تسارع السباق لتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي في الأشهر الأخيرة، متطلبا استثمارات طائلة وحدها عمالقة التكنولوجيا يمكنها تأمينها، ما قد يجعلها تسيطر مستقبلا على هذا القطاع.
وتكبدت شركة “أوبن إيه آي” كلفة تشغيلية تقارب 700 ألف دولار في اليوم لتطوير تطبيقها لتوليد المحتويات “تشات جي بي تي” الذي أطلقته في تنوفمبر، وفق تقديرات مكتب “سيمي أناليزيس”.
وأورد موقع “ذي إنفورميشن” أن سام ألتمان رئيس “أوبن إيه آي” الذي خسر 540 مليون دولار العام الماضي، أفاد عن عملية جمع أموال تصل إلى مئة مليار دولار في السنوات المقبلة لتمويل تطوير الشركة الفتية التي تتخذ مقرا في ولاية كاليفورنيا الأميركية.
وصرح ألتمان أخيرا خلال طاولة مستديرة “سنكون الشركة الناشئة الأكثر حاجة إلى الرساميل في تاريخ سيليكون فالي”.
واستثمر عملاقا الإنترنت غوغل ومايكروسوفت بمساعدة أوبن إيه آي وميتا، الشركة الأم لفيسبوك، مليارات الدولارات حتى الآن لتطوير منصاتهما الخاصة للذكاء الاصطناعي التوليدي القادرة على إنتاج محتويات استجابة لطلب مستخدميها.
وأوضح جاك غولد المحلل المستقل أن “الناس لا يدركون أن الذكاء الاصطناعي على طراز تشات جي بي تي يتطلب قوة حسابية هائلة” متسائلا “كم من الشركات يمكنها تحمل كلفة شراء عشرة آلاف وحدة إتش100 من نفيديا؟” وهي وحدات معالجة رسوم أساسية للذكاء الاصطناعي يقارب سعرها 30 ألف دولار للوحدة.
ويظهر بوضوح متزايد في هذا المجال أن وحدها حفنة من الشركات تملك الإمكانات المالية لبناء نموذج ذكاء اصطناعي توليدي قادر على منافسة الواجهات القائمة حاليا.
أما الشركات الأخرى، فلا خيار لديها سوى استخدام تكنولوجيات وقدرات هذه الشركات العملاقة، على غرار ما تفعله أساسا في مجال الحوسبة السحابية التي باتت مصدر عائدات لمايكروسوفت وغوغل وأمازون.
وتنامي الذكاء الاصطناعي على ترابط مع الحوسبة الحسابية، ومن شأن القطاعين زيادة تبعية الشركات لعمالقة الإنترنت التي ستطور لها نسخا من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الكبرى تكون مطابقة لحاجاتها.
ولفت ستيفان سيغ مسؤول المنتجات لدى شركة “سوفتوير إيه جي” للبرمجيات، إلى أن كلفة استخدام الحوسبة السحابية تطرح بالأساس “مشكلة تسيء الكثير من الشركات تقديرها” وقد تزداد مع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وبلغت حصة الحوسبة السحابية في أرباح مايكروسوفت العام الماضي 70 % بحسب تقرير الشركة السنوي، فيما حققت أمازون 22 مليار دولار من الأرباح بفضل “أمازون ويب سيرفيسز” AWS.
ويعتقد بعض المراقبين أن رهان مايكروسوفت على الذكاء الاصطناعي يهدف بشكل أساسي إلى حماية نجاح خدمته السحابية “أزور” وضمان استمرار تدفق عائداتها.
ولفت دان آيفز من شركة “ويدبوش سيكيوريتيز” إلى أنه بالنسبة إلى مايكروسوفت “الإوزة الذهبية هي جني أرباح من الحوسبة السحابية مع أزور لأننا نتحدث عن فرصة سنوية قد تصل إلى 20 أو 30 أو 40 مليار دولار في السنة مستقبلا إذا كسبت رهانها على الذكاء الاصطناعي”.
وقال المحل ل إن المدير العام لمايكروسوفت ساتيا ناديلا يحظى بفترة سماح تتراوح بين ستة وتسعة أشهر قبل أن يطلب منه أن يثبت أن الأولوية الإستراتيجية الممنوحة للذكاء الاصطناعي التوليدي تنعكس على أرباح المجموعة.
وقالت مديرة مايكروسوفت المالية إيمي هود للمحللين هذا الشهر إن الشركة تقر بالمخاطر لكنها تصر على أنه في مجال الذكاء الاصطناعي يجب أن “تقود هذه الموجة”، مضيفة “سنفرض رسوما على إمكانات الذكاء الاصطناعي هذه، وفي نهاية المطاف سنحقق أرباحا تشغيلية”.
ورأى تنري فو المدير العام لشركة “سبيكترو كلاود” المتخصصة في تحسين الحوسبة عن بعد أن “تدريب (نماذج الذكاء الاصطناعي) وتشات جي بي تي سيصبح خدمة سحابية في غاية الأهمية في المستقبل”.
لكنه أكد أنه بعد فترة التطوير هذه للتكيف مع حاجات محددة “سيكون للشركة نموذجها الخاص” ما سيؤدي إلى تراجع اعتمادها على شركات الحوسبة السحابية الكبرى.
وتتابع الهيئات الأميركية الناظمة لهذا القطاع من كثب تطورات هذه السوق الناشئة.
وقالت رئيسة اللجنة الفدرالية للتجارة المشرفة على مسائل المنافسة لينا خان لشبكة سي إن بي سي التلفزيونية “علينا بصفتنا هيئة ناظمة أن نتثبت من أن الشركات العملاقة لا تقضي على هذه الفرص بالنسبة إلى الوافدين الجدد”.
وأقر سام ألتمان خلال جلسة استماع في الكونغرس الثلاثاء “صحيح أن عدد الشركات التي ستتمكن من تطوير النماذج الأكثر ابتكارا سيكون محدودا، لمجرد الموارد الضرورية من أجل ذلك”.
وتابع “انطلاقا من هنا، من الضروري أن نخضع نحن ومنافسونا لمراقبة استثنائية”.
المصدر: وكالات