يواصل تأخر إخراج القانون التنظيمي للإضراب إلى الوجود إحراج يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، بعدما عاد إلى واجهة النقاش في وقت كانت فيه الحكومة قد أدرجته ضمن ملفات الحوار الاجتماعي المركزي، غير أن النقابات الأكثر تمثيلية لم تتقبل حتى الآن النسخة الحالية من مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
مشروع القانون المذكور الذي صادق عليه المجلس الوزاري سنة 2016 وأحيل على مجلس النواب، ليعرف تعثرا كبيرا في إخراجه حتى اليوم، جعل الجدل مستمراً بخصوص تنظيم الحق في الإضراب الذي أصبح “ظاهرة” في الوظيفة تثير حفيظة المتتبعين للشأن العمومي في المغرب.
جهات ترى ضرورة “إخراجه عاجلاً والمصادقة عليه لتنظيم ممارسة حق دستوري”، وجهات أخرى ترى أن “الأمر غير مرتبط بالزمن، بل بالإرادة السياسية”.
ضرورة راهنية
رشيد لبكر، أستاذ القانون الإداري بكلية الحقوق بالجديدة، قال إن “التأخر الذي يطبع إخراج قانون ينظم الإضراب إلى الوجود مازال غير مفهوم في وقت يعد مناسبا لإخراجه”، مؤكدا أن “غياب هذا النص التشريعي الخاص بهذا الحق جعل جهات كثيرة تفرغ الإضراب من معناه، وصارت جهات رسمية أخرى تجري تأويلات مغايرة لمصادرة هذا الحق”.
وأشار لبكر، في تصريح لهسبريس، إلى أن “الجهات المختصة يتعين عليها أن تقنع المركزيات النقابية بضرورة المصادقة على هذا القانون وصدوره في الجريدة الرسمية بالطريقة المتفق عليها”، مشددا على أن “الإضرابات تم تأهيلها دستوريا، ومازالت تنتظر القانون الذي يفعل العمل بمقتضيات الفصل 29 من الدستور المغربي، واعتماده كوسيلة حضارية لتحقيق المطالب ولتصفية الخلافات في أي مؤسسة عامة أو خاصة”.
وسجل المتحدث أن “تحريف الإضرابات عن ماهيتها الأصل، وجعلها وسيلة للضغط ولي الذراع، سواء من هذا الطرف أو ذاك، أدى إلى انحراف منطق الإضراب كحق كوني ومشروع”، موضحا أن “ما يمكن أن نعمل به الآن هو أن نذكر بأن للمطالب سقفا محددا، وأن الأمور منظمة بشكل معين، وهذا ما ستبرزه لنا مقتضيات قانون الإضراب، ليس للإجهاز على هذا الحق، ولكن لتأطيره، لكون الإضرابات في بعض القطاعات مؤخراً لم تتخذ مسارها الصحيح”.
“رفض تام”
سعيد خير الله، عضو الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، أكد أن “التمثيليات النقابية، ولا سيما الاتحاد المغربي للشغل، ترفض أي نقاش مع الحكومة أو مع وزارة التشغيل انطلاقا من الأرضية الحالية، أي النسخة التي وضعت في رفوف المؤسسة التشريعية، لكونها تراجعية وتكبل الحق في الإضراب”، مشددا على أن “الشركاء الاجتماعيين لا يعارضون القانون في حد ذاته، بل يقفون ضد المنطلقات والروح والفلسفة التي ينبني عليها هذا القانون الذي لم تستطع الدولة إخراجه حتى اليوم”.
وأوضح خير الله، ضمن حديث لهسبريس، أن “العودة إلى مائدة الحوار بخصوص هذا القانون المتعلق بتنظيم ممارسة الإضراب، يجب أن تكون على خلفية أرضية جديدة، وأن نصوغ جماعة نسخة جديدة تضمن الحق في الإضراب وتعززه”، مبرزا أن “النسخة الحالية نعتبرها أسوأ أرضية تم وضعها منذ بداية النقاش حول تقنين الإضراب. لذلك، نحتاج إلى مشروع متوازن ومتكافئ يضمن الحق في الإضراب والحق في الشغل أيضاً”.
وخلص المتحدث إلى أن “الحاجة قائمة لقانون تنظيمي يحمي حقوق جميع الأطراف. لذلك، نحن لدينا خطوط حمراء ومستعدون لاستئناف النقاش مع الحكومة؛ فهذا المشروع غير مرتبط بالزمن، وكلما مررنا بفترة ذات خصوصية نشعر بأن الوقت راهني لإعادة مناقشة قانون الإضراب”، خاتما بأن “ما ينقص هذا القانون هو الإرادة السياسية الحقيقية، لكون الحكومة مازالت تنظر في ضبط موازين القوى في الموضوع، ونحن نتمسك بموقف الرفض التام للنسخة الحالية”.
يشار إلى أن يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، وعد قبل شهور بالسعي إلى إخراج هذا القانون إلى الوجود، وقادت الوزارة لقاءات تشاورية مع النقابات الأكثر تمثيلية، ما بين يناير وشتنبر من العام الماضي، وهو ما يبدو مهمة مستحيلة، نظرا لكون أرضية النقاش مازالت مرفوضة بالنسبة للنقابات المركزية، ما يعني “الحاجة إلى نسخة جديدة متفق عليها”.
يذكر أن الدستور المغربي ينص في الفصل 29 على أن “حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”. وبعد مضي 5 سنوات على دستور 2011، صادق المجلس الوزاري في شتنبر من سنة 2016 على أول مشروع قانون تنظيمي لحق الإضراب، لكن المشروع لم ينه بعد المسطرة التشريعية ليصبح ساري المفعول.
المصدر: وكالات