2/3
اهتمامٌ بـ”المملكة المورية”، أول دولة مغربية في التاريخ، يحضر في أحدث كتب المؤرخ امحمد جبرون “تاريخ المغرب القديم”، الصادر عن دار الإحياء للنشر والتوزيع.
في الفصل الخاص بـ”المملكة المورية”، التي عمّرت 500 سنة قبل السقوط في براثن الاحتلال الروماني، محاولة تركيب لمعالم الوجود السياسي والعسكري والاقتصادي والبيئي والمجتمعي والديني والثقافي واللغوي، رغم شحّ التوثيق التاريخي؛ بالاعتماد على “الإشارات القليلة والقديمة التي حملتها بعض النصوص الإغريقية والبونية واللاتينية، بالإضافة إلى بعض الآثار والشواهد المادية”.
ومن بين ما يصطدم به التأريخ لهذه المملكة، والتاريخ المبكر للمغرب، عجز الباحثين عن فك شفرة الصفائح الصخرية المنقوشة في أنحاء البلاد؛ ما يضطرهم إلى التعويل على “حواشي وهوامش المصادر الإغريقية واللاتينية، التي لم يكن مقصودها الأول التأريخ لشمال إفريقيا والمغرب على وجه الخصوص”.
لكن هذا لا ينفي بالنسبة لامحمّد جبرون أن “المملكة المورية من الممالك المغربية المتوسطية المظلومة في التاريخ، التي لم توفّ حقها، إذ بقيت محجوبة عن الأنظار، وبعيدة عن أعين وألسن المؤرخين، ولم يتعرضوا لها سوى نادرا”.
لغات المورييين
ذكر امحمد جبرون أن المغرب “عرف خلال العهد الموري تطورات مهمة على صعيد اللغة المكتوبة، تمثلت أساسا في التطورات التي عرفتها اللغة المغربية القديمة وانتقالها من الأبجدية القديمة إلى الأبجدية الكلاسيكية، وتمثلت أيضا في المكانة التي اكتسبتها اللُّغات الأجنبية داخل المجتمع المغربي، وخاصة اللغتين البونيقية واللاتينية”.
وأضاف الكاتب ذاته: “لقد كانت اللغة المغربية القديمة أو اللغة المورية (الليبية البربرية في المراجع الأجنبية) مختلفة نسبيا عن اللغة التي كانت سائدة في الناحية الشرقية لشمال إفريقيا أو في الصحراء (…) وإذا كانت أبجدية الشرق مقروءة اليوم من طرف عدد من الباحثين بحكم اقتران عدد من نصوصها بنصوص بونيقية أو لاتينية، فإن أبجدية الغرب (المورية) مازالت مجهولة وغير مقروءة بالكامل، ما يحول دون الإفادة منها تاريخيا”.
ويوضح جبرون أن اللغة المغربية انتقلت خلال العهد الموري “من طابعها القديم بشكل تدريجي قبل أن تتخذ شكل التيفيناغ”، في انتقال تقدر مدته بثلاثة قرون، وزاد مستدركا: “لكن رغم التطورات والتحسينات التي عرفتها اللغة المورية عبر قرون من التعديلات فإنها لم تنجح في فرض نفسها كلغة سياسية وإدارية قابلة للاستمرار، واقتصر استعمالها على شؤون الدين والحياة الروحية، ولا أدل على ذلك أن أغلب نصوصها التي تم العثور عليها مرتبطة بالقبور والمنشآت الجنائزية، ولا نعثر عليها في الآثار التي تهم المعاملات التجارية والإدارية”.
ويتابع المتحدث شارحا: “إلى جانب اللغة المورية التي كانت لغة التواصل الأساسية في الحواضر والقرى، ولعلها أيضا كانت لغة التعبير الديني، استعمل المغاربة اللغة البونية، خاصة في الحواضر”، ثم قال: “لن نجانب الصواب إذا قلنا إنها كانت اللغة الرسمية للمملكة المورية في معظم تاريخها، تستعملها في أمور الإدارة والاقتصاد والدبلوماسية، فالكثير من الشواهد من المسكوكات وغيرها التي عثر عليها في الحواضر والمراكز التجارية التي عمّرها القرطاجيون والأهالي تحمل كتابة بونية، مثل النقود التي عثر عليها في ليكسوس، وطنجي، وخزف مدافن مدينة سلا”.
هذا الأمر بلغ ذروته “بعد تحول (البونية) إلى لغة عامية نسبيا، وهو ما تجلى في اتخاذ بعض الأهالي أسماء بونية”، و”ساهم الجنود الموريون الذين كانوا ينتسبون للجيش القرطاجي في نشر البونية لغة وثقافة بين الأهالي في الحواضر وخارجها”.وهكذا، “عاشت المملكة المورية في معظم أوقاتها ازدواجية لغوية وثقافية كبيرة وواضحة، فمن جهة اتخذت اللغة الأجنبية البونية ثم اللاتينية لغة رسمية أو شبه رسمية، استعملت في مجالات الإدارة والتجارة والدبلوماسية بالأساس، وإلى جانبها اللغة المورية التي كانت تستعمل في التواصل اليومي، وربما أيضا في المجال الديني، كما تؤشر على ذلك شواهد القبور… وتقدم مدينتا وليلي وليكسوس أدلة قوية على هذه الازدواجية”، يورد المصدر ذاته.
وفي آخر عهد المملكة المورية، قدم “عهد الملك الموري يوبا الثاني، النوميدي الأصل، مثالا بارزا على الازدواجية الثقافية التي عاشتها”؛ فقد “تربى هذا الملك في البلاط الروماني، وتشبع بثقافة الرومان والإغريق منذ أن كان عمره خمس سنوات، وعينه الإمبراطور الروماني أغسطس ملكا على موريطانيا سنة 25 قبل الميلاد، وقد اتخذت مملكة موريطانيا في عهده طابعا إغريقيا ولاتينيا واضحا”، وفق جبرون.
المصدر: وكالات