ما نتائج استقبال واستهلاك صور المسلسلات بشكل مزمن؟ ما الحالة المزاجية التي تخلقها مشاهدة مسلسلات طويلة؟
قدم هشام عيوش الجواب بشكل كوميدي “عبدولينو 2023” مناقض للأجواء الكئيبة في فيلمه الطويل الأول “حمى” 2015.
تتابع الأم (زهور السليماني) الداعية العمري ناشر التقوى، ويتابع ابنها (عبد الرحيم التميمي) بطلة المسلسل البرازيلي الفاتنة التي عشقها الشاب المغربي، وهي ترمز لبطلات المسلسلات المكسيكية والتركية منذ 1996: راكيل وغودالوبي ونور وفريدة …
الأم معجبة بالداعية التلفزيوني عدو الحرام، والشاب معجب ببطلة المسلسل الطويل ملكة الجمال ويريد الزواج بها. يعيش الاثنان تحت سقف واحد وينتميان لعالمين متباعدين يربط بينهما الصحن المقعر (البارابول). يرى الشاب في الصحن المقعر شلال حب ورومانسية، وترى فيه الأم المستلبة تجاه الشيخ مصدرا للشر ورجس الشيطان ومصدر الخراب الأخلاقي، بينما تناقض أقواله أفعاله، وهو يعامل أتباعه كعبيد.
كانت الكثير من أفلام المسابقة في الدورة 23 من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة 2023 تتناول الموت والقبر، لكن هذا فيلم يمجد الحياة والبهجة.
كان الممثل الشاب عبد الرحيم التميمي مقنعا في أدائه باقتصاد بلغ حد الانفصال عن الواقع المغربي والعيش مع الشاشة…
قدم سعيد باي أداء قويا وهو كعجينة تأخذ شكل اللحظة دون أي زيادة من عنده. كلما قلل الممثل كلماته وزاد حركاته عبّر بشكل أفضل.
ظهرت زهور السليماني في دور كوميدي مختلف بعيدا عن أدائها النمطي كامرأة مسكينة تستدر الشفقة وتدعو لباقي الممثلين. هنا كان أداؤها ساخرا على حافة العبث. من جهته، كان فقيه المسجد (حميد نجاح) المقيم في الحي أكثر تجذرا في الفيلم من فقيه الشاشات الذي يحلل ويحرم في كل جملة.
ينظر الأب (عبد السلام بونواشة) لما يجري في بيته باستغراب كأنه من كوكب آخر إلى أن يضطره تطور الأحداث لاتخاذ موقف ينتصر فيه لابنه ضد الشيخ عمر (ممنوع التفكير في الداعية ياسين العمري). للإشارة، ساهم الشيخ نور الدين عيوش في إنتاج الفيلم. وقد جاء فيلم “عبدولينو” كاشفا لفوبيا آل عيوش تجاه أسلمة المجتمع المغربي.
كان الأب في الفيلم بعيدا عن ابنه وبدأ يتقرب منه ليكتشف أنه كاد أن يصبح برازيليا. تتحسن علاقة الأب والابن تدريجيا، وهذا ما يذكر بفيلم “حمى” الذي يحكي حياة طفل يغادر الإصلاحية التي عاش فيها ليقيم مع جده ووالده لأول مرة. طفل منغلق على نفسه، عدواني وبارد كقبلة الموت، طفل خام لا يميز بين الصواب والخطأ، يبحث عن تحدي محيطه بغرض إثبات شخصيته.
يلتحق الطفل الخام بالأسرة وعالم المراهقة دفعة واحدة، يَجري هذا العبور النفسي والزمني بصعوبة. كان تحت مراقبة الموظفين في الإصلاحية، أطعموه وحرسوه كبيروقراطيين لا كآباء.
لتربية الطفل لا بد من العودة إلى الصفر. لذلك، يقوم الأب بنقد ذاتي متأخر، لم يخطر بباله أن مضاجعة عابرة ستورثه مسؤولية مزمنة.
بعيدا عن هذه الأجواء الصعبة، قدم عيوش أجواء مرحة في فيلم “عبدولينو”، وهو محاكاة ساخرة لموضوع ومعيش آني. صحيح، لقد فتر الحديث عن المسلسلات المارطونية بعد عقدين من بدء بثها. لا يكْمن السبب في تراجع الغلاف الزمني للبث، بل لأن العادة تقتل الملاحظة. لقد وقع تطبيع مع هذه المسلسلات، وهي بديل مُسل للقنوات الإخبارية المسيسة، بالدارجة المغربية، وهذا يزيد من قوة تأثيرها.
مازالت القناة الثانية تبث طوفانا من المسلسلات التي تقوم نساء جميلات ببطولتها. تبثها في وقت الذروة. تُبث المسلسلات بالتزامن مع الوجبات الرئيسية وتشاهدها الأسرة جماعيا. مسلسل “ثمن الحب” في الغداء ومسلسل “سامحيني” في وقت اللمجة. وهذا وضع يستحق فيلما ساخرا لكشف تأثير الشاشة على حياة المغاربة.
المصدر: وكالات