“ما تزرعهُ اليوم تحصدهُ غدا” و”ما ترميه على الناس يعود إليك مثله” مقولات وحكم كثيرة مشابهة تنطبق تماما على حال المغرب في الأزمة التي واجهها بسبب زلزال الحوز المدمر، إذ إن استغراب الدول المعادية للمملكة وامتعاضها من التضامن والدعم الدوليين الواسعين مع البلاد نابعان بالأساس من التجاهل الواضح لأدوار المملكة العريقة في تاريخ الأزمات والكوارث التي ضربت أقطارا كثيرة عبر ربوع العالم.
إن ما يسميه البعض “دبلوماسية الكوارث” تقليد أصيل طبع العلاقات الخارجية للمملكة منذ عقود طويلة في علاقاتها دول العالم، والتي نجحت من خلالها في تشكيل شبكة علاقات وثيقة جعلت العالم يهب من أجل مد يد العون والمساعدة في الكارثة التي هزت البلاد والعباد.
محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، اعتبر، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن المتتبع لتاريخ المغرب “يجب أن ينظر إليه بنوع من الخصوصية، ولا يمكن اعتباره مثل دولة حديثة النشأة؛ لأن له تاريخا عريقا وذاكرة ممتدة لقرون”.
وأضاف الخبير في العلاقات الدولية أن المغرب يعي جيدا معاناة المجتمعات الأخرى مع هذا النوع من الكوارث؛ وهو ما يفسر “التجاوب السريع والآني والتدخل في أماكن متعددة من العالم لمد يد العون والمساعدة، وذلك نتاج للامتداد التاريخي في الذاكرة والتعامل الدول الصديقة عبر العالم”.
وسجل العمراني بوخبزة أن مبادرة المغرب لتقديم المساعدات للدول في حال الأزمات “ليست مسألة مستحدثة وجديدة، بل قديمة ومتجذرة تجعل البعض يتساءل كيف لبلد يبعث المساعدات ولديه مواطنون يحتاجون إلى المساعدة، وهذا يأتي بحكم السلوك المتجذر في الذاكرة لهاته الدولة”.
وأفاد الخبير ذاته بأنه انطلاقا من هذا المنطلق يمكن فهم “التجاوب الدولي مع المغرب والذي لم نلحظه مع دول عديدة عاشت الزلازل والفيضانات، لماذا هذه الهبة كلها لأنها نتاج رد فعل لتراكم التجربة، بالإضافة إلى الوضع الاعتباري للمغرب، لأن له وضعا خاصا يختلف عن كثير من الدول”.
وشدد المتحدث على أن السياسة الخارجية قائمة على مبدأ التعاون الدولي والحفاظ على علاقاته الودية مع جميع الأطراف حتى في أحلك الأزمات والتقاطب الدولي، مبرزا أن الامتداد التاريخي لعلاقات المغرب الخارجية منحته هذا “الوضع الاعتباري المدفوع بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أبرمها المغرب مع العديد من الأطراف الدولية”.
كما أشار المحلل السياسي إلى أن النهج الذي ينهجه المغرب في علاقاته الخارجية “نهج سليم له مردودية وتجاوب واستجابة كبيرة في العالم”، مشيدا بنهج السياسة الخارجية التابع للمؤسسة الملكية وغير المرتبط بـ”التحولات السياسية الداخلية ومجيء حكومات وذهابها”.
من جهته، قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، إن “هناك جوانب مرتبطة بالعلاقات الخارجية للمغرب، لاسيما التي تربطها علاقات متينة مع المغرب على مستويات عديدة. وهذا عامل كافٍ لكي تكون هذه الدول ملبية للحاجيات المفترضة للمغرب، إن وجدت”.
وأضاف الشيات، ضمن تصريح لهسبريس، أن المغرب عبّر جليا، في هذه المحطة، عن أن دبلوماسية الكوارث تتدخل “عندما تكون هناك حالة من التنافر والتضاد مع بعض الدول، وتكون هذه الكوارث مناسبة لتجديد العلاقات بين هذه الدول”.
وتابع الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية مبينا: “أعتقد أنه في حالة المغرب كان الزلزال مناسبة لتمرير رسائل كثيرة إلى الذين كانوا يريدون الركوب على هذا الحدث ليقدموا صورة مغلوطة عن العلاقات مع المغرب وإياهم”.
وشدد الخبير ذاته على أن هناك بعض الدول؛ مثل فرنسا “التي تريد أن يكون المغرب دائما هو الطرف الأضعف في العلاقات معها”، موضحا أن المغرب قدم “رسالة كافية فيما يتعلق بهذه المحطة والعلاقات بين الرباط وباريس لم تصل إلى مرحلة من السوء في تاريخها”.
وسجل الشيات أن الطرف الآخر الذي أراد الركوب على الزلزال هو الجزائر، و”لم يكن من المناسب للجزائر أن تقدم مساعدات للمغاربة المتضررين من الزلزال بعد أسبوع من قتل أحد المغاربة الذين دخلوا الشاطئ الجزائري خطأ؛ وبالتالي لا يمكن أن تكون هذه الدولة هي التي تقدم المساعدات للمغرب”.
وأبرز المتحدث ذاته بأن المغرب بيّن للعالم أن الصديق الذي يقدم المساعدات في الأزمة ينبغي أن تكون له شروط، وهي “لا تتوفر في بعض الدول التي تدعي الصداقة والقرب من المغرب”، حسب تعبيره.
المصدر: وكالات