بعد أيام قليلة، ستقفل المملكة المغربية سنة أخرى من النجاحات الدبلوماسية والتراكمات السياسية في اتجاه الطي النهائي للنزاع المفتعل حول أقاليمها الجنوبية؛ فمن أمريكا إلى إفريقيا مرورا بأوروبا، حققت الرباط مجموعة من المكاسب والاعترافات التي أعادت الدول المعنية تأكيدها والتشبث بها على مرأى ومسمع المنتظم الدولي الذي بدأ يقف على حقيقة هذا النزاع والأطراف المتورطة فيه، في وقت بدأ فيه الصوت الانفصالي في الخفوت في ظل متغيرات إقليمية ودولية جعلت العديد من الدول تتحلى بواقعية سياسية وبجرأة دبلوماسية للخروج بموقف واضح لا لبس فيه حيال النزاع.
وعلى الرغم من محاولات رعاة هذا الطرح عرقلة المسار المغربي في هذا الإطار، فإنهم اصطدموا بعزيمة مغربية يقويها الإجماع الذي تحظى به قضية الصحراء المغربية في صفوف كل مكونات المجتمع المغربي باختلافهم انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية؛ فيما يتوقع أن تستمر الرباط، خلال السنة المقبلة، في استهداف حصون الانفصال من أجل قلب مواقفهم لصالحها، على غرار ما حدث مع كل من إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأخرى.
تحولات إيجابية ودينامية تفاعلية
في استعراض لأبرز التراكمات السياسية والدبلوماسية التي حققها المغرب علاقة بقضية الصحراء، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إن “قضية الصحراء المغربية شهدت، خلال العام الحالي، مجموعة من التحولات الإيجابية التي تصب في مصلحة المغرب، حيث كرست الرباط نجاح دبلوماسيتها في التعاطي مع هذه القضية وقلب موازين القوى لصالحه مع الحفاظ على مكتسباته السياسية في هذا الصدد”.
وأضاف البراق، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب كان واضحا في تعاطيه مع هذا الملف باعتباره أولوية وطنية وجب على كل المتدخلين تعبئة الجهود لنصرة عدالة الموقف المغربي”، مسجلا أنه “استنادا إلى الانتصارات الكبرى التي حققتها المملكة دبلوماسيا وأمنيا وعسكريا، فإن السيناريو الوحيد المطروح أمامها هو استمرار هذا النهج التراكمي في تكريس المكتسبات في ظل عجز الأطراف الأخرى عن تطوير مواقفها”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “اليوم المملكة المغربية في ظل تعنت باقي الأطراف ورفضها لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الأساس الأكثر جدية وواقعية من أجل تسوية الخلاف بحل سياسي نهائي، فإنها على مرمى حجر من الحسم السياسي من جانب واحد لملف الوحدة الترابية ينتهي بطرد البوليساريو من كل المحافل الدولية وتصنيفها جماعة إرهابية وتطويقها قاريا ودوليا تمهيدا لاستئصالها سياسيا”، لافتا في الوقت ذاته إلى أن “هذا لن يتحقق في المنظور القريب إلا بمساندة الشركاء التقليديين والجدد للمغرب بدعمهم الواضح والصريح الغير قابل للتأويل للسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية”.
واعتبر المتحدث أن “الدبلوماسية المغربية أظهرت، من خلال الدينامية التفاعلية المتميزة والتعامل بمبدأ الواقعية السياسية مع القضايا الثنائية والإقليمية والقضايا الكونية الأخرى متعددة الأطراف، أنها تمتلك رؤية دقيقة وتحليلا عميقا وفهما متوازنا للوضع الجيوستراتيجي وطبيعة التوازنات الدولية في عالم يعج بالصراعات والتدافع وتتغير فيه التحالفات والتخندقات وموازين القوى بشكل متسارع وغير متوقع”.
وخلص إلى أن “الرباط تنتهج، منذ سنوات، استراتيجية خفض التصعيد الدبلوماسي لمواجهة محيط إقليمي متوتر بدول فاشلة تنتظر الفرصة المناسبة لخوض مغامرات عسكرية لتغطية أزماتها الداخلية؛ ذلك أن المغرب لن يسمح بتحويل المناطق الجنوبية لمنطقة تماس جيوسياسي بين الشرق والغرب، ولن يتحول لورقة ضغط أو دومينو في لعبة الروليت الروسي التي يلعبها التحالف الغربي ضد روسيا.. وأكيد أنه سيتجنب خوض مغامرات دبلوماسية جديدة غير محسوبة العواقب في ظرف داخلي وخارجي حساس وفي وقت يتطلع فيه إلى تنزيل مقتضيات النموذج التنموي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية من طنجة للكويرة مرورا بالكركرات”.
نهج معقلن ومراهنات فاشلة
أورد محمد عاطيف، باحث في العلاقات الدولية، أن “تعاطي الدبلوماسية المغربية مع ملف الصحراء المغربية كان معقلنا ومتوازنا وبراغماتيا، حيث طورت مجموعة من الآليات الدبلوماسية، الرسمية منها والموازية، من أجل الترافع عن هذه القضية وتحقيق مجموعة من المكاسب الاستراتيجية في هذا الصدد؛ على غرار تجديد كل من واشنطن ومدريد لمواقفها علاقة بهذا النزاع المفتعل”.
في هذا الصدد، أوضح المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “السنة الحالية كانت حافلة بامتياز بالنسبة للمغرب الذي حقق خلالها مجموعة من المكتسبات الاستراتيجية، إذ وسعت من خلالها الرباط دائرة التأييد الدولي لطرحها لحل هذا النزاع، خاصة في القارة الإفريقية والأوروبية، رغم مراهنات أعداء المغرب على مراجعة بعض الدول لمواقفها وعرقلة هذا المسار؛ غير أن ذلك لم يتحقق واستمرت المملكة في مراكمة النجاحات، من خلال استراتيجية وطنية انخرطت فيها كل المؤسسات الدستورية للترافع حول هذه القضية”.
وأشار الباحث في العلاقات الدولية إلى أن “الدبلوماسية المغربية تتجه لحسم هذا النزاع لصالحها على المديين القريب والمتوسط؛ من خلال الحصون التقليدية للطرح الانفصالية، خاصة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، مستندة في ذلك إلى حجج تاريخية وقانونية وسياسية قوية وإجماع وطني حول هذه القضية بل وجعلها مقياسا لتقييم الشراكات الاقتصادية مع الرباط وعلاقاته الخارجية مع عدد من الدول تكريسا للرؤية الملكية في هذا الإطار”.
وأوضح عاطيف أن “أعداء المملكة، وعلى رأسهم الجزائر، يراهنون، في السنة المقبلة، على تحريض الدول الأعضاء في مجلس الأمن على المغرب على اعتبار تولي هذه الدولة للعضوية الدورية غير الدائمة في هذا المجلس الأممي؛ غير أن كل هذه المراهنات محكوم عليه بالفشل، بالنظر أولا إلى العلاقات الاستراتيجية التي تربط المغرب مع الدول الأعضاء غير الدائمين ونجاحه في الحفاظ على هذه العلاقات في ظل الاصطفافات الدولية والصراع ما بين هذه الدول، وبالنظر أيضا إلى اقتناع المتنظم الدولي بجدية الجهود المغربي لتسوية هذا النزاع والتي كرسها قرار مجلس الأمن الأخير”.
وخلص إلى أن “التطورات التي عرفها هذا النزاع المفتعل في السنوات الأخيرة جعلت المغرب يضع مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي يصبو إلى تحقيقها وهو ماض في ذلك؛ على رأسها طرد الكيان الوهمي من الاتحاد الإفريقي، وتحويل أقاليمه الجنوبية إلى منصة اقتصادية إقليمية ودولية من خلال جلب الاستثمارات الأجنبية إلى هذه المناطق بما يجعل منها بوابة أساسية إلى القارة الإفريقية.. وهذا ما كرسه الخطاب الملكي الأخير والشراكات المغربية مع عدد من الدول”.
المصدر: وكالات