عقد المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية اجتماعه استثناء بالمقر الوطني للحزب في الدار البيضاء، الأربعاء، بالموازاة مع تنظيم زيارة جماعية للترحم على روح فقيد الوطن والشعب، الراحل علي يعته. وخصص الاجتماع للتداول في أبرز القضايا السياسية التي تستأثر بالاهتمام أثناء الدخول السياسي الحالي.
المكتب السياسي المذكور أدان، ضمن بلاغ له، إمعان الكيان الصهيوني في جرائمه الشنعاء وحرب إبادته ضد الشعب الفلسطيني، بقطاع غزة، وفي الضفة الغربية، وخاصة بمدنها الشمالية، وذلك بلا حسيب ولا رقيب، وفي استهتار تام بكافة قواعد القانون الدولي الإنساني، بما يؤكد الطابع الإجرامي لهذا الكيان المارق ومعاداته للسلام، معربا عن استنكاره لصمت وتواطؤ العديد من الدول الكبرى والمؤثّرة إزاء هذه المأساة الفلسطينية الكارثية التي تسائل في العمق المنتظم الدولي والضمير الإنساني.
وجدد حزب “الكتاب” المطالبة بوقف هذا العدوان الغاشم وإقرار كافة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، مناديا جميع الضمائر الحية والأصوات الحرة، وطنيا ودوليا، لتكثيف كل مبادرات وأشكال التعبير عن التضامن مع قضية فلسطين، من أجل الوقوف في وجه أعدائها الذين يـراهنون على خـفوت الاحتضان الشعبي العالمي لعدالة هذه القضية، ومن أجل الحفاظ على أولويتها في صدارة التحديات المطروحة على المنتظم الدولي.
وتوقف المكتب السياسي عند الدخول التعليمي، المدرسي والجامعي، وما يطرحه من تحديات وصعوبات جمّة على الأسر المغربية، ولا سيما منها المتوسطة والمستضعفة، أساسا بسبب الارتفاع المهول لكلفة مستلزمات الدخول المدرسي، حيث توقف عند الزيادات الفاحشة التي فرضت من طرف معظم مؤسسات التعليم الخصوصي بالنسبة لرسوم التسجيل والواجبات الشهرية، بدعوى حرية الأسعار والمنافسة، علاوة على فرض اقتناء كتب مدرسية مستوردة، بما يـــرهق أكثر كاهل الأسر المعنية.
وبخصوص الدخول الجامعي، توقف البلاغ ذاته، عند استمرار أزمة كليات الطب والصيدلة، المرشحة للتفاقم بعد التحاق الفوج الجديد من الطلبة بهذه الكليات، في حال استمرار عجز الحكومة عن إيجاد حلّ مناسب لهذه المعضلة التي بقدر ما تقضّ مضجع الأسر بقدر ما تـــسيء إلى سمعة التعليم العالي ببلادنا وتضرّ بآفاق إصلاح منظومة الصحة الوطنية.
ونبه حزب التقدم والاشتراكية الحكومة إلى ضرورة التعاطي الحازم والبنّاء والناجع مع قضايا الدخول التعليمي، الذي يهمّ ملايين الأسر المغربية، والحرص التام على اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية ومراعاة القدرات المادية للأسر المغربية، ولتوفير كافة شروط إنجاح هذا الدخول.
كما نادى بالشروع الفعلي في إجراء الإصلاحات الضرورية، لتوفير كافة الإمكانيات والشروط من أجل الاعتماد أولا وأساسا على تعليم عمومي جيد ومتكافئ، بما يحمي مستقبل بنات وأبناء المغاربة، وبما يحفظ للتعليم طابعه كخدمة عمومية استراتيجية، وبما يحمي الأسر من جشع القطاع الخصوصي الواجب السهر الفعلي على تقنينه وتأطيره وفق مقتضيات القانون الإطار.
وتداول المكتب السياسي ذاته في التدهور المطرد والخطير للقدرة الشرائية للأسر المغربية، وخاصة بالنسبة للطبقة الوسطى والفئات الفقيرة، وذلك من جراء الغلاء المتصاعد والفاحش لأسعار مجمل المواد الاستهلاكية والخدمات، معربا عن خيبة أمله العميقة إزاء تجاهل وإنكار الحكومة لهذا الوضع الاجتماعي المقلق والمتفاقم بفعل ارتفاع البطالة واستمرار الجفاف ومستلزمات الدخول التعليمي، في مقابل تعبير هذه الحكومة عن الارتياح واكتفائها بخطابات وتصريحات جوفاء بلا أثر ملموس.
وبهذا الشأن، جدد الحزب دعوته الحكومة لاتخاذ إجراءات قوية وفعالة لمواجهة غلاء الأسعار وحماية جيوب المواطنات والمواطنين الذين يئنون بصمت تحت وطأة ارتفاع كلفة المعيشة، بما في ذلك التدخل الحازم والناجع لضبط الممارسات غير المشروعة في الأسواق، من احتكار ومضاربات وتواطؤات.
في سياق منفصل، ناقش المكتب السياسي الأمطار الرعدية والسيول الفيضانية التي عرفتها مؤخرا عدد من أقاليم بلادنا، معظمها في الجنوب الشرقي، وأكد أن الحكومة مطالبة بالتوزيع العادل والمتكافئ للاستثمارات العمومية، كما بالتحفيز الحقيقي للاستثمار الخصوصي بالأقاليم والجهات التي لم تستفد بالقدر اللازم من المجهود التنموي الوطني، وذلك تحقيقا للإنصاف الترابي، وتفاديا لارتفاع معدلات الهجرة، بما فيها الهجرة المناخية.
كما تطرق المكتب السياسي إلى موضوع برنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز، مسجلا تصاعد استياء وتذمر المواطنات والمواطنين المعنيين من جراء النقائص التي تشوب عمليات الإحصاء المفضي إلى الاستفادة من الدعم، وبفعل تأخر الإنجاز وتعثر كثير من المشاريع المقررة، علاوة على تسجيل ضعف التقيّد بالخصوصيات المعمارية والثقافية للمناطق المعنية، مطالبا الحكومة وباقي الهيئات المكلفة بتنفيذ البرنامج المذكور بتحمّل مسؤوليتها تفادياّ لاستمرار معاناة الأسر المعنية.
من جهة أخرى، جدد حزب التقدم والاشتراكية الإشادة بمبادرة العفو الملكي على عدد من الصحافيين، المعتقلين أو المتابعين، معربا عن تطلعه إلى أن تشكل هذه الخطوة الحكيمة مقدمة لإحداث أجواء انفراج أقوى على الأصعدة الديمقراطية والحقوقية، بما يعطي بلادنا مناعة وقوة أكبر للتغلب على مختلف الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، وبما يمكّنها من الاستمرار في تحسين مكانتها على الصعيد الدولي، وبما يمنحها إمكانيات أكبر لتمتين الجبهة الداخلية من أجل الكسب النهائي لرهان توطيد وحدتنا الترابية.
كما ثمّـــن المصدر ذاته المبادرة الملكية المتعلقة بالعفو عن آلاف المحكومين والمتابعين في قضايا ارتبطت بزراعة القنب الهندي في فترة ما قبل تقنينها وهيكلتها مؤسساتيا لأهداف صناعية وطبية وصيدلية.
وأكد حزب التقدم والاشتراكية أنّ هذه الخطوة المقدامة من شأنها أن تكون لها آثار إيجابية مؤكدة، على أساس أن تعمل الحكومة على إدراجها ضمن منظور تنموي قوي، يقوم على إدماج المعنيين في أنشطة اقتصادية بديلة، وعلى برنامج شامل ودقيق لتنمية وتأهيل المناطق المعنية على كافة المستويات، وعلى تأطير صارم للمساحات المخصصة لهذه الزراعة، وللكميات المنتجة بشكل مشروع، وللمياه المستعملة في ذلك بالنظر إلى وضعية الجفاف التي تعيشها بلادنا.
وتطرق المكتب السياسي لموضوع النتائج المتواضعة جدا المحصّل عليها أثناء مشاركة بلادنا في الألعاب الأولمبية الأخيرة، على الرغم من الإمكانيات الكبيرة الموضوعة رهن إشارة أغلب الجامعات الرياضية، بما يطرح، بقوة، ضرورة واستعجالية الإصلاح السياسي العميق لأنماط تدبير وحكامة الرياضات الوطنية، بما فيها الاحترافية والمدرسية والجامعية.
كما تطرق، بشكل أولي، إلى مضامين المذكرة التأطيرية لرئيس الحكومة، المتعلقة بإعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2025. وأكد، بهذا الشأن، أن المذكرة المذكورة تنمّ عن رؤية تكنوقراطية صرفة، وتفتقد إلى النّفس السياسي اللازم، وإلى الحلول المبتكرة للإشكالات الحقيقية كتمويل الواجهات الضخمة المفتوحة على المستوى الاجتماعي وعلى مستوى البنيات التحتية. كما أنها وثيقة تتضمن “أولويات” يتمّ تكرارها كل سنة دون أن تكون مقرونة بقرارات وإجراءات تجسّدها واقعيا، معتبرا أن هذه المذكرة تنطوي على الوعود نفسها التي دأبت الحكومة على توزيعها بسخاء على المغاربة وعلى عالم المقاولة الوطنية، في مقابل أفعال ونتائج معاكـــسة تماما لهذه الوعود والالتزامات.
على أساس كل ذلك، وأمام ما يتضح اليوم أكثر فأكثر من عجز حكومي على مواجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وما يتخللها من هفوات ونقائص وثغرات، وأمام ما تشكله الورقة التأطيرية لإعداد قانون المالية المقبل من تأكيد على استمرار الحكومة في النهج نفسه، إضافة إلى عدم اكتراث الحكومة بقضايا الديمقراطية والحريات والمساواة وحقوق الإنسان لأجل إحداث مناخ سياسي إيجابي، دعا حزب التقدم والاشتراكية الحكومة إلى مراجعة المسار، قائلا إن “بلادنا، اليوم، محتاجة ليس فقط إلى مجرد تعديل حكومي، بل إلى تغيير عميق في التوجهات والمقاربات والسياسات الحكومية، لاستعادة الثقة وتحقيق التقدم والرفاه للجميع، وإلى حكومة قادرة سياسيا على تحرير الطاقات كما تدعو إلى ذلك توجهات النموذج التنموي الجديد”.
المصدر: وكالات