في 18 سبتمبر الفائت، أي بعد أسبوع من تجميد عضويته في المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، تلقى صلاح الدين أبو الغالي قرارا قضائيا صدر ضده يأمر بحرمانه من حصة عريضة بشركته العقارية التي تكلفت بإنشاء مشاريع هائلة في الدار البيضاء.
في ذلك التاريخ، قررت محكمة الاستئناف التجارية في الدار البيضاء تفويت 25 في المائة من شركته « ميدينديس » MEDINDUS، وقد شمل القرار القضائي شركة شقيقه عبد الصمد، إندوسميد-أ- INDUSMED-A-، وهي الشركة التي برزت مع الصراع التجاري الذي أفضى إلى تعليق عضويته في حزبه.
تعتبر شركة « ميديندوس » درة في تاج أعمال الشركات التي يقودها أبو الغالي. أما « إندوسميد -أ-« ، فهي جوهرة العائلة برمتها. يجعل ذلك حرمان أفراد هذه العائلة من السيطرة على شركتيهم، بمثابة نكسة كبيرة في سلسلة الخسائر التي تعرضت إليها في الفترة الأخيرة.
يعود أصل هذا النزاع الذي لم يجر اكتشافه إلا مع الضجة التي أحدثها هذا المسؤول السياسي البارز في تحديه قرار حزبه، إلى توقيع أبو الغالي وشقيقه برتوكول اتفاق مع اثنين من رجال الأعمال المحليين، يهدف إلى تمويلهما استكمال الأشغال المتعلقة بالبناء والصرف الصحي وتجهيز الطرق بمشروع « ديار النزهة » في مديونة. وبفعلهما ذلك، يلتزم أبو الغالي وشقيقه بتفويت 50 في المائة من حصص شركتيهما إلى هذين المقاولين.
المعنيان بهذا البرتوكول هما ياسين بياض، وإبراهيم العيادي، ويملكان معا مقاولة عبارة عن مجموعة، وفق الوثائق القضائية التي اطلعنا عليها.
كان صلاح الدين أبو الغالي يحاول التنصل من هذا الالتزام بعد تكملة الأشغال، مدعيا أن مجموعة بياض/العيادي كان يتعين أن تضخ 94 مليون درهم في المشروع. إلا أن المحكمة ستكتشف بأن هذا الشرط لم يكن يوما ضمن شروط أي اتفاق موقع بين الطرفين، وكذلك ادعاؤه وقوع تأخر في الالتزام بتنفيذ الأشغال بنحو ثلاث سنوات، فقد ظهر بأن الاتفاق المكتوب لم يحدد أي آجال.
بهذه الخلاصات، تؤيد محكمة الاستئناف التجارية الحكم الصادر في المرحلة الابتدائية بحرمان أبو الغالي وشقيقه من 25 في المائة من شركتيهما لفائدة ياسين بياض، فيما تعذر الحكم بتفويت الحصة نفسها لصالح شريكهما الثاني، إبراهيم العيادي الذي على ما يظهر تخلى عن القضية.
في الحكم الصادر ضده، نقرأ أن « شركة إندوسميد-أ- في شخص ممثلها القانوني صلاح الدين أبو الغالي أبرمت في 3 دجنبر 2014، اتفاقية مع الدولة المغربية ممثلة من طرف وزير الاقتصاد والمالية، ووزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، في إطار محاربة السكن غير اللائق. وبموجب هذه الاتفاقية، انخرطت الشركة في إنجاز شقق ذات طابع اقتصادي لا يتجاوز ثمنها 250 ألف درهم مقابل العديد من الامتيازات الضريبية المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على الشركات، والإعفاء من رسوم التسجيل والتنبر، وغير ذلك من الامتيازات ».
ويضيف: « بناء على هذه الاتفاقية حصلت شركتا إندوسميد -أ-، وميديندوس، على رخصتي البناء: الأولى تحت عدد 48/15، والثانية تحت عدد 50/15، في 13 أبريل 2014 ».
لكن المشروع سرعان ما سيتعثر، وسيتوجب على أبو الغالي البحث عن مصادر تمويل جديدة. وفي 27 دجنبر 2016، سيوقع مع مجموعة بياض-العيادي على برتوكول اتفاق، لكنه سيحاول نقضه بعد نهاية الأشغال في المشروع.
لنتذكر أن شركة « إندوسميد-أ- » أصبحت تمثل مشكلة في الأعمال التجارية لعائلة أبو الغالي. INDUSMED A تعتبر واحدة من الحلقات الرئيسية بين ثروة بوشعيب أبو الغالي، وبين أعمال أبنائه.
هذه الشركة هي نفسها من كانت وسط أزمة أخرى أصابت عائلة أبو الغالي في الماضي. بوشعيب أبو الغالي، والد صلاح الدين، أدين بالحبس أربع سنوات عام 1995، بعدما اعتبرته المحكمة مذنبا بتهمة خيانة الأمانة والنصب والتزوير واستعماله في محررات تجارية. في عام 2000، أيدت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء الحكم الابتدائي، بل ورفعت عقوبته إلى خمس سنوات بدلا عن أربع.
وقد ألزمت المحكمة بوشعيب أبو الغالي بدفع 492 مليون درهم لفائدة شركة «النصر» للتأمين. اعتُبر أبو الغالي مختلسا لحوالي 50 مليارا من السنتيمات في تلك الفترة من الثمانينيات.
كيف حدث ذلك؟ كان بوشعيب أبو الغالي عضوا في مجلس الإدارة لشركة التأمين هذه، واسمها بالفرنسية LA VICTOIRE، ومقرها بالدار البيضاء. وقد كان هو المسير لهذه الشركة منذ تأسست عام 1980. في غضون تسع سنوات، كان الرجل قد جفف مواردها، وقد تركها عرضة للإفلاس مع نهاية عام 1989.
في 4 مارس 2004، ستصدر المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء حكما بإبطال عقود التفويت التي أجراها بوشعيب أبو الغالي لفائدة زوجته (وورثته)، وقد اعتبرت أسهمه في شركة INDUSMED A ضمانة لتسديد ديون شركة التأمين التي جفف أموالها في الماضي.
لكن لم يتغير أي شيء بعد ذلك. وبواسطة هذه الشركة، أبرم ابنه عبد الصمد أبو الغالي عقود بيع تلك الأراضي الشاسعة في مديونة، وهي الشركة نفسها التي كانت شركة التأمين، النصر، تطاردها في المحاكم سعيا إلى صد محاولة والده، بوشعيب، تفويت حصصه من الأسهم فيها إلى زوجته وقتئذ، نزهة العدلوني، قبل أن تأتي الشركة مطالبة بأموالها منه.
روينا القصة كاملة في تحقيق نشرناه في « اليوم24″، وهي تعكس واحدة من المحن التي وجد أبو الغالي نفسه عالقا وسطها بعدما جُرد من مسؤوليته السياسية.
مشاكل غير متناهية
لا تمثل هذه المشكلة سوى جزءٍ من المشاكل التي وجد أبو الغالي نفسه في خضمها منذ 10 سبتمبر، تاريخ تعليق عضويته في القيادة الجماعية للحزب.
فقد أمر قاض بالمحكمة الابتدائية بالرباط، في 13 سبتمبر الفائت، بحجز الراتب الذي يتقاضاه عضو الأمانة العامة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة صلاح الدين أبو الغالي من البرلمان، بوصفه عضوا بمجلس النواب عن دائرة مديونة، وفق ما علمنا من مصدرين أحدهما قضائي.
أبو الغالي الذي لا تنقصه المشاكل في هذه الفترة منذ أن قرر مواجهة قيادة حزبه إثر تجميد عضويته على خلفية صفقة تجارية سيئة مع زميل بالحزب، صدر بحقه قرار قضائي نهائي في قضية عدم أداء دين رفعها ضده مصرف «التجاري وفا بنك» وكسبها في كافة المراحل.
وصدر الأمر بالحجز على راتب أبو الغالي في 13 سبتمبر، ووقعته نائبة رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط. وقد بُلغت الأطراف بشأنه. وفق وثائق هذه القضية، فإن أبو الغالي مدين لهذا البنك بـ271 ألف درهم، وهي قيمة مجموع رواتب ثمانية أشهر لنائب في البرلمان.
ورغم هذه المشكلات التي برزت بعد تعليق عضويته في الحزب، يحاول أبو الغالي مواجهتها بإطلاق إجراءات قضائية ضد حزبه، ساعيا إلى الحصول على حكم من القضاء بإبطال قرار المكتب السياسي في حقه.
قدم أبو الغالي هذه الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بالرباط التي عادة ما تعالج القضايا المرتبطة بالخلافات الحزبية على صعيد الهياكل المركزية. ولقد كان لجوء أبو الغالي إلى هذا الخيار متوقعا مع إصراره في سلسلة بيانات نشرها على حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي، على الدفع ببطلان قرار تجميد عضويته في القيادة الجماعية التي تضم إلى جانبه، كلا من فاطمة الزهراء المنصوري التي تعتبر منسقة وطنية لهذه القيادة، والمهدي بنسعيد، وهما معا عضوان في الحكومة، بينما أبو الغالي نائب في البرلمان.
وفي نظر أبو الغالي، فإن الأعضاء الثلاثة على قدر متساو داخل هذه الهيئة، معتبرا أن سقوط عضو يؤدي بالضرورة إلى ذهاب الآخرين المتبقين.
بدأت قصة هذه الأزمة مع الإعلان المفاجئ للمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، في 10 سبتمبر، تجميد عضوية أبو الغالي في هذه القيادة إثر شكاوى من زملائه بالحزب بخصوص أعمال تجارية انتهت بشكل سيء، لاسيما تلك التي جمعت بينه وبين عبد الرحيم بنضو، الأمين الجهوي لهذا الحزب في الدار البيضاء، بشأن بيع أرض بـ6 مليارات، لكن الصفقة لم تتم في نهاية المطاف، دون أن يستعيد بنضو أمواله. ينفي أبو الغالي وجود أي دور يعود إليه في هذه الصفقة التي كان شقيقه عبد الصمد صاحب شركة «إندوسميد-أ-» مسؤولا قانونيا، بحسبه، عن كافة إجراءاتها.
يخطط الحزب لطرد أبو الغالي في اجتماع المجلس الوطني السبت المقبل. وقد أنهت اللجنة الوطنية للأخلاقيات والتحكيم بالحزب، تحقيقا داخليا بشأن هذه القضية.
نشر هذا المسؤول ثلاثة بيانات في 10 و12 و20 سبتمبر، حيث كال نقدا حادا إلى المنصوري، بل وبشكل غير مسبوق، أشار إلى استخدامها تلميحات إلى صلتها بـ »الفوق » و »الجهات العليا » في مسعاها إلى إدارة الحزب بيد من حديد. وفي نظر الحزب، فإن أبو الغالي قطع أي طريق لعودته إلى الحزب جراء تلك الاتهامات.
يشير هذا المسؤول إلى وقوعه ضحية حملة تستهدفه. لكنه في الواقع، لم يستطع الدفاع عن موقفه في أبرز القضايا التي أثيرت ضده. كما هو حال مشكلته الأكاديمية.
للعام الثالث على التوالي، يخفق هذا المسؤول الذي يرأس جماعة مديونة، في الإدلاء بشهادة معادلة لدبلوم ماستر حصل عليه من جامعة بيربينيان في فرنسا، كان ملف تسجيله بدكتوراه القانون العام بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء مشروطا بتوفيرها.
أدى ذلك في نهاية المطاف، إلى تشطيب تسجيله في سلك الدكتوراه الذي أخد لنفسه مقعدا فيه منذ عام 2022، في نكسة جديدة لهذا المسؤول السياسي البارز الذي يعاني من مشاكل عدة منذ قرر المكتب السياسي لحزبه تجميد عضويته إثر شكايات تتعلق بصفقات تجارية.
في لائحة طلبة سلك الدكتوراه المحينة لسنة 2025/2024، لم يعد اسم أبو الغالي يرد بين المسجلين. بهذه الطريقة، تضع الإدارة حدا لأي لغط. وفي العادة، يجري تحديث قائمة المسجلين في سلك الدكتوراه كل عام، وفق تقدم أعمال مرشحيها في الأطروحات المقترحة، أو بحسب وضعية الطلاب المعنيين.
تُلقي هذه التطورات مزيدا من الضوء على الطريقة التي جرى بها تسجيل أبو الغالي في سلك الدكتوراه، بالرغم من عدم استيفائه الشروط الجوهرية. تحدثنا إلى الأستاذ الذي كان مقررا أن يشرف على أطروحته، واسمه رشيد العرايشي، وقد أخبرنا أن «الانتقاء الفعلي في الحالات الخاصة بالترشيح في سلك الماستر أو الدكتوراه بالنسبة لطلبة يتوفرون على دبلومات تمنحها جامعات أجنبية، لا يتم إداريا إلا بعد تقديم شهادة المعادلة التي تمنحها الوزارة الوصية».
هذه القاعدة لم تنطبق على أبو الغالي، فـ « رغم انتقائه من طرف اللجنة العلمية لسلك الدكتوراه، لم يستوف هذا الشرط، وبالتالي فتسجيله بسلك الدكتوراه لم يتم». كما يضيف موضحا.
سُجل أبو الغالي في الدكتوراه في يناير عام 2022، لكن أستاذه المشرف سرعان ما ذهب إلى برشيد في أبريل الموالي، حيث عُين مديرا للمديرية العليا للتربية والتكوين.
سألنا وزير التعليم العالي، عبد اللطيف ميراوي، عن سر عدم حصول زميله في الحزب على شهادة المعادلة لشهادة الماستر التي حصل عليها من فرنسا. لم يجب عن ذلك، وكذلك فعل بالنسبة لباقي الأسئلة المتعلقة بهذا الوضع برمته الذي يجعل مسؤولا سياسيا من حزبه يقضي حوالي ثلاث سنوات باعتباره طالبا في الدكتوراه دون أن يستوفي الشرط الأساسي لذلك.
أما أبو الغالي، فقد وجهنا إليه أسئلتنا بخصوص وضعه في هذه الجامعة التي يزعم أنه يقدم فيها أيضا دروسا باعتباره أستاذا زائرا، لكنه فضل ألا يقدم أي إفادة.
لنتذكر أن أبو الغالي يعرض في سيرته الذاتية حصوله على شهادة ماستر في الإدارة العمومية وقانون الأعمال الدولي صادرة عن كلية السويسي بالرباط. لماذا لم يسلم هذه الشهادة إذن في طلب تسجيله بالدكتوراه تجنبا لكل هذه المشاكل المتعلقة بشهادة المعادلة؟ ببساطة، فهذه الشهادة هي عبارة عن ماستر مؤدى عنه (Master payant)، يندرج في إطار التكوينات المستمرة Formation continue المؤدى عنها، من أجل تطوير الكفاءات، خاصة للمزاولين المهنيين، وهي ليست شهادة وطنية، بل تعتبر «دبلوما جامعيا » diplôme universitaire، ولا يمكن من استكمال الدراسات العليا بسلك الدكتوراه.
المصدر: وكالات