جددت المملكة المتحدة دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب باعتبارها الأساس الأكثر جدية وواقعية لتسوية نزاع الصحراء، وهو الموقف المعبر عنه منذ تاريخ الأول من يونيو الماضي خلال الزيارة التي قام بها ديفيد لامي، وزير الدولة للشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية البريطاني، إلى المملكة المغربية.
وجاءت التصريحات خلال جلسة بمجلس العموم، عقب سؤال طرحه النائب المحافظ أندرو موريسون حول دور الحكومة البريطانية في ضمان استمرارية الاستقرار في العلاقات مع المغرب. وقال موريسون: “مع اقتراب عيد الميلاد هل يمكنني تهنئة الحكومة على تحديث لغة المملكة المتحدة بشأن الصحراء الغربية؟ وما الخطوات التي ستتخذها لضمان استمرار التقدم المحرز منذ اتفاقية الشراكة لعام 2019 مع المغرب؟”.
ورد وكيل وزارة الخارجية البريطانية، هاميش فالكونر، مؤكدا اعتماد بلاده موقفا جديدا تجاه النزاع، ومجددا دعمها جهود المبعوث الشخصي للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، وأضاف أن تسوية النزاع تمثل خطوة أساسية لتعزيز الاستقرار والوحدة في شمال إفريقيا، معربا عن أمله في تحقيق تقدم ملموس خلال الأشهر المقبلة.
وقال فالكونر: “يحظى المبعوث الخاص للأمم المتحدة بثقتنا الكاملة، ويواصل جهوده لدفع المحادثات قدما. ومن الضروري إنهاء هذا النزاع الطويل الذي يمثل عقبة أمام تحقيق وحدة أوسع في شمال إفريقيا. ونأمل أن نشهد تقدما ملموسا خلال الأشهر القادمة”.
وتعقيبا على الموضوع قال محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن التصريحات الأخيرة الصادرة عن الحكومة البريطانية داخل مجلس العموم، التي جددت دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل “واقعي ومستدام” لنزاع الصحراء المغربية، تعكس التزام لندن بمقاربة متقدمة تقوم على إدراك عميق لجدوى المقترح المغربي، وانسجامه مع منطق الاستقرار الإقليمي.
وأضاف محمد الغيث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الربط الذي أقامه وكيل وزارة الخارجية البريطانية بين تسوية النزاع واستقرار شمال إفريقيا يُظهر إدراكا لدى لندن أن الحكم الذاتي المغربي ليس مجرد مقترح تفاوضي، بل حجر زاوية في مشروع بناء وحدة مغاربية حقيقية.
وأكد المتحدث ذاته أن دعم المملكة المتحدة للمبادرة المغربية، بما يتضمنه من إقرار ضمني بالسيادة المغربية على الصحراء، أصبح بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797 موقفا أكثر وضوحا وعلنية، ولم يعد بحاجة إلى التحفظ الدبلوماسي السابق.
وبخصوص التداعيات الإستراتيجية لهذا الموقف أوضح المحلل السياسي نفسه أن واقع ما بعد القرار 2797، الذي وصف المبادرة المغربية بأنها الإطار الوحيد الجدي والواقعي، يتيح لبريطانيا والدول الحليفة الانتقال من الاعتراف الضمني إلى الاعتراف العلني بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، وتابع: “هذا الانتقال يمثل تعبيرا قانونيا يسمح للدول الصديقة بالتموضع الإستراتيجي وضمان موطئ قدم في الواقع الجديد أو المتجدد الذي سينتج عن تطبيق الحكم الذاتي على الأرض”، لافتا إلى أن “هذا الواقع القادم، الذي سيجعل من الصحراء المغربية منصة تنموية منفتحة على إفريقيا والساحل، يعيد تشكيل خريطة الفرص في الاستثمار والتعاون والشراكة”.
وفي هذا السياق يرى محمد الغيث ماء العينين أن الدول ذات الرؤية الاستباقية، كالمملكة المتحدة، مطالبة بترجمة مواقفها السياسية إلى سياسات عملية، تشمل تعزيز التواجد الاقتصادي والدبلوماسي في هذه الأقاليم المغربية الواعدة، مشيرا إلى أن “المبادرة المغربية للحكم الذاتي أصبحت مرجعا دوليا للحل”.
من جهته أكد عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن الجواب الذي أدلى به وزير الدولة البريطاني في شؤون الخارجية يعكس الموقف الواضح والثابت للمملكة المتحدة إزاء القضية الوطنية، ويؤشر على إقرار متقدم بمغربية الصحراء في سياق دولي يعرف توالي المواقف الداعمة للمقترح المغربي.
وأضاف البلعمشي أن هذا الموقف يأتي منسجمًا مع الزخم الدولي الذي تعرفه قضية الصحراء المغربية، خاصة عقب اعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2797، وما رافقه من تثمين صريح لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الأكثر جدية وواقعية لتسوية النزاع.
وأورد المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تطور العلاقات الثنائية بين المغرب والمملكة المتحدة اكتسب دينامية جديدة عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في ظل توجه لندن نحو بناء شراكات مستقرة مع دول ذات أهمية إستراتيجية، وفي مقدمتها المغرب باعتباره فاعلا محوريا في القارة الإفريقية.
وشدد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش على أن الخيارات البريطانية في دعم الموقف المغربي داخل القارة الإفريقية، سواء على مستوى البنيات التحتية أو المنظومة البنكية والخدماتية والقطاعية، تعكس إدراكا عمليا للدور المتقدم الذي تضطلع به المملكة في ربط إفريقيا بالأسواق الدولية.
وأوضح الخبير في الشؤون الدبلوماسية أن الاهتمام البريطاني بالمبادرات الإستراتيجية، وعلى رأسها فتح المجال أمام دول الصحراء والساحل على الواجهة الأطلسية، يندرج ضمن رؤية اقتصادية وتجارية بعيدة المدى، خاصة في ظل الرهانات المرتبطة بتفعيل مشروع الميناء الأطلسي وما سيوفره من مسارات جديدة للتجارة الدولية.
وتابع المتحدث نفسه بأن “تعدد هذه المعطيات يؤكد أن الموقف البريطاني لا يستند فقط إلى اعتبارات سياسية ودبلوماسية مرتبطة بقضية الصحراء، بقدر ما يقوم أيضا على حسابات اقتصادية واضحة، تتعلق بتطوير العلاقات التجارية الثنائية، وتعزيز حضور بريطانيا داخل القارة الإفريقية انطلاقا من الشراكة الإستراتيجية مع المغرب”.
المصدر: وكالات
