لتكون في مستوى الحدث وأتم الجاهزية لاستقبال زوار وسياح كأس العالم لكرة القدم 2030، فضلا عن جماهير غفيرة ستحج إلى المملكة المغربية لاكتشاف غناها الثقافي وتنوعها السياحي، شرعت “المدن المونديالية” الست التي رشحتها الرباط لاستضافة الحدث الكروي الأبرز عالميا، في تسريع الوتيرة، بشكل تجلى في توجيهات من قبل وزير الداخلية قبل أيام، فضلا عن اجتماعات مختلف السلطات الترابية المتدخلة والمعنية.
أواخر يوليوز 2024، تأكد عبر ملف تنظيم “مونديال 2030″، المقدم إلى “فيفا” بكيفية مشتركة بين المغرب والبرتغال وإسبانيا، ترشيح ملعب “الحسن الثاني الكبير” بجهة الدار البيضاء، وملعب “أكادير الكبير”، وكذا ملعبيْ مراكش وفاس، ثم ملعب طنجة فضلا عن مجمع مولاي عبد الله في الرباط، وهي الأوراش التي انطلقت فعليا سائرة بوتيرة متسارعة في المدن المذكورة.
تسارع وتيرة المشاريع بالمدن المونديالية لم يغب عن الدعوة الصريحة التي جاءت على لسان والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة، محمد اليعقوبي، الذي شدد متحدثا إلى رجال ونساء السلطة الجدد في حفل تنصيبهم قبل أيام، على “مواكبة أوراش التنمية المفتوحة بتوجيهات ملكية سامية، خاصة كأس إفريقيا وكأس العالم”، مطالبا إياهم بـ”التصدي لأي عراقيل”.
في الشق المالي، يرتقب أن يعطي مشروع قانون المالية 2025 (الذي شرع رسميا في إعداده) حيزا كبيرا لـ”برنامج مواكبة المدن” التي ستحتضن مباريات كأس العالم لكرة القدم 2030، المزمع تنظيمه بشكل مشترك مع الجيران الإيبيريين، وهو ما أكدته الرسالة التأطيرية التي عممها عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، على وزرائه.
وبحسب الرسالة التي ستوجه عمل الوزارات المعنية، تحت إشراف “أم الوزارات”، فإن البرنامج المنتظر يستهدف “ضمان جاهزية ست مدن (الدار البيضاء والرباط وأكادير ومراكش وفاس وطنجة) من خلال “تعزيز جاذبيتها وتطوير بنياتها التحتية ومرافقها الحيوية على مدى السنوات الـ6 المقبلة”.
بعد “التأهيل المجالي”
يونس التايب، باحث متخصص في الحكامة الترابية وقضايا التنمية المحلية، اعتبر أنه “من المؤكد أن قرار المملكة المغربية برفع رهان تنظيم مونديال 2030، أتى ضمن رؤية استراتيجية شمولية ترتكز على أبعاد تنموية متعددة، منها ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي”، مسجلا “حضورا قويا لبعد التأهيل المجالي، حيث من المفروض جعل المجال الجغرافي الوطني، سواء في المدن المرشحة لاحتضان مباريات كأس العالم أو في غيرها من مدن بلادنا، مؤهـلا لاحتضان الحدث وتوفير كل مستلزمات استقبال الجماهير الغفيرة والوفود السياحية المرافقة للمنتخبات المشاركة”.
وقال التايب، في تصريح لهسبريس، إن “هذا السياق استدعى اللقاءات التي عقدها في يوليوز الماضي وزير الداخلية ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في المدن المرشحة لاحتضان مباريات كأس العالم، بحضور ولاة الجهات، كفرصة لتقديم رسالة واضحة إلى كل الفاعلين بضرورة الوقوف بجدية وتتبع كل مراحل إنجاز المشاريع المبرمجة، خاصة التجهيزات الأساسية واللوجيستيكية، والمرافق الرياضية وغير الرياضية، التي تم الالتزام بإنجازها في أفق مونديال 2030”.
“رفع الإيقاع”
“هذه الديناميكية مهمة جدا”، بحسب الباحث في الحكامة الترابية، شارحا: “من جهة، لأن الوقت يداهمنا، ونحن ملزمون بالتزام الجودة والجدية في تدبير هذا الملف. ومن جهة ثانية، لأن الاستعداد للمونديال هو فرصة لرفع الإيقاع في كل أوراش التنمية وتحديث أنماط التدبير وتنفيذ المشاريع، ورفع كل القيود على الاستثمار الخاص المصاحب لورش المونديال”، مؤكدا فكرة جعل هذا الحدث “نقلة نوعية في مسار تأهيل وتقدم المغرب”.
“أعتقد أننا سنربح كثيرا إذا تمثلنا هذا الأفق على الشكل الذي يجعل منه جسر عبور نحو واقع مجالي وخدماتي أفضل”، نتشرف به أمام ضيوف بلادنا مثلما يسعد به المواطنون الذين يستحقون الأفضل”، يورد التايب.
وأجمل التايب موقنا بأن “كل الفاعلين، العموميين والخواص، على وعي كبير بأهمية إنجاح هذا الرهان… والكل سينخرط بتلقائية وجدية في تتبع الأوراش وجعلها تتحقق في الآجال المحددة، باحترام كل المعايير، بما يشرف بلادنا ويقوي إشعاعها في المحافل الدولية”.
مدن مونديالية صاعدة
بدوره، يرى طارق المودن، خبير باحث في التنمية الترابية، أن “الاجتماعات بالمدن المونديالية لم تكتف فقط بمسؤولين عن الشأن الترابي بالولايات والأقاليم، بل استدمجت السلطات المنتخبة والمصالح الخارجية لمختلف القطاعات الوزارية المعنية بالملف وتفاصيل المشاريع المبرمج إنجازها قبل حلول 2030”.
متحدثا لهسبريس حول الموضوع، لفت المودن إلى أن “استضافة مونديال 2030 هي فرصة سانحة لإبراز صورة المجالات الترابية المغربية ذات التنمية المندمجة”، معتبرا أن الرهان والتحدي ليس فقط تشييد ملاعب وبنيات تحتية كافية، بل كسب رهان التسويق الترابي لهذه المدن الكبرى عمرانيا وسكانيا”، مسجلا أن “المونديال نقطة لتبدأ عالمية هذه المدن وتصير فعلا مونديالية”.
وبالنسبة للمصرح، فإن المدن المرشحة لاحتضان مباريات العرس المونديالي هي “مدن مقلعة تنمويا صاعدة حاليا من حيث البنيات التحتية والتهيئة الحضرية وذات مستوى متقدم من حيث تنمية المجالات الترابية”، داعيا إلى “استدامة التنمية في قلب المعادلات، وجعل إشكالية ندرة الموارد المائية في صلب حكامة تدبير المشاريع المونديالية المغربية”.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى أن “السلطات المحلية-خصوصا في شخص الولاة والعمال-تظل ضابطة عبر عملية تدبير دقيقة وقراءة جيدة لمعطيات وبيانات مجالاتها الترابية التي تقع تحت نفوذها، غير أن توفر معطيات مستجدة مع الإحصاء العام لشتنبر 2024 سيكون مفيدا أكثر في وتيرة تسريع المشاريع وتدارك التغيرات الحضرية الجارية”.
في السياق ذاته، عرج الخبير في التنمية الترابية على أهمية “الرهان السياحي عبر تسويق الوجهة والعمل على مشاريع تنويع العرض السياحي بالمدن الست ونواحيها”، قبل أن يشدد على دور “الإنسان/الساكنة باعتباره جوهر كل نجاح لمجهودات كبيرة تبذل في المجالات الترابية المعنية، مع ضرورة إشراك المجتمع المدني في شق التحسيس بجسامة الحدث وتحدياته”.
المصدر: وكالات