عقد المخرج المغربي حسن بنجلون، اليوم الأحد، لقاء مفتوحا بفضاء بيت الفن بتطوان، على هامش التكريم الذي حظي به في حفل افتتاح مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط في دورته الثامنة والعشرين، والذي جاء اعترافا بمساره الطويل في دروب الفن الذي أغنى من خلاله الخزينة السينمائية والتلفزيونية بأعمال خالدة.
واستهل اللقاء بكلمة ترحيبية من عبد اللطيف البازي، المسؤول عن الشراكات الثقافية بالمهرجان، قبل أن يتحدث المخرج بنجلون عن أهم محطات مشواره الفني ومواقف طبعت طفولته؛ إضافة إلى لمواضيع أخرى؛ وبهذه المناسبة كان لجريدة هسبريس الإلكترونية حوار مع حسن بنجلون.
تندرج أفلامك ضمن صنف الأعمال “السهلة الممتنعة” .. فكيف تختار المواضيع التي تشتغل عليها؟
أقول إنني لا أختار مواضيع أفلامي؛ لكن هذه المواضيع هي التي تفرض نفسها علي، ذلك لأنني أعيش قريبا من المجتمع المغربي، بحكم عملي كصيدلي.. ولعل مهنة الصيدلة هي “التيرمومتر” الذي يمكن أن نقيس به مجتمعا ما، وفي الصيدلية يمكن أن نتابع كل الآلام التي يعانيها أبناء المجتمع، ويمكن أن نلتقي بالفقير كما بالغني؛ وهذا ما يدفعني إلى أخذ الورقة وتدوين مختلف الأحداث والمواقف التي عشتها يوميا، وحين تتراكم مثل هذه المواقف ويفرض موضوع ما نفسه ويلح علي أعبر عنه بالصناعة الإبداعية التي أتقنها، وهي السينما.. ولأنه موضوع يعني كل المجتمع يكون لزاما علي أن أعبر عنه بشكل بسيط، وهذا هو التحدي الحقيقي أن تعبر وتصور ببساطة دون أن تفرط في فنية السينما وجماليتها.
ما تقييمك للوضع السينمائي بالمغرب؟
نحن أمام وضعية غير مفهومة، رغم وجود إرادة سياسية، بسبب استمرار دعم القطاع؛ لكننا نتساءل عن أسباب استمرار المركز السينمائي المغربي دون مدير منذ ثلاث سنوات.. كما يمكن أن نتوقف عند المشكل المتعلق بغياب القاعات السينمائية، حيث لا مجال لعرض الفيلم المغربي إلا عندما يعرض في التلفزيون.. وهنالك أيضا غياب موزع عالمي للفيلم المغربي، حيث لا يتحقق هذا التوزيع إذا لم يكن هنالك توزيع مشترك.. لهذا لا بد من انتفاضة، ولا بد من إرادة من قبل المركز السينمائي المغربي، ومن إرادة جماعية من أجل الترويج لأفلامنا.
أنت من المخرجين المغاربة الأكثر غزارة في الإنتاج.. فهل تبدع تحت ضغط الإحساس بالمسؤولية والاستعجال؟
يمكن تفسير ذلك بكثرة المواضيع التي تحدثت عنها سابقا، والتي أعيشها بشكل يومي وكلما استوقفني موضوع ما نبدأ في الكتابة عنه.. والحال أن لدي خلية للكتابة وطائفة من الأصدقاء والمهنيين، حيث نبدأ في الكتابة.. وبالنسبة إلي، يكفيني أن أكون راضيا على فيلمي بنسبة 50 في المائة؛ ذلك أنني مطالب باستئناف كتابة وتصوير وإخراج عمل جديد وقد فرض نفسه علي من جديد، كما أسلفت، فالأمر لا يتعلق بغزارة أو استعجال بقدر ما يتعلق بجرأة على إبداع العمل وإخراجه للناس، والثقة في ما تقوم بإخراجه، بينما هنالك الكثير من المبدعين الذين يظلون حبيسي التردد.
كنت من المبدعين السباقين إلى الاهتمام بالرافد اليهودي في الثقافة المغربية وكذا الانشغال بفاجعة هجرة اليهود المغاربة في الستينيات. فما سر ذلك؟
لقد نشأت في مدينة سطات، وهي مدينة حديثة، وبعد الاستقلال لم تكن ساكنتها تتجاوز 25 ألف نسمة؛ 5000 منهم أمازيغ، و5000 منهم عرب، و5000 منهم من أهل فاس، و5000 منهم فرنسيون، و5000 منهم يهود.. كانت المدينة ملتقى للطرق وكل من فيها متعايش على أرض واحدة، أما الدرب الذي كنت أقطن فيه فكان يضم خمس عائلات مسلمة وخمس عائلات يهودية.
وفي يوم مشهود وليس ينسى من سنة 1961، استيقظنا فوجدنا أبواب خمسة منازل موصدة، وقد رحل أهلها. لقد كانت صدمة قوية بالنسبة للطفل الذي كنته؛ فقد افتقدت فجأة، كل الأطفال الذين عشت معهم، حيث صنعنا ألعابنا وأحلامنا، فانتهى كل شيء في لحظة واحدة..
أذكر أنني سألت أمي يومها: “أين ذهبوا؟”، فقالت لي: ربما ذهبوا إلى فلسطين، فكانت أول مرة أسمع فيها كلمة فلسطين.. وهكذا كبرت هذه الصدمة معي، وكانت الباعث الأساسي على إخراج فيلم “فين ماشي يا موشي”. ولحسن حظي أن أكون أول مخرج انتبه إلى هذه القضية، وقدم فيها عملا سينمائيا رائدا، وكان فاتحة لسلسلة من الأعمال التي عالجت الملف نفسه ولسلسلة من الأطروحات في جامعات عالمية ناقشت موضوع هجرة اليهود المغاربة.
اعتمدت على عمل فني في فيلمك “الغرفة السوداء”.. فهل تعتبر أن اقتباس الأعمال الأدبية بإمكانه أن يغني السينما المغربية؟
أعتقد أن الاقتباس مسألة في غاية الأهمية، وهي تجمع ما بين الكتّاب والسينمائيين من أجل إثراء السينما في أي بلد. وقد حاولنا، في أكثر من منتدى داخل المغرب وخارجه، عقد لقاءات بين السينمائيين والأدباء في سبيل بناء مشاريع تجمع بين الطرفين، بما يغني الإنتاج السينمائي ويثري خيال المخرجين.
المصدر: وكالات