اختتمت بمدينة جدة السعودية، أول أمس الأحد، فعاليات مؤتمر دولي حول الأزمة الأوكرانية حضره مستشارو الأمن القومي وممثلون لأكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية، في إطار استمرار الجهود الدبلوماسية التي تقودها المملكة العربية السعودية لإيجاد حل لهذه الأزمة، حيث اتفق المجتمعون على أهمية هذه المحادثات في بناء أرضية لتحقيق السلام، كما تدارسوا مجموعة من المقترحات التي تقدمت بها كييف لتسوية هذا النزاع.
وفي وقت غابت موسكو عن هذا الاجتماع فقد حضرته مجموعة من الدول العربية والإفريقية والغربية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر وقطر، إضافة إلى دول منظمة “البريكس”، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي، فيما غابت عنه المملكة المغربية.
غياب المملكة يفسره محللون بأنه تأكيد على الحياد البناء الذي طالما التزمت به حيال هذا النزاع، ونأيها عن الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك في الأزمات والصراعات ذات الطبيعة الدولية، خصوصا أمام عدم مشاركة موسكو المعنية بهذا النزاع؛ فيما يرى آخرون أن عدم مشاركة الرباط يندرج في إطار سياسة الترقب الإستراتيجي للمبادرات الرامية إلى إيجاد حل للأزمة الأوكرانية الروسية.
وبينما اختلف المتتبعون لهذا الشأن في تقدير أسباب عدم مشاركة المملكة المغربية في هذا الاجتماع، على غرار اجتماعات أخرى، إلا أنهم أجمعوا على أن هذا الغياب لا يعني بأي شكل من الأشكال تخلف الرباط عن دعم الجهود التي تقودها الرياض، الحليف الإستراتيجي للمغرب، لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية بهذا الصراع.
شادي البراق عبد السلام، خبير دولي في تحليل الصراع وإدارة الأزمات وتدبير المخاطر، قال إن “مؤتمر جدة لبحث الأزمة الروسية الأوكرانية يندرج في إطار المساعي الدولية لوقف الحرب وتداعياتها الخطيرة على التوازنات الجيو-سياسية والاقتصادية العالمية، خاصة سلاسل الإنتاج العالمي للمواد الغذائية، ما يعزز فرص الفوضى واللاستقرار في العديد من المناطق في العالم، وبشكل خاص في إفريقيا وآسيا اللتين تأثرت الإمدادات والمساعدات الغذائية الموجهة إلى شعوبهما”.
وأضاف البراق أن “ارتفاع حدة الأزمة الأوكرانية تتعاظم معه الحاجة إلى التركيز على تعزيز الحوار والتعاون على المستوى الدولي، حيث يظل المطلب الرئيسي هو إيجاد حل سلمي ومستدام يلبي مطالب جميع الأطراف المعنية ويسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة”، مشيرا إلى ضرورة أن “يشمل الحوار جميع الأطراف المعنية، بما فيها الدول الرئيسية المعنية بالأزمة الأوكرانية والمنظمات الدولية ذات الصلة، لفهم وجهات نظر بعضها البعض والعمل على تحقيق تفاهم مشترك بينها”.
وتعليقا عن عدم مشاركة المغرب في هذا المؤتمر أوضح المتحدث عينه أن “الرباط لم تشارك كذلك في محادثات غير رسمية سبقت لقاء جدة، على غرار محادثات كوبنهاغن؛ ذلك أن الموقف المغربي من الأزمة الروسية الأوكرانية ينطلق من ثوابت راسخة تحددها الدبلوماسية الملكية والمنطلقات الثابتة التي تتمثل في خدمة السلام العالمي، والمشاركة الفاعلة في صناعة فرص السلام وإسكات البنادق، سواء بشكل فردي أو من خلال جهود دولية متعددة الأطراف، إذ حافظ المغرب على علاقات قوية مع واشنطن وحلفائها من جهة، ويحافظ في الوقت ذاته على علاقات إيجابية مع روسيا الاتحادية، وبالتالي فالرباط لا تؤيد أي طرف ضد الآخر في هذا النزاع”.
وتابع المتحدث في تصريحه لهسبريس بأن “غياب الرباط عن هذا المؤتمر نابع أساسا من موقفها المبدئي تجاه النزاع الأوكراني الروسي الذي طالما أكدت أنها تلتزم الحياد حياله، كما يندرج في إطار سياسة الهدوء المعروفة عن الدبلوماسية المغربية، خاصة مع عدم مشاركة روسيا، المعنية بالأساس في هذا الصراع في هذا المؤتمر”.
وخلص الخبير ذاته إلى أن “عدم مشاركة المغرب في قمة جدة لا تعني غيابه أو تخلفه على دعم فرص السلام بشكل متوازن في النزاع الروسي الأوكراني، كما لا تعني أيضا عدم تقديره للجهود الكبرى التي تقوم بها المملكة العربية السعودية من أجل إحلال السلام العالمي، من خلال لعب أدوار طلائعية في سبيل وقف الحرب أو التقليل من تأثيراتها السياسية والاقتصادية والأمنية على الاستقرار العالمي”.
من جهته أورد حسن بلوان، خبير في العلاقات الدولية، أن “مؤتمر جدة يبقى خطوة مهمة في البحث عن تسوية للنزاع الأوكراني الروسي الذي تجاوزت تداعياته الساحة الأوكرانية”، مشيرا إلى أن “مشاركة المغرب من عدمها في هذا المؤتمر لا يمكن ربطها بحياد الرباط في هذا النزاع، بقدر ما يمكن إدراجها في إطار الترقب الإستراتيجي المغربي ومراقبة الرباط مجموعة من المبادرات الرامية إلى تسوية هذا النزاع، رغم تحفظها على تعددها، على أمل الانخراط في أكثرها جدية والأقرب إلى حل هذا النزاع”.
وأضاف بلوان أن “مجموعة من الدول العربية الأخرى لم تشارك في هذا المؤتمر، ذلك أن عدم مشاركة موسكو فيه تضفي على هذه المبادرة السعودية على أهميتها طابع الاجتماع الأولي”، مبرزا أن “الرباط لا تعارض مثل هذه الخطوات البناءة، بحكم أن العلاقات الإستراتيجية بين المغرب والسعودية تجعل من أي مبادرة من هذه الأخيرة مرحبا منها من طرف المملكة المغربية”.
وخلص المتحدث لهسبريس إلى أن “ما يؤكد ذلك هو تزامن هذا الاجتماع مع الرسالة الملكية التي بعثها الملك محمد السادس إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، التي تضمنت تأكيدا على متانة العلاقات بين البلدين وتبادل وجهات النظر حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، التي من ضمنها بطبيعة الحال إرساء السلام الدولي والبحث عن سبل إنهاء الأزمات الدولية التي تضرب العالم”.
المصدر: وكالات