السيرة المبتعدة عن “الضريح” الصادرة سنة 2024، كتابَين أدبيين صدرا بعيدا عن تخصّص الباحث الأكاديمي هما “الضريح سيرة ذاتية” سنة 1994، و”الضريح الآخر” سنة 1996.
وهذا الكتاب السِّيَر ذَاتِيّ حوار مطوّل أجراه رشيد عفيف وفتيحة قذاف، وقال الأكاديمي نور الدين العوفي في تقديمه: “ثلاث مفردات تختزل العنوان العريض لفصول الكتاب، ولسيرة المؤلف: السياسة والثقافة والأخلاق. ثلاثية سيميائية تشكل منظومة واحدة، متكاملة، لا انفصام فيها. هي الخيط الناظم، من الألف إلى الياء، لأجوبة الكاتب على الأسئلة التي تترادف فيها الأزمنة، وتتشابك فيها الأمكنة، وتتعدد فيها التيمات لتشكل في المجموع، سرديّة مطردة، باذخة، ناجعة، ونافعة للقارئ”.
وأضاف: “ما يرشح أيضا من الكتاب هو أن للرجل مسارات متعددة، مختلفة، لكنها ليست متنافرة، ولا متضاربة، بل متجانسة، ومتناغمة، يحكمها إيقاع واحد، متموج، لكنه صاعد، تغذّيه التجربة الغنية والمتعبة، وتدعمه المراجعة اليقظة والمستمرة”.
وتابع المقدّم: “لقد سبق لأبي العزم أن كتب سرديّة حول طفولته في كتابه [الضريح] المنشور سنة 1994، كما أن في [الضريح الآخر] الذي نشر سنة 1996، والذي حصل به على جائزة الكتاب الكبرى، فصول تتعلق بمرحلة ما قبل الجامعة، في هذا الكتاب استئناف، واستكمال من مراكش إلى باريس، مرورا بالرباط وفاس، فصول أخرى من السيرة الذاتية منسوجة بعيدا عن الضريح، قريبا من الضريح”.
ويشهد في هذا الكتاب عبد الغني أبو العزم على “الوعي الثوري” و”الوعي الديمقراطي” و”ميلاد الفكر اليساري” الذي يكشف منه حلقات شهد عليها بجامعة فاس، ويقف عند القضية الفلسطينية، ويرافع لصالح اللغة العربية التي “اشتف بها عصارة جهوده البحثية ليضع لها معجما غنيا، زاهرا متميزا”، وفق العوفي، الذي ذكر أن الكتاب ينتهي “ببوح، لا يخلو من شجَن، عن المرأة في حياة الكاتب، عسى أن يشكل قريبا [الحلقة الرقيقة] من هذه السيرة الذاتية والذهنية الممتعة، والمفيدة”.
وفي قراءة أوردتها السيرة، ذكر خاطُّها البروفيسور بطرس الحلاق أن “المحاسن التي تُذكر لهذا النص أنه يرسم مسار جيل بأكمله في المغرب، له مثيله في كثير من المجتمعات العربية، مغربا ومشرقا. جيل هو جيل الرواد الثاني (أو الثالث) من عمر النهضة، عاش تجربته البكر في فترة الاستقلال أو بُعيدها. مثلا في الجزائر أثناء انتصار الثورة، وفي مصر بعد ثورة تموز، كما في سوريّة والعراق وقت الاستقلال، وبطبيعة الحال في فلسطين حين انقدحت شرارة المقاومة”.
هذا الجيل “ميزته أنه عاش حلم النهضة، وكأنها في متناول اليد، وتحمّل أعباءَه، غير أن الحلم انقشع عما يشبه الكابوس، جيل كثيرُه سقط على جانبي الطريق”، لكن “طوبى لمن يستمر في الحلم بعد انهياره الظاهري، المؤقت، ويثابر حتى الرمق الأخير في رسم معالم طريق نهضة إنسانية”، ثم ختم بالقول: “وعندي أن هذا المسلك هو بالذات ما استخاره عبد الغني، وقد كبرت به السن وترك فيه العمر ندوبا يحاول أن يتعالى عليها ليكمل الطريق”.
المصدر: وكالات