أولى المفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي الاهتمام بـ”التاريخانية والتحديث” في فكر المؤرخ المغربي عبد الله العروي، في كتاب صدرت حديثا طبعته الثانية المنقحة عن منشورات المتوسط بإيطاليا.
واهتم بنعبد العالي في هذا الكتاب بمؤلفات العروي “مفهوم الأيديولوجيا” و”خواطر الصباح” و”مفهوم العقل” و”السنة والإصلاح” و”من ديوان السياسة”، كما اهتم بهوس المثقف بالسياسي والترجمة الذاتية عند عبد الله العروي وسؤال استمرار تاريخانيّته.
بنعبد العالي، الذي سبق أن اهتم بحثيا بمشروع العروي وترجم بعض مؤلفاته إلى العربية، سجل أن هذا المفكر ينفصل عن “عقلية الفيلسوف بالمعنى التقليدي”، أي “عقلية التأمل والنظر من أجل النظر”، دون أن تكون في ذلك دعوةٌ إلى التخلي عن كل روح انتقادية؛ بل إنه في كتب، من بينها “مفهوم العقل”، يقدم أمثلة عن “ضرورة التحلي بروح الشك والتساؤل”.
كما سبق أن ذكرَ الكاتبُ أن صاحبَ “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” “يأبى لكتاباته أن تدرج ضمن الإنتاج الفلسفي، وهو يفضل أن يصنفها بالأولى ضمن اجتماعيات الثقافة”.
الكاتب والمترجم عبد السلام بنعبد العالي قال إن “كل مثقف عربي، إذا ما وعى حق الوعي الوضع الذي يعيشه، هو إيديولوجي عن طواعية وطيب خاطر، وبما هو كذلك، فإنه يسقط بالضرورة تحت نير التاريخ المشترك، ويكون فكره جدليّا بالضرورة، وهذا الجدل يكشف له أن أُفقه هو التاريخانية، بما هي استعادة واعية وإرادية، لكونها ضرورية، استعادة لفترة تاريخية سبقت معرفتُها، وتحليلُها، والحُكم عليها”.
هذه التاريخانية ذات المنحى العملي تجر من يعتنقها، وفق بنعبد العالي، “نحو أخلاق نفعية وفلسفة وضعانية. وهذه قد تؤدي إلى عدم الثقة في أي مشروع يرمي إلى استعادة الميتافيزيقا أو تجديد الأنطولوجيا”.
بهذا المعنى، نبّه الكاتب إلى أن الفلسفة ستغدو “نوعا من العمل الترفيهي، اللهم إلا إن هي أرادت أن تقوم بالدور المتبقي لها، أي أن تتحول إلى انتقاد للإيديولوجيا”.
ومن بين ما ورد في الكتاب حول مفهوم أثير عند العروي هو “ثقافة الأم” أن “الأُمِّيَّة، ثقافة الأمّ، لا ترتفع لا بإتقان الكتابة والقراءة، ولا بحفظ مقولات عن الكون والإنسان الماضي، بل عندما يستقلُّ المرء بذاته، ويرى فيها المادَّة التي يشيد بها الكيان السياسي”.
وتابع العمل: “لنقل بلغة كانط: وحده هذا الخروج عن حالة القصور يحرِّرنا من تربية الأمِّ، كي نلج التربية المدنية، والسبيل العملي إليه اعتماد برنامج قد يستغرق جيلَيْن، نعمل فيه على إرساء أُسُس ديموقراطية تتجذَّر في المحلِّيَّة، ولا ننظر إليها على أنها قد تحلُّ بعد ثورة أو تغيير شامل في الآفاق والنفوس، وإنما على أنها ما نجرِّب، ما نرى ونلمس، وما لا نفتأ نجدِّد ونصحِّح”..
المصدر: وكالات