يستمر موضوع إحداث “المنتزه الوطني الطبيعي للأطلس الغربي” في إثارة الجدل بجهة سوس-ماسة، فارضا نفسه على رأس النقاش المجتمعي بالمنطقة، خصوصا في ظل عدم وجود توضيحات من أهل الحل والعقد الواقفين وراء إخراج هذا المنتزه إلى حيز الوجود، الذي يشمل ما يصل إلى 111 ألف هكتار من أراضي أقاليم تارودانت واشتوكن آيت باها وتزنيت.
وإلى حدود الساعة، ما تزال الساكنة “غير مستوعبة” لأهداف إحداث هذا المنتزه، ما جعلها تستمر في “الشك في نوايا الإدارة” منذ صدور نصوصه القانونية المرجعية بالجريدة الرسمية خلال شهر مارس الماضي، بالنظر إلى صلته بالملكية الخاصة للأراضي الفلاحية وأشجار أركان، ما جعلها تشرع في التقدم بتظلماتٍ، مطالبةً في الآن نفسه بـ”توضيح الأهداف والسياقات”.
وما تزال الأصوات تتعالى بحدّة بهدف “إلغاء قرار وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم 3267.23، القاضي بإحداث المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 7282 بتاريخ 14 مارس 2024″، وهو ما ذهب في اتجاهه رؤساء عدد من الجماعات الترابية بالدائرة الجبلية لإقليم اشتوكن آيت باها ضمن مراسلة أعدوها خلال شهر ماي الماضي حول الموضوع.
نريد توضيحات!
من موقعه كفاعل مدني ناطق باسم تنسيقية “أكال” للدفاع عن حق الساكنة في الأرض والثروة، قال أحمد يحيى إن “القانون رقم 22.07 الذي يستند إليه هذا المشروع، يطرح إمكانيات نزع ممتلكات الساكنة وأراضيها، خصوصا التي تكسوها أشجار الأركان؛ فالمحليون اليوم يُجمعون على كون هذا المنتزه سيعمق جراح الملكية الخاصة بالمنطقة، خصوصا وأن النص المذكور ينتصر لاقتناء الملكية أو نزعها للحاجة إلى المصلحة العامة”.
وتابع يحيى، في تصريح لهسبريس، أن “هذا المشروع يضع ملكيتنا الخاصة لهذه المجالات خلال القرون الماضية في كف عفريت، وهو ما يغذيه شُح المعطيات وغياب توضيحات المسؤولين عن تنزيل هذا المشروع الذي بدأت حاليا أطوار أبحاثه الميدانية بعدد من المناطق، في وقت توجد تخوفات من رمي هذه الممتلكات في يد القطاع الخاص في إطار عقود تدبير مفوض لما بين 30 و40 سنة”.
وزاد أن “القانون المنظم لهذه العملية سابقٌ على الدستور ومناقضٌ له، حيث إن مواده ما بين 12 و15 تظل مُقيدة الحقوق العينية والاستغلالية للساكنة المحلية”، داعيا أهل الحل والعقد إلى “إعادة النظر في هذا المشروع وتقديم توضيحات للساكنة”.
تساؤلاتٌ عن الغايات والأهداف
عبد الله بوشطارت، ناشط أمازيغي متتبع للملف، أكد “عدم وضوح المعايير التي بنت عليها إدارة المياه والغابات داخل اللجنة التقنية للمناطق المحمية في اجتماع 27 يوليوز الماضي، الذي جرى الاستناد إليه من قبل وزارة الفلاحة لإصدار قرار إجراء البحث ضمن هذه المساحة الجغرافية التي تقدر بما يصل إلى 111 ألف هكتار”، موضحا أن “هذا القرار يعتبر فوقيا وأحاديا لكونه لم يراع المقاربة التشاركية مع الساكنة والجماعات الترابية، في وقت يتحدث القانون فقط عن السماح للساكنة بإبداء الرأي”.
وبيّن بوشطارت، في تصريح لهسبريس، أن “المنتزه الطبيعي إذا تم خلقه في الأطلس الصغير ستكون له انعكاسات وخيمة على واقع الناس ومستقبلهم ومصير ممتلكاتهم؛ فأخطر ما فيه هو فقدان ملكية الأرض للأفراد والجماعات والقبائل، وحق الملكية هو من أقدم الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها البشر، وذلك حسب المواد 15 و16 و17 من القانون المذكور، وأيضا سيفقد السكان الأصليون حرية التصرف في أملاكهم ومنازلهم وحقولهم وبساتينهم. أما حقوق الانتفاع بالرغم من أن القانون يتحدث عن ضمان استمرارها، إلا أنها مشروطة باتفاق بين إدارة المياه والغابات وإدارة المنتزه”.
وذكر المتحدث أن “جميع الأنشطة الزراعية والرعوية والفلاحية ستكون ممارستها وفق تصميم تهيئة المنتزه، وبالتالي فالسكان فقدوا كل شيء، مادام أنهم لا يستطيعون التصرف بحرية في أملاكهم، في حين إن عمليات البناء وحفر الآبار وغيرها تظل ممنوعة… أكثر من هذا، توجد داخل المنتزه مناطق يُمنع فيها حتى حق التجول حسب المادة 30”.
ومن هذا المنطلق، تساءل بوشطارت عن “الغايات وراء إحداث هذا المنتزه في وقت يسمح القانون بالتدبير المفوض للمنتزه لصالح شركات أو مقاولات. وبالتالي، فالهدف ليس هو الحفاظ على التنوع البيولوجي والتراث الطبيعي والوحيش وغيرها، وإنما الاستثمار أو ما يسميه القانون التنمية”، مبرزا “الارتباط الوجودي للإنسان الأمازيغي بالأرض، إذ وضع منظومةً صارمة لتدبير الرعي وتقسيم الماء”.
“الملكية فوق كل اعتبار”
الحسين سلامة، ناشط ترابي بإقليم تيزنيت، قال: “بالنظر إلى كون هذه التجربة هي الأولى من نوعها بالمملكة، فإن مُراد الدولة لم يتضح بعد، بفعل كون النصوص القانونية مبهمة، إلى جانب كون الوزارة المعنية لم تقدم توضيحاتها في هذا الموضوع الذي يهم عددا من الجماعات الترابية، بما فيها 6 جماعات بإقليم تيزنيت لوحده، ما يمثل آلاف الهكتارات التي تضم أراضي الساكنة وممتلكاتها”.
وأورد سلامة، في تصريح لهسبريس، أن “تدبير هذا الملف لم يحترم المقاربة التشاركية التي بإمكانها أن توضح للمواطنين ماهية الأمر وتأخذ بآرائهم إن كانوا راضين أم لا؛ فهذه الوضعية جعلت الساكنة اليوم في المنطقة الرمادية، مما يغذي تخوفاتها من أن تفقد ممتلكاتها الفلاحية عما قريب، في ظل عدم وجود ضمانات قانونية، إذ إن القانون المنظم لهذه العملية في مادته 15 يطرح إمكانية نزع الملكية”.
ولفت المتحدث إلى أن “الساكنة المحلية اليوم تظل مُجمِعة على كون مشروع المنتزه المذكور يظل طريقة مبتكرة من أجل سلبها ممتلكاتها وأراضيها، سواء بتعويض هزيل أو بدونه”، خاتما بـ”كون شح المعلومات المقدمة من قبل السلطات الوصية يؤكد الفرضيات التي تطرحها الساكنة بهذه المناطق”.
ماذا تقول المياه والغابات؟
ضمن معطيات حول الموضوع قدمتها لهسبريس سابقا، أوضحت الوكالة الوطنية للمياه والغابات أن “إطلاق بحث علني لإحداث المنتزه الوطني الطبيعي للأطلس الصغير الغربي يظل مهما للغاية، لكونه يندرج ضمن تنفيذ استراتيجية [غابات المغرب 2020-2030]، وخاصة المحور المتعلق بتنمية المنتزهات الوطنية والمناطق المحمية”، مبينة أن “هذا المشروع يهدف إلى تصنيف حوالي عشرين منطقة ذات أهمية بيولوجية وإيكولوجية، وفقا للأصناف المنصوص عليها في الفقرة الثانية من القانون رقم 22.07 المتعلق بالمناطق المحمية على صعيد كامل التراب الوطني”.
ولفتت الوكالة إلى أنه “سيتم استئناف العمل فيما يخص تصنيف هذا المنتزه الطبيعي بعد انتهاء المدة الزمنية الخاصة بالبحث العلني المحددة في ثلاثة أشهر من تاريخ نشره، إذ ستتم دراسة الملاحظات والمقترحات المقدمة أثناء البحث، وذلك في غضون 3 أشهر على الأكثر من نهايته، لتؤخذ بعين الاعتبار قبل مباشرة مسطرة إصدار مشروع مرسوم الإحداث”.
وأورد المصدر ذاته أن “هذا الورش المتعلق بإحداث عدد من المناطق المحمية سيتم عبر مرحلتين؛ ستهم الأولى المناطق ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية التي تشمل حصريا مجالا بريا، وتهم الثانية المناطق ذات الأهمية نفسها التي تشمل المجالين البري والبحري، وذلك بشراكة مع قطاع الصيد البحري”.
كما اعتبرت الوكالة أن “هذه المحمية ستكون العاشرة التي تزخر بها بلادنا. فضمن المناطق المحمية العشر المزمع إحداثها خلال المرحلة الأولى، يوجد المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي على مساحة تقدر بـ 111.130 هكتاراً، والواقع ضمن النفوذ الترابي لأقاليم تارودانت وتزنيت واشتوكة أيت باها”.
المصدر: وكالات