لعلَّ أعْظم حادثٍ طَبَع تاريخ المسلمين ولا يزال يُلقي بِظلاله على حاضِرِهم، هو تَصادُم واقْتِتال صَحابة النّبي، وبالتّالي انشِطارُهم إلى أنصار السَّقِيفة أو ما يُعرف بأهل السُّنّة والجَماعة، ومِن جهة أخرى شِيعَة عليّ بن أبي طالب، المُعارِضَة لِتنْصيب خليفةِ رسولِ اللّهِ عن طريق الشُّورى.
إنّه يكْفي أنْ تَذْكُرَ الفِتْنة المُسمّاة “كُبْرى” كيْ يتوقَّف العقل المسلم عن التّحقيق والتّدبُّر، فَلَفْظة الفِتْنة جاءت على نحْوِ ستّين موْضعًا في القرآن الكريم، وفيها قال تعالى “إنْ هٍيَ إلاّ فِتْنَتُك تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ” سورة الأعراف 155.
في مُقابِل “الفِتْنة الكُبرى” تأتي مُقاربَتُنا هذه على شكْل مُرافعة تَجْريدِية، نَرومُ من خلالِها كشْفَ الغِطاء عن مجْموع إِرْهاصَات، عَمَّرت طويلا وكرّست التّنافُر والتّقارُع بين فِئات وطوائِف المسلمين، الذين يَزْعُم كلُّ واحدٍ منهم صوابَ مِنْهاجِه وأنّه هوَ “الفِرْقة النّاجِية”.
أُصول كلِّ هذه الفِرق الإسلامية أربعة: الشّيعة، المُعْتزِلة، المُرْجِئة والخوارِج، هذا مع العِلْم أنّه في وقتِنا المُعاصر توجد ثَمانِ فِرَق عقائديّة: الأشْعَرِيَة، المَاتُرِيدِيَة، الحَنْبليَة، السّلَفية التي تُمثّل الطّائفة الأكثر، ثمّ الإِباضِية فالطّائفة الأقلّ التي تَحْوِي الزَّيْدية، الإمَامِية الإثْنى عَشَرِية والإسْمَاعِيلية.
هذه الفِرَق تختلف حول إثْبات الصِّفات، الإمامَة، الإرادة، كلام اللّه، رُؤية اللّه، الجَبْر والاخْتيار ثمّ الأسماء والأحْكام.
وحيث أنّ الحقّ لا يُعْرَف بالعَدَد أو بِالنِّسْبة كالأكثرية والقِلّة، فقد ذمَّ اللهُ تعالى الأكْثريةَ فقال “وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ” سورة الأنعام 116، وقال “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” سورة لقمان 25، وقال “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ” سورة العنكبوت 63، وقال “وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ” سورة الأنعام 119.
في المُقابل، مَدَح عَزّ وجلّ الأقلّيةَ فقال “وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ” سورة سبأ 13، وقال “وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وقَلِيلٌ مَّا هُمْ” سورة صَ 24، وقال “وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ” سورة غافْر 28، وقال “وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ” سورة هود 40، وقال “وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ” سورة يونس 55، وقال “وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ” سورة النّمْل 73.
قٍياساً على ما سبَق، لا يمكن معرفة الحقّ الذي لا يكون إلاّ واحدا، عن طريق تِعْداد مَجال حُكْم طائفة ما أو كثْرة “فُتوحاتِها”.
وإذا كان الاختلاف في العُمومِ مَحْموداً ونامُوساً كوْنِيّاً، كما قال تعالى “َولَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ” سورة المائدة 50، إلاّ أنَّه أمْرٌ غيرُ سائغٍ ومنْهيٌّ عنْه في الدّين، حيث قال تعالى “وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ واخْتَلَفُواْ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰاتُ وأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” سورة آل عمران 10، وقال تعالى “وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ولَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ” سورة هود 118، وقال تعالى “مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وكَانُواْ شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ” سورة الرّوم 32، وقال تعالى “وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا ولَا تَفَرَّقُواْ وٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَٰانًا وكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” سورة آل عمران 10.
فَحَقَّ لنا بذلك أن نتسائل: أين الحَقّ الذي “لا يكونُ إلاّ واحدا”؟ وكيف يمكن تحقيقُه وإقامَتُه؟
ثمّ أيُّ سُنَّةٍ يُمكن ٱعتمادُها في هذا التّحْقيق؟ وأيُّ آلِيَةٍ للإسْناد تُقرِّبُنا للحقّ، أَبِعِلْمِ الرِّجال كما عند الطّائفة الأكثر، أم بِالعَرْضِ على القرآن كما لدى الطّائفة الأقلّ؟
لا شكّ أنّنا بِصَدَد مَهَمّةٍ صَعْبة ونحن نُقارِع هذه المسألة المَصِيرية، ما دامَ الخوْضُ في تاريخِ الصّحابة وما شَجَرَ بينهم، يُعَدُّ عند البعض مِن قبيلِ المَسِّ بِجوْهر ثوابتِ المسلمين، فضْلاً على اعتبارِه نقْداً مَاضَوِيّاً ونَبْشاً لقُبورِ الأمْوات كما يعتقد البعض الآخر.
وعليه، فإنّنا نتَمْوضَعُ هَهُنا بيْن فَكَّيْ كَمّاشَةٍ، نُواجِه مِن جِهة أولئك الحَداثِيين المُنْتَقِدِين “للعَقل الفِقْهي”، كما مِن جهةٍ أخرى نُقارِع الحَدِيثِيّينَ المُصِرّين على حِجِّية السُّنّة جنْباً إلى جنْب القرآن الحكيم، ويبقى بين الإثنين أولئك المُتَوَقِّفُون المُسْتَدِلُّون بقوله تعالى “تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ ولَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ولَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” سورة البقرة 141، أولئك الدّاعِين لِلإمْسَاك عن إثارَةِ ما طَوَاهُ “العلماء” وأقْبَرَهُ الرّواة.
إنّ أوّل مَبْدَأ تأسّس في تاريخ الصّراع بين المسلمين، هو مبدأ “حَسْبُنا كِتابُ الله”، الذي قيل في حَضْرَة النّبي وهو مُسَجّى على فِراشِ مَرَض الموْت، هذا مع العلم أنّ السّنّة النّبويّة لها حِجِّيةٌ في التّشريع الإسلامي إلى جنْب القرآن الحكيم، قال تعالى “أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ” سورة النّساء 59، كما قال “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا” سورة الأحزاب 36، وقال “فَإنْ تَنَازَعْتُم فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلىَ اللهِ والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُومِنُونَ بِاللّهِ واليَوْمِ الآخِر” سورة النّساء 58.
وحيث أن القرآن الحكيم الموجود بين أيْدينا، هو المُتَعَارَف عليه بين الطّائِفتيْن المُتنازٍعتين أي الأكْثرية والأقلّية، يكون وحْدَهُ الفَصْل في مرْحلة أوَّلية، قال عز وجلّ “ذلك حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُم” سورة المُمْتحنة 10، وقال “وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلىَ اللهِ” سورة الشورى 8، وقال “إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا كَانُوا يَخْتَلٍفُون” سورة الزّمر 3، وقال “قُل اللّهمّ فاطِرَ السّماوات والأرْضِ عالِمَ الغيْبِ والشّهَادَة أنْتَ تَحْكُم بيْنَ عٍبادٍك فِي مَا كَانُوا يَخْتَلِفُون” سورة الزّمر 43، وقال “اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُم فِيمَا كُنْتُم فِيهٍ تَخْتَلفُونَ” سورة الحجّ 67، وقال “وَمَا كَانَ النّاسُ إلاَّ أُمّةً واحِدَةً فَٱخْتَلَفُوا ولَوْ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ من ربّك لَقُضِيَ بينهم فيما كانوا فيه يختلفون” سورة يونس 19، وقال “ومَن أصْدق من الله حَدِيثًا” سورة النِّساء 86، وقال “فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيَامَة” سورة النّساء 140، وقال “وأنْ ٱحْكُمْ بَيْهُم بِمَا أنْزَلَ اللهُ ولاَ تَتَّبِعْ أَهْوَائَهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَلىَ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إلَيْكَ” سورة المائدة 51.
وحيث تَوافَرَتْ بُطُونَ أمّهاتِ كُتبِ الفريقين المُتنازِعين على ألْفاظ ورُمُوز مِن قَبِيل “كَذا وكَذا، فُلان، كان ما كان، قال قوْلاً..”.
وحيث أن القاعدة الذّهبيّة تَقْضي بأنّ “القرآن يُفسِّرُ بعْضُه بعْضاً”؛
وحيث أنَّ هُناك فَتْرة فَرَاغ تُقدَّر بـ 182 سنة، بين العهْد النّبوي وبِداية تدْوين السّنّة، يُقِرُّ بوُجودها المؤرِّخون المسلمونَ وغيرُ المسلمين؛
فإنّه لهذه الأسباب كلِّها، يكون لِزاماً علينا اعتِمادُ القرآنِ وحْدَه، كَمرحلة أوّلية، من أجلِ تثْبِيتُ عَرْشِ الطّائفةِ الأقْرَب للحقِّ أوّلاً، وبعْدَها تأتي التّفاصيلُ.
الحقّ هو اللهُ سُبحانه وهو واحدٌ والنّبي واحد والقرآن واحد، في هذا الأخيرِ جاء ذٍكْر لفْظةِ الحقِّ ومصادِرِها في نَحْو 260 موْضِعا، والحقُّ لا يمكنه أن يكون مُتَعَدِّداً، كَأن يكون إلى جَنْب الظّالِم والمظْلوم في آنٍ واحد! إِذْ “مَا جَعَلَ لٍرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِه” سورة الأحزاب 4.
مسألةُ خَلْقِ حَوَّاء وتَكَاثُر البَشَرِيَّة:
حيثُ قال تعالى “وَمِنْ آيَٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً ورَحْمَةً، إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَٰاتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ” سورة الرّوم 21، وقال “يَٰٓا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰاحِدَةٍۢ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَآءً، وٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ وٱلْأَرْحَامَ، إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” سورة آلنِّساء 1.
تعْتقد الطّائفةُ الأكثر كما في سِفْرِ التّكْوين أيْضاً، أنّ حوّاء عليها السّلام خُلِقَت مِن ضِلْعٍ في الكَتِفِ الأيْسَر لِآدم عليه السلام، مَا يُفْهَمُ مِنه أنّ آدم نَكَحَ نفْسَه، وإذا كان “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰاتُكُمْ وبَنَاتُكُمْ وأَخَوَٰاتُكُمْ وعَمَّٰاتُكُمْ وخَٰالَٰاتُكُمْ وبَنَاتُ ٱلْأَخِ وبَنَاتُ ٱلْأُخْتِ وأُمَّهَٰاتُكُمُ ٱلَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَٰاتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وأُمَّهَٰاتُ نِسَآئِكُمْ ورَبَٰٓائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ” سورة النِّساء 23، فالأَحْوَطُ والأوْلى أن يَحْرُمَ على المرْء ذاتُه كما حُرْمَة إتْيان مَثيلِه، قال تعالى “أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ” سورة النّمل 55، وقال “أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ” سورة الشُّعَراء 165. بينما تعتقد الطّائفة الأقلّ أنّ حوّاء عليها السلام خُلِقت من الطّينِ الذي فَضُلَ من الكَتِف الأيسر لآدم عليهما السّلام، وأنّ تكاثُر البشريّة لم يتِم بِزواج الأخِ بِأُختِه، لأنّ ذلك سِفاح وزِنا مَحارِم.
مسألة القُرآن الحكيم:
القُرآن الحكيم كلامُ اللهِ لِعِباده الّذين أكْرَمهم بالعقْل، إذْ قال فيهم “الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ” سورة الزّمر 18؛ وبِالعقل دَلَّ تعالى على رُبوبِيَّتِه فقال “وَإِلَٰاهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰانُ الرَّحِيمُ” سورة البقرة 163. فيه الصّريحُ والمُشْكَل، كما فيه الظّاهر والباطِن، كما يُمثِل رُوحَ ورَأْسَ تَراتُبية التّشريع لدى المسلمين، وعليه لا يسُوغُ لِأيِّ نَصٍّ دُونَه أنْ يَحُلَّ مَحلَّه.
ومع ذلك يدّعي البعض عدَمَ تَفصيلِ القرآن الكريم لكلِّ أمور العقائد والعبادات وأحكام مَنَاحِي الحياة. دليلُ هؤلاء على صِدْقٍيَتهِم في ذلك، هو تفْصيل السّنّة النّبويّة لِعَدَدِ رَكعات الصّلوات وشعائرَ الحجّ ومقدارَ الزّكاة، ولذلك وَجب لُزُومُ التّشبُّث بالسُّنة إضافة للقرآن.
الحَالُ أنَّ هذا النّوع من التّفْصيل، يُعتبر ضِمْن العِبادات المُتّفَقِ عليها، على الأقلّ، لدى كُلِّ الأطراف المُتنازعة، بل وحتّى لدى الإِباضِية نفسُها، أضف إلى ذلك أنَّ هذا الرّأي يتعارُضٍ مع قوله تعالى “مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ، ثمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” سورة الأنْعام 38.
المُلْفِت للنّظر وُرود مَقوُلة تعرُّض القرآن الكريم لِلتّحْريف، حيث نجد لدى الأطراف المُتنازعة أحاديث تُفيد بأنّ “الدّاجِن أكل بعضَ آيات القرآن” وأنّ “المُعوِّذتين ليستا ممّا يُقْرأ في القرآن” كما نجد أيضا أنّ القرآن “نزل في نَحْو سبعة عشر ألف آية”. غير أنَّ إجماع المسلمين المُطْبَق يُفيد انتفاء وقوع هذا التّحريف، الشّيء الذي يتوافَق مع قولِه تعالى “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” سورة الحِجْر 9.
مسألة افْتِتاح الصّلاة بالبَسْمَلَة:
اختلافُ الفريقين المُتنازِعَيْن يتجلّى حتّى في افْتِتاح قِراءة القرآن في الصّلاة، فَمَن يعتبِرها آيةً في سورة الفاتحة، ومَنْ لا يعتبرها من القرآن، بينما قال تعالى “إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِٱسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وٱتُونِي مُسْلِمِينَ” سورة النّمل 30، ما يعني أنّ البَسْملة آية من آيات القرآن وعلى هذا تَسِير الطّائفة الأقلّ.
مسألة النّبيّ الأعْظم:
حيث قال تعالى “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإِنجِيلِ” سورة الأعْراف 157، فإنَّ طائِفة أكثر المسلمين تعتبر النّبي أُمِّيّاً، لا يكْتُب ولا يقرأ، في حين قال تعالى “وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ ونَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا” سورة الإسراء 106، وقال “عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ” سورة النّجْم 5، ثم قال “كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُمْ ويُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ والْحِكْمَةَ ويُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ” سورة البقرة 151، ولو كان النّبيُّ غيرَ مُتعلِّمٍ كما يعتقدون، هل كان سيَطْلُبُ المزيد من العِلم في قوله تعالى “وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا” سورة طه 114؟
هذا النّبيُّ في اعتقاد الطّائفة الأقلّ مُنَزّهٌ كذلك عن الفَقْر، قال تعالى “وَوَجَدَكَ عَآئِلًا فَأَغْنَىٰ” سورة الضّحى 8، وقال “وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ” سورة الأنْفال 41.
وحيث قال تعالى في حَقِّ نَبِيِّه “وَ ِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” سورة القلم 4، جازِماً سُبحانه “وَمَا يَنْطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ” سورة النَّجم 3، فإنّه قَطْعاً لا يُمْكِنُه أن يَأْتِيَ المُوبِقَات المَنْسُوبة له في التراث.
مسألة كِتابَة الوَصِيَّة وتَوْرِيث النَّبي:
حيث أنّ الأنبياء هم القُدْوَة والمُعلِّمون، فإنّ الأحكامَ المُشَرَّعَة للعِباد تَبْدأ بِهم، إذ قضى الله أن يكتبوا وصِيّتهم كما في قوله تعالى “وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ ولْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ولْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ولَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا” سورة البقرة 282، وقوله “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ للذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ” سورة النّساء 11، هذا فضْلا عن توْريثِهم كما في قوله تعالى “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” سورة النّمل 16.
وعليه، تعتقد الطّائفة الأقلّ، أنه لا يمكن بالمَنْطقِ السَّليم أنْ يَتْرُك نَبيٌّ من الأنبياء أهْلَه وأُمّتَه هَمَلاً دون كِتابةِ وصيّةٍ، وربّما كان هذا سبَبُ ادّعاءِ الطّائفة الأكْثَر، لِأُمِّيَّة النّبي بالمفهوم الاجتِماعي للكلمة، أيْ أنّه كان لا يكتُب ولا يقْرأ!
هذا الاسْتِثْناء في التَّعَلُّمِ والتّوْريث، يُخالف قوْلَه تعالى “قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ ٱلرُّسُلِ ومَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِي ولَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ ومَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ” سورة الأحْقاف 9.
مسألة الوَصِيّة للوارِث:
حيث قضى الشّارع الحكيم أنّه “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ والْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” سورة البقرة 180، فالوالديْن مِن أصحاب الفَرْض ويُمكن الوصيّة لهم كما تفعل الطّائفة الأقلّ.
مسألة مَسْحُ الأرْجُل فِي الوُضُوء:
الأحكام الشّرْعية في الإسلام خمْسة وهي: الواجب، المُستَحَبّ، المُباح، المَكْروه والحَرام، فواجبات الوُضوء وِفْقاً للقرآن الكريم “غَسْلَتان ومَسْحَتان” فقط دونَ الخَلْطِ بين ما هو نَظافةٌ وما هو وُضُوء، قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَٱغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وٱمْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ” سورة المائدة 6، فلا وُجودَ إذاً لِغَسْلِ الأرْجلِ كما تفعل الطّائفة الأكثر.
مسألة أوْقات الصّلَوات:
حيث قال عَزَّ من قَائِل “أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا” سورة الإسراء 78، أي أن أوقات الصّلاة ثلاثة، ومن ثمّة يُجْمَع بين الظّهر والعَصْر مِن غَيرِ ضرورةٍ وبدون تقْصير، وكذلك الأمْر يُجمَع بين المغرب والعِشاء كما تفعل الطّائفة الأقلّ.
مسألة إِتْمَام الصِّيام إلى اللّيْل:
حيث قال المولى عزَّ وجلّ “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ” سورة البقرة 187، فاللّيْلُ هو الظّلام قال تعالى “وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ” سورة يس 37، ويُقَدَّر هبوط الظّلام بعْدَ رُبْعِ ساعة من غِياب قُرْصِ الشّمس لدى الطّائفة الأقلّ، الذين يُتِمُّون الصّيامَ إلى اللٌيل.
مسألة مُتْعَة الحَجّ والنِّسَاء:
حيث أنّ الحياة الدّنيا كُلُّها مَتَاع، كما في قوله تعالى “يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ” سورة غافِر 39، أمّا بِخُصوص الحجّ قال تعالى “وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ولَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ” سورة البقرة 196، وفي الزّواج المُنْقطِع أو المُؤَقَّت قال تعالى “فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً” سورة النّساء 24.
والحَالُ أَنَّ أصْغرَ طالبٍ في الحُقوق يَسْتَوعِبُ اسْتِحالةَ إِسْقاط تشْريعٍ أَدْنى لِآخرَ أعْلى منه، فتَراتُبِيّةَ التّشْريع تقْضي بأنَّ المَرْسوم السُلْطاني مثلاً لا يُمكِنه إيقاف نصٍّ دُسْتوري، كما في القانون الوضْعي، وبالتّالي فإنّ الطّائفة الأقلّ تعْمل بالمُتْعتين مُتْعة الحجّ ومُتعة النّساء.
مسألة لاَ رَضَاعَ بعْدَ فِطَام:
حيث قال تعالى “والْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ولَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” سورة البقرة 233، فلا رضاعَ بذلك للشّابِّ اليَافِع كما لدى الطّائفةِ الأكثر.
مسألة التّقيّة:
حيث قضى سُبحانه “لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ومَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ” سورة آل عمران 28، كما قال تعالى “وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ” سورة غافر 2، وهذا يُعتبر من أُسُس عَقيدة الطّائفة الأقلّ.
مسألة الإشْهَاد في الطَّلاَق:
حيث قضى سبحانه وتعالى “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأَحْصُوا الْعِدَّةَ واتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا” سورة الطّلاق 2، وعليه لا يَقَع الطّلاق لدى الطّائفة الأقلّ إلا بحُضور شاهِدين عَدْلين.
مسألة قَطْع يَدِ السَّارِق:
حيث قال تعالى “وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” سورة المائِدة 38؛ ويبْقى السُّؤال ما هو قَدْرُ القَطْع في هذا الحَدّ؟ هل هو كُلُّ الكفّ أم يتَعدّاه؟
وحيث أنّ العُقوبةَ رَدْعٌ وليْست تَشَفِّيًا، فإنّ القَطْع يَطال فقط رُؤوسَ الأصابِع بدليل قوله تعالى “فَوَيۡلٞ لِلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰابَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِ ثَمَنٗا قَلِيلاً فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ووَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ” سورة البقرة 79، هذا ما تعْتمده الطّائفة الأقلّ.
مسألة الخُمُس:
حيث قضى الله تعالى بالخُمُس للنَّبي فقال “وٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وٱلۡيَتَٰامَىٰ وٱلۡمَسَٰاكِينِ وٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِنْ كُنتُمۡ آمَنْتُم بِٱللَّهِ ومَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ وٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ” سورة الأنفال 41، الطّائفة الأقلّ منذ أربعةَ عشر قرْناً تدْفْع الخُمُس لذُرّية أحْفاذِ النّبي، تطْبيقاُ لقوْله تعالى “قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى” سورة الشّورى 23.
مسألة رُؤْية اللهِ يوْمَ القيامَة:
حيث قال تعالى “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” سورة الشّورى 11، فاللّه تعالى “لا يَجْرِي عليه ما أجرَاه”، ورغْم ذلك تعْتقد الطّائفة الأكثر أنّ اللّهَ تعالى شابٌّ أمْرَد، طُولُه سِتُّون ذِراعاً وأنّه ينْزِلُ إلى السّماء الدُّنيا، بل وأنّهم سَيَروْنه يومَ القيامة، بدَلالة قوله تعالى “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ” سورة القيامة 25، بينما تسْتَدِلّ الطّائفة الأقلّ على اسْتٍحالة ذلك بقوله تعالى “لَّا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰارُ وهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَٰارَ وهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ” سورة الأنْعام 10.
مسألة اعْتِدَادِ المَرْأة المُتَوَفّى عنْها زَوْجُها:
حيث قضى سبحانه في حالِ وفاة الزّوج، أن تَعْتَدَّ الزّوجة أربعة أشْهرٍ وعشراً فقال “وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” سورة البقرة 234، أمّا في حال المرأة الحامِل المُتوفّى عنها زوجها، فإنّ الطّائفة الأقلّ تعتمد قاعدة “أَبْعَدُ الأجَلَيْن كما في قوله تعالى “وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً” سورة الطلاق 4.
مسألة التَعْصِيبَ في المِيراث:
حيث أنّ الَورَثة أصحابُ الفَرْضِ ثلاث طبقات، وحيث أنّه في بعض الأحيان يكثر المال على الورثة، فإنّ الطّائفة الأقلّ في هذا الحال تُطَبِّقُ قاعدة “الأقْرَب فالأقْرب”، عمَلاً بصَريحِ قوله تعالى “وَأُوْلُواْ ٱلْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍۢ فِى كِتَٰابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ” سورة الأنفال 75، وعليه يرْجِع المالُ المُثَبَقِّي في قِسْمة الفُروض، لِأصحاب الفَرْض ولا تَوْريث بذلك لِلعَصَبَة.
مسْألة البَداَء:
حيث تَعْتقد الطّائفة الأقلّ أنّ سُلْطانَ الخالِق مَبْسوطٌ حتّى بعْد قضاء أمرٍ ما، فيَمْحو ما يشاء سبحانه ويقْضي ما أراد، دليل ذلك قوله تعالى “يَمْحُوا ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ويُثْبِتُ وعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَٰابِ” سورة الرَّعْد 39.
مسألة لاَ جَبْرَ ولَا تَفْوِيض:
حيث قال تعالى “وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا” سورة الَكهْف 29، وقال “إِنَّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وإمَّا كَفُوراً” سورة الإنْسان 3، وقال “وَ عَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ومَا ظَلَمْنَٰاهُمْ ولَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” سورة النَّحل 118، وقال “وَهَدَيْنَٰاهُ ٱلنَّجْدَيْنِ” سورة البَلد 10، وعليه تعْتقد الطّائفة الأقل أنّ للإنسان حُرّيةً تَكْوينية، وبذلك “فَلا جَبْرَ ولا تَفْوِيضَ، إنّما هوَ أمْرٌ بين الأمْرَيْن”.
مسألة الإِيمَان بِالرَّجْعَة:
الرَّجْعَة هي العَوْدة إلى الحياة بعد الموْت قبل يوم القيامة، قال تعالى “أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰارِهِمْ وهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰاهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ ولَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ” سورة البقرة 243، وقال “وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰامُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” سورة البقرة 56، وقال “أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ولِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” سورة البقرة 259، وقال “وَ رَسُولًا إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِـَٔايَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًۢا بِإِذْنِ ٱللَّهِ وأُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وٱلْأَبْرَصَ وَأُحْيىِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ ومَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” سورة آل عمران 49.
بهذا الخُصوص تعتقد الطّائفة الأقلّ أنّ ما حدَث في الأُمَم السّابقة سيحدث أيضا في هذه الأمّة.
مسألة التَّوَسُّل بالنّبيِّ والوَلِيِّ:
حيث قال تعالى “قَالُواْ يَا أَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰاطِـِٔئينَ” سورة يوسف 97، وقال “وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا” سورة النّساء 64، وبذلك تعتقد الطّائفة الأقلّ في جَواز التّوسُّل بالنّبي، بدليل قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ٱتَّقُوا اللَّهَ وَٱبْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ” سورة المائدة 35.
مسألة اللَّعْن:
حيث طردَ الله تعالى الكَاذِبين من رَحْمته، فقال “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ ويَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ” سورة هُود 18، وقال “أُولَئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ والمَلاَئِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِين” سورة آل عِمران 87، وعليه لا مُجَامَلَة مع الكاذِبين والظّالِمين، كما تعتقد الطّائفة الأقلّ.
بالنّظَر في هذه المسائل المِحْورية، التي يختلف حوْلَها المسلمون، وبالرّجوع إلى الصَّريح المُحْكَم في القرآن الحكيم، تكونُ الطّائفة الأقلّ هي المُوافِقَة والأقْرَب للحَقّ، الذي “لا يكون إلاّ واحدا”، وهو اسمٌ من أسمائِه تعالى، العَادِلُ فِي أَحْكَامِهِ الثّابِتُ بلا شَكٍّ، قضى أن تكون الفِتْنة في الحياةِ الدُّنيا امْتحاناً واختباراً لعبادِه، فقال عزّ وجلّ “يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ” سورة الذّارِيات 13، وهو بالتّالي كما في قوله تعالى “يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” سورة السّجدة 25.
أكيد أنّ القَضاء بين العِباد فيما يعْتقدون به هو بِيَدِ اللهِ، إذْ قال سُبحانه “إنّك مَيِّتٌ وإنّهُم مَيّتُون ثُمَّ إنّكُم يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ” سورة الزّمر 31، وقال “ولَوْلا كَلِمةٌ سَبَقَت مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُم” سورة الشورى 12، غيْرَ أَنَّ الّذي نحنُ بِصَدَدِه الآن هو مُحاولةٌ لِإِحْقَاقِ حَقٍّ تَفرّقَتْ دِمَاؤُه بيْن المُسْلِمين.
اللّهمّ مَا عَرّفْتَنَا مِنَ الحَقِّ فَحَمِّلْنَاهُ ومَا قَصُرْنَا عَنْه فَبَلِّغْنَاهُ، اللّهُمَّ أَلْمُمْ بِهِ شَعْثَنَا، وَأَشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا يا أرْحمَ الرّاحِمِين.
The post المُرافَعَة الكُبْرَى لفائدة الحَقّ ضِدَّ البَاطِل appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
المصدر: وكالات