تخوف واضح أبداه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، من توجهات أوروبية قد تذهب حد رفض الدول الأوروبية منح التأشيرات للبعثات الدينية المغربية التي تؤطر مغاربة العالم، مصرحاً، الاثنين، خلال جلسة برلمانية عمومية، بأن “الوزارة تعاني في سبيل توفير تأشيرات الدخول إلى البلدان الأوروبية لفائدة المؤطرين الدينيين الذين يتم إيفادهم قصد تأطير أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، سواء خلال رمضان أو خارجه”.
وتابع متمنياً “ألّا تذهب الظروف إلى التضييق على إيفاد المؤطرين الدينيين كما يتبادر من بعض التوجهات الموجودة في البلدان الأوروبية”، قبل أن يستدرك بأن “المغاربة متشبثون بمذهبهم، وسوف نجد دائما وسائل لدعمهم في هذا الباب كيفما كانت الظروف”.
تعبير التوفيق عن خشيته من “توجه متزايد” تُظهره بعض الدول الأوروبية نحو “التضييق على دخول البعثات الدينية المغربية”، لم يأت بعيدا في توقيته عن مسار إسدال الستار على واقعة ترحيل حسن إكويسن، الإمام والواعظ المغربي، من بلجيكا إلى المغرب، بعد أن كان “فارّاً”، نهاية الصيف الماضي، من أمر بالطرد أصدرته فرنسا.
وكان الداعية ذو الأصل المغربي، حسن إيكويسن، (59 عاما) قد وصل مساء الجمعة 13 يناير الجاري إلى المغرب عبر مطار الدار البيضاء، قادما من بلجيكا تنفيذاً لمسطرة الترحيل. وذلك بعدما حصل على “تصريح قنصلي” من قنصلية المغرب في مدينة لييج لدخول التراب المغربي، بمبرر الإقامة غير المشروعة.
إكويسن.. “حالة معزولة”
تعليقا على الموضوع، اعتبر محمد موساوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أن “المخاوف الرسمية المعبر عنها على لسان وزير الأوقاف لا ترتبط بالضرورة بتطورات قضية حسن إيكويسن الذي يظل من مواليد فرنسا وحالته معزولة”، متوقعا أن “تطول قضيته أمام القضاء الفرنسي الذي لم ينته نهائيا من البت في مضمونها وتبعاتها رغم ترحيله إلى المغرب”.
الرئيس المؤسس لـ”اتحاد مساجد فرنسا” رفض، في تصريح لهسبريس، إقامة ربط بين الأمريْن، قائلا: “لا أظن أنه توجد صلة بين القضيتين”، موضحا أن “حديث الوزير عن تخوف من مسألة تأشيرات ولوج البعثات الدينية المغربية إلى أوروبا مردُّه إلى نقاش سابق يعود إلى 2018 مع إعلان رئيس الجمهورية الفرنسية عن الحد من قدوم الأئمة من ثلاثة بلدان، منها المغرب”.
وأكد موساوي أن “اتحاد مساجد فرنسا كان قد استبق قرار الرئيس منذ 2015 بخيار الاعتماد على أئمة مكوَّنين مزدادين بفرنسا، أغلبهم شباب”، مسجلا “إيجابية التجربة التي أسفرت عن تكريس خيار تكوين الأئمة والمرشدين في معهد محمد السادس بالمغرب قبل التحاقهم بدول تستقبل أفراد الجالية المغربية قصد تأطيرهم دينيا وثقافيا”.
واعتبر المتحدث لهسبريس أن “نماذج التكوين بالنسبة للأئمة في دول أوروبية قد أعطت ثمارها”، مستحضرا سياقات “نهاية تجربة الأئمة المُبتَعَثين في نهاية 2021″، قبل أن يؤكد أن “المغرب كان معنيا بشكل أخف بهذه المسألة لأن عدد أئمته المبعوثين إلى فرنسا لم يكن يتجاوز 27 إماما”.
وكشف موساوي أن “التوجه الرسمي الحالي في معظم الدول الأوروبية يهدف، بشكل عام، إلى الاعتماد على أئمة مكوَّنين في تلك الدول لمعرفتهم المعمقة وعن كثب بثقافة ولغة وواقع البلد”، لاسيما بعد إسهام ظروف الجائحة في التقليص من حجم البعثات الدينية المسلمة في بلدان أوروبا.
تأشيرات الأئمة.. “مجرد هواجس”
في سياق متصل، أوضح موساوي أن ما عبّر عنه وزير الأوقاف “مبني على تصريحات مبدئية من دول أوروبية عديدة تواترت خلال السنوات الأخيرة”، قبل أن يؤكد أن “الخشية من التضييق على منح تأشيرات للبعثات تبقى مجرد هواجس”، كاشفا بهذا الخصوص أن “طلبات الحصول على التأشيرات برسم شهر رمضان القادم قد جرى تقديمها بشكل عادي، والأمر يتطلب وقتا لانتظار إجراءات مسطرية”.
وتذكّر المتحدث نفسه “سنوات ما قبل الجائحة، إذ كان كلما اقترب رمضان يتجدد النقاش نفسه”، مشيرا إلى أنه يجري تسليم تأشيرات الأئمة غالبا مع دنوّ الشهر الفضيل دون تسجيل أي مشاكل”.
وتابع شارحا: “السلطات الأوروبية تفرّق بين أئمة مغاربة يأتون إلى أوروبا للقيام بأنشطة التعبد في رمضان، وبين البعثات المنتظمة التي يطول استقرارها ويكون أغلبها مكونا من أئمة أو خطباء أو مرشدين بشكل راتب”.
واعتبر أن “اشتراط مسألة التمكن من اللغة في بلد الاستقبال أمر منطقي”، محذرا من أن “الإمام حين يكون غير عالم بالواقع وغير ناطق بلغة البلد، سيلجأ إلى شبكة الإنترنت التي قد تجعله ضحية المغالطات وخطاب الكراهية والتطرف”.
يشار إلى أن التأطير الديني لأفراد الجالية المغربية بالخارج يعد من أولويات وزارة الشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، بفتح قنوات التواصل والتعاون مع الهيئات الرسمية، المتمثلة في سفارات وقنصليات المملكة، وكذا عبر جمعيات وممثلي المساجد التي يسيّرها مغاربة في بلد الإقامة، “باعتبارها المخاطَب الرسمي للسلطات المكلفة بتدبير الشأن الديني”، حسب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.
المصدر: وكالات