مشاريع اتفاقيات استثمارية، أحدُها يحمل صفة “الإستراتيجي والمستدام” (قطاع التنقل الكهربائي)، أثمرتْها أشغال “الدورة الخامسة للجنة الوطنية للاستثمارات”، المحدَثة بموجب ميثاق الاستثمار الجديد، الذي دخل حيز التطبيق منذ مارس 2023، تنفيذاً لتوجيهات ملكية تسعى إلى رفع حصة مساهمة الاستثمار الخاص في الدينامية الحالية.
اللجنة، التي ترأس اجتماعها، الثلاثاء، رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بحضور وزراء قطاعات فاعلة والمدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، خلصت إلى الموافقة على 22 مشروع اتفاقية و5 ملاحق اتفاقيات، في إطار “نظام الدعم الأساسي للاستثمار”، بقيمة إجمالية 7.7 مليارات درهم.
وحسب المعطيات المعلنة فإنه من المرتقب أن تخلق المشاريع الـ27 المصادَق عليها 7000 منصب شغل مباشر وغير مباشر؛ “من بينها 5300 منصب شغل مباشر، و1700 منصب شغل غير مباشر”.
وجاء لافتاً ضمن مخرجات الدورة الثالثة للجنة الوطنية للاستثمارات سنة 2024 “تأكيدها الدينامية التي يشهدها الاستثمار الخاص في المملكة، مع إبراز الوقع الإيجابي الذي خلّفَه ميثاق الاستثمار الجديد”.
كما أثار أنظار المتابعين نيْلُ مشروع جديد في قطاع “التنقل الكهربائي” بجهة الرباط–سلا–القنيطرة مصادقة اللجنة “في إطار نظام الدعم الخاص المطبق على المشاريع الاستثمارية ذات الطابع الإستراتيجي”، بقيمة استثمارية قدرُها 12,8 مليار درهم؛ وهو المشروع الذي “سيُمكّن (لوحده) من خلق 17 ألفا و600 منصب شغل مباشر وغير مباشر”، وفق المعطيات الرسمية.
“أفضلية مغربية” بتوجّهات صناعية
“89 في المائة من الاستثمارات المصادق عليها في إطار نظام الدعم الأساسي للاستثمار ستُنجزها مقاولات مغربية”، معطى آخر يعزز ما سبق أن أعلنت عنه التوجهات الرسمية للسياسات العمومية نحو “تعزيز أفضلية وطنية لمقاولات مغربية ضمن المشاريع المصادق عليها”؛ فيما حاولت اللجنة مراعاة توزيعها على 19 إقليماً وعمالة في 7 جهات، لضمان نوع من “العدالة المجالية”.
قطاعياً، تصدرت “الصناعات الكيميائية وشبه الكيميائية” نوعية المشاريع الاستثمارية المصادق عليها بـ 56% من إجمالي المبالغ المعتمدة لهذه المشاريع، تلتْها “صناعة السيارات” بـ 7%، ومواد البناء بـ 6%.
باقي القطاعات لم تُغفل في دعم اللجنة المذكورة مشاريع “الصناعة الغذائية” بـ 4%، ثم “الصحة وتربية الأحياء البحرية والنسيج وصناعة الطيران والبيوتكنولوجيا” بـ 1% لكل قطاع.
وأكبر عدد من مناصب الشغل المرتقب إحداثها بفضل المشاريع المصادق عليها في إطار نظام الدعم الأساسي للاستثمار تتأتى من قطاع صناعة السيارات (أكثر 30% من إجمالي فرص الشغل)، متبوعاً بقطاع السياحة بأكثر من 21%، ثم النسيج بحصة 16%.
“ضبط نجاعة التنفيذ”
زهير لخيار، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، مختص في قضايا الاستثمار والتخطيط الإستراتيجي التنموي، أكد أن “الاستثمار يُعتبر الأساس في كل اقتصاديات العالم، بحكم أنه يشكل المِفصل في معادلة التوازن الاقتصادي، بشكل يضمن عدم اختلال جانبيْ المعادلة معاً، أي العرض والطلب”، مسجلا أن “أي دعم يُقدَّم للاستثمار فهو دعمٌ للنمو في شموليته”.
وأكد لخيار، باسطاً إفادات تحليلية لجريدة هسبريس، أن “مشاريع الاتفاقيات الاستثمارية المصادق عليها والدعم المقدَّم لها في إطار نظام الدعم الأساسي المنصوص عليه (في ميثاق الاستثمار) مجهود يندرج في هذا الصدد”، مبرزا “الأثر الإيجابي والمضاعَف؛ لأنه من المعلوم في النظرية الاقتصادية أن أيَّ درهم تم ضخّه في الاستمثار فلا بُدّ أن يجلب عوائد أكبر”.
“هذه المشاريع ستَجلب ليس فقط الاهتمام برفع فرص التوظيف والتشغيل المباشر وغير المباشر، بل أكثر من ذلك ستذهب إلى جني ثمار تحسين النمو وزيادة جاذبية البيئة الاستثمارية بالمغرب، وغير ذلك من المنافع المحققة من هذه الاستثمارات التي تعني قطاعات وأنشطة متعددة”، يشدد الخبير الاقتصادي ذاته، لافتا إلى أن “هذه الخطوة إيجابية، لكن نجاحها يظل خاضعاً بقوة لمدة نجاعة آليات التنزيل ومؤشرات الدعم التي يجب أن تكون مُحكمة ومضبوطة، بحيث تكون ناجعة أكثر”.
وزاد المتحدث مفسرا: “هناك مؤشرات تتجه نحو تأكيد جدوى هذه المشاريع التي ستؤتي القيمة المضافة المرجوّة منها، لكن ذلك يستدعي تركيز العمل كله في تنفيذ المشاريع التنموية، بشرط ضمان نجاعة تنفيذية تضمن تحفيز التشغيل، ما يعني مباشرة ارتفاع الطلب ورفع الإنتاجية، وتحفيز دورة سوسيو اقتصادية بكاملها”.
وخلص المحلل المتابع لدينامية مشاريع الاستثمار بالمملكة إلى أن “النفع الكبير لهذه المشاريع سيكون بادياً على اقتصاد المغرب عبر السعي إلى ضبط النجاعة التنفيذية؛ أي تنفيذ بأقل التكاليف الممكنة مع أقصى ربح ممكن”.
عدالة مجالية للاستثمار
بدر زاهر الأزرق، خبير اقتصادي باحث في قانون الأعمال، أكد أن “انعقاد اللجنة الوطنية للاستثمار، في دورة خامسة، هي الثالثة هذه السنة توالياً، يبرهن على أن الحكومة تحاول تفعيل كل ما سبق أن التزمَت به؛ سواء من خلال الميثاق الجديد للاستثمار أو أهداف تحفيز التشغيل المعلن عنها لخلق مناصب ودعم الاستثمار لجميع القطاعات الإستراتيجية”.
“اليوم كان هناك دعم توجّه واضح إلى أحد أهم القطاعات الإستراتيجية بالنسبة للمملكة المغربية، وهو المتعلق بالنقل المستدام المعتمد على الطاقات البديلة؛ وفي الوقت نفسه بقية الاستثمارات المهيمنة على الدعم تظل تلك المرتبطة بالدعم الأساسي”، يورد الأزرق، محللا لهسبريس، قبل أن يلفت إلى “توزيع هذه الاستثمارات على عدد من المجالات الترابية المتنوعة، ما يعكس رغبة في تجاوز وكسْر قواعد المقاربة السابقة المرتبطة بتمركز الاستثمارات الكبرى، سواء من القطاع الخاص أو العام، عند محاور كبرى معروفة (محور طنجة–الجديدة، مراكش–أكادير)”.
وبينما قدّر المحلل الاقتصادي “صعوبة المهمة”، مفسرا بأن “جميع البنى التحتية وجميع الموارد البشرية المؤهلة مُتمركزة ومازالت في هذه المجالات”، قال إن “على الحكومة مضاعفة مجهوداتها من خلال هذه البوابة المتعلقة بدعم الاستثمارات وتحفيز المقاولات الكبرى للانتقال وتوطين استثماراتها”، وتابع: “يمكن في انتظار ذلك أن يكون دعم هذه المقاولات مشروطاً بأن تشتغل من خارج المحاور الاقتصادية الكبرى للمملكة”.
“هاجس التشغيل حاضر”
على صعيد متصل لفت الأزرق إلى أنه “رغم كون حجم الاستثمارات كبيرا إلا أن إنتاج القيمة وإنتاج مناصب الشغل مازال ضعيفاً؛ وهي معضلة مازالت تواجه الحكومة وبرامج الدعم، لأن هناك ملايير، ناهيك عن الحجم الأصلي للاستثمارات، مقابل هزالة مناصب الشغل المباشرة أو غير المباشرة”.
هذا ما يستدعي، حسب المصرح، “الدفع في اتجاه تبني مشاريع أكثر خلقاً لمناصب الشغل، مع ضمان توزيعها بشكل منصف على مختلف المجالات الترابية”.
وأجمل الخبير الاقتصادي تحليله بالقول إن “الحكومة من خلال الدورة الخامسة تؤكد أنها ملتزمة وستعمل على تقوية نسيج المقاولة الخاصة بإعطاء الأفضلية للمقاولة الوطنية، مع محاولة كسْر تمركز هذه الاستثمارات في المحاور الكبرى عبر إدراج مجموعة من المناطق الترابية، وفي الوقت نفسه استحضار هاجس مناصب الشغل، خاصة عبر القطاعات المستجدة في الاقتصاد (النقل البديل المستدام)”.
المصدر: وكالات