حركة لافتة يعرفها المغرب خلال الأيام الماضية في مواجهة تهريب وترويج المخدرات، إذ أسفرت الجهود الأمنية المتواصلة عن توقيف وضبط شحنات من المخدرات بمختلف أنوعها في مدن ومناطق متفرقة بالبلاد، منها ما كان موجها نحو الخارج، الأمر الذي يؤشر على أن حرب المملكة مستمرة ضد المخدرات وشبكاتها المتشعبة.
وتعرف الحرب المشتعلة مع المخدرات مدا وجزرا في نظر البعض، في الوقت الذي يرى آخرون أن استهداف هذه الآفة وشبكات ترويجها عمل يومي لا يهدأ على مدار السنة، بسبب الأخطار والتحديات الجمة التي تخلقها للمجتمعات المختلفة، وتجعل السلطات حريصة أكثر على محاربتها.
تبييض الأموال
في الأسبوع المنصرم تم تنفيذ ثلاث عمليات على الأقل أسفرت عن ضبط كميات مهمة من “الشيرا”، ومصادرة آلاف الأقراص المخدرة التي تفتك بالشباب في الأحياء والمدن المختلفة، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود من أجل مواجهتها.
الخبير الاستراتيجي محمد عصام العروصي يعتقد أن الحملة التطهيرية، التي تقوم بها السلطات الأمنية للقضاء على بارونات المخدرات بكل أنواعها، “دينامية مستمرة وليست طارئة”، مشيرا إلى أن السلطات الأمنية “ما فتئت تقوم بين الفينة والأخرى بهذه العمليات لضبط كميات كبيرة من المخدرات”.
وأضاف العروصي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا المعطى يعكس “حقيقة مدى تخوف الأجهزة والدولة من انتشار المال الحرام، وانتشار المخدرات وباروناتها وعمليات تبييض الأموال واسعة النطاق”.
وأوضح أن عمليات تبييض الأموال، التي يقوم بها بارونات المخدرات، هي “مشاريع اقتصادية وترفيهية لا تساهم حقيقة في الاقتصاد الوطني، وإنما تنخر المجتمع المغربي”، معتبرا أن “تغول هؤلاء البارونات ووصولهم إلى المؤسسات الدستورية والمجالس المنتخبة عن طريق الأحزاب السياسية شكل ضربة قوية لصدقية ووطنية وشرعية العمل الحزبي والسياسي”.
وأفاد أن تورط عناصر كبيرة في شبكات ترويج المخدرات “ساهم بشكل كبير في تمييع الأحزاب والعمل السياسي، ووصول نخب هامشية ليست لها الكفاءة وتعرف فقط سياسة ملء البطون، إذ أصبحنا إزاء نخبة متسلقة من الهامش، لكنها وصلت إلى مناصب القرار، وحتى إن لم تصل فهي تشغل في الواقع مكانة هامة في المجتمع على اعتبار القيمة المادية التي تعطى لها”.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن وجود مثل هذه الآفة يبقى “معركة حقيقية بالنسبة للأجهزة الأمنية في المغرب، والقضاء عليها يبقى مهمة كبيرة جدا للحفاظ على لحمة المجتمع، وعلى أمن وسلامة وصحة المجتمع من كل ما قد يفتته”، لافتا إلى أن عملية “تقنين زراعة القنب لم تساهم في انخفاض مستوى الإنتاج”.
ولم يقف العروصي عند هذا الحد، بل ذهب إلى أن المبادرات التي يقوم بها المغرب لم تمنعه من أن “يدخل في خانة الدول التي تصنفها بعض التقارير الدولية ضمن الدول المعروفة بالاتجار بالمخدرات وإنتاج القنب الهندي”، مبرزا أن الجهود الأمنية “غير كافية”، وأن “حسم المعركة يحتاج إلى تضافر كل الجهود المجتمعية من فاعلين اجتماعيين وأكاديميين وفاعلين تربويين، وأدوار قطاع التعليم والأوقاف هامة للحد من هذه الآفة وتحسيس المجتمع بخطورتها”.
استهداف المغرب
اعتبر عادل بلعمري، الباحث المتخصص في سوسيولوجيا الجريمة والانحراف بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الدينامية التي تقودها مختلف الأجهزة الأمنية المغربية بمجموع التراب الوطني في مواجهة المخدرات تدل على أن هناك “عملا أمنيا دؤوبا تسهر على تنزيله الأجهزة الأمنية المختصة من أجل التصدي لهذه الظاهرة وتطويقها”.
وأضاف بلعمري، في حديث مع هسبريس، أن هذه الجهود “تأتي كرد أمني حازم ورادع وجواب مرحلي عن هذا الإغراق المتزايد والممنهج للسوق المحلية بالمواد المخدرة، من خلال تزايد عمليات التهريب الدولي للمخدرات نحو بلادنا”.
وأوضح أن استهداف المغرب راجع إلى “موقعه الجغرافي وتوفره على حدود برية وبحرية واسعة مع مجموعة من البلدان، التي لا تتعاون وتنسق بشكل كاف باستثناء إسبانيا”، لافتا إلى أن هذا الأمر جعل المغرب “قبلة للمهربين من أجل تصريف كميات كبيرة من هذه المواد المخدرة بحكم شساعة مساحته الجغرافية وطول حدوده وشواطئه وواجهاته البحرية”.
وتابع قائلا إن التركيز على المغرب يمليه توفر البلاد على “مطارات دولية وموانئ تعرف حركية كبيرة من طرف المهاجرين من مختلف الجنسيات لجعل البلاد سوقا استهلاكية من أجل تصريف فائض المخدرات، سيما مادة الأفيون، التي تعد من أخطر أصناف المخدرات الصلبة”.
وأبرز بلعمري أن المقاربة الأمنية تبقى “ذات جدوى وأهمية لأنها تكبد ”كارطيل” المخدرات خسائر كبيرة وتجعله لا يغامر مرة أخرى في جعل المغرب قبلة وسوقا لتمرير شحناته المخدرة”، لافتا إلى أن هناك سياقا عاما تشهده جميع المجتمعات يتسم بتزايد “معدلات ونسب تعاطي المخدرات في السنوات الأخيرة، مما يتطلب بذل المزيد من المجهودات المكثفة لمواجهة ومكافحة هذه الظاهرة”.
وأوضح أن الطابع المركب وبالغ التعقيد لظاهرة انتشار المخدرات يتطلب “تبني نوع من المقاربة الشمولية، باستحضار مجموعة من المتغيرات، بعضها مرتبط بالفرد والبعض الآخر مرتبط بالمجتمع”، بالإضافة إلى الجانب المرتبط بـ”التوعية إعلاميا بآثارها وانعكاساتها المتمثلة في قدرتها على تدمير الجهاز العصبي وإضعاف الصحة الجسدية والعقلية والعصبية والنفسية للإنسان”.
المصدر: وكالات