“انخفاض كبير” لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة “الفاو FAO” لأسعار الأغذية رصدته في أحدث إصدار من هذا المؤشر المحتسَب كل شهر.
وقالت المنظمة الأممية المختصة في شؤون الزراعة والغذاء إن مؤشرها لأسعار الأغذية بلغ 118.5 نقاط في دجنبر 2023، مسجلة أن ذلك يعني “انخفاضاً قدره 1.8 نقاط (1.5 في المائة) عن مستواه المسجّل في نونبر الماضي”.
وفي تحليل مرفق بالبيانات نشرته “الفاو”، الجمعة 5 يناير 2024، واطلعت عليه جريدة هسبريس الإلكترونية، قالت المنظمة إن “انخفاض مؤشرات أسعار السكر والزيوت النباتية واللحوم على نحو كبير شكّل تعويضاً مقابل ارتفاع أسعار منتجات الألبان والحبوب”.
وكان هذا المؤشر، الذي يُستخدم لقياس التغيّر الشهري في الأسعار الدولية لسلّة من السلع الغذائية الأساسية، “أقلّ” بمقدار 13.3 نقاط (10.1 في المائة) عن مستواه المقابل قبل عام واحد.
وفي حديث المنظمة عن العام المنقضي 2023 كاملاً سجّل المؤشر في المجمل ما مجموعه 124.0 نقطة، أي بانخفاض قدره 19.7 نقاط (13.7 في المائة) عن القيمة المتوسطة المسجّلة عاما قبل ذلك، أي طيلة 2022؛ هذه الأخيرة التي يجدر التذكير بأنها عرفت “ارتفاعات صاروخية قياسية” في أسعار الغذاء وسلاسل التوريد والتصدير وكلفة الشحن إثر اندلاع الصراع المستمر حاليا بين روسيا وأوكرانيا.
ويتألّف مؤشر المنظمة الأممية من “متوسط مؤشرات أسعار 5 مجموعات من السلع الأساسية، مُرجَّحة بحصة كل مجموعة من المجموعات من الصادرات خلال الفترة 2014-2016”.
“التضخم الفلاحي ليس مستورداً”
تعليقاً على تطورات هذه الأرقام ودلالة هذه البيانات وانعكاسها على ديناميات أسعار المواد الغذائية الأكثر استيرادا واستهلاكاً في المغرب، قال المحلل الاقتصادي المتتبع لديناميات الأسواق الوطنية والعالمية، رشيد ساري، إن قراءة أولية في المؤشرات الرسمية الصادرة عن المنظمة الأممية للغذاء تؤكد منحى “الانخفاض”، كما تحيل على التفاؤل بخصوص استمراره عام 2024.
وتابع ساري شارحاً: “هذه المكونات الأساسية لمؤشر الأغذية تنخفض بالأساس نتيجة ما يمكن توصيفه باستقرار الحرب الروسية الأوكرانية في الظرفية الحالية، ومنذ مدة ليست باليسيرة”، مسجلا بإيجابية أن “ذلك ما أعاد أسعار الحبوب والزيوت إلى مستويات معقولة”.
“هل يمكن أن نقول اليوم إن انخفاض وانحسار التضخم بالمغرب يعود بالأساس إلى المواد المستوردة فقط؟”، تساءل ساري، متحدثا إلى هسبريس عن أن “المغرب مَعنيٌّ بالانخفاض في جانب الزيوت التي نستوردها، وكذا الحبوب بشكل كبير؛ والدليل هو إقرار مواصلة دعم استيراد الحبوب (25 قنطارا إضافية في الأشهر المقبلة)…”.
وفي محاولة للإجابة، لفت المحلل ذاته إلى أنه ” في ما يتعلق بالمنتَجات الفلاحية المستهلَكة محلياً فالمُلاحَظ أن أسعارها مازالت مرتفعة، ما يعني أن التضخم لم يعد مستورداً” بالمغرب، كما رُوّج في السنتين الماضيتين، وزاد مفسرا: “على اعتبار أن المواد الطاقية انخفضت وارداتها وأسعارها مثلُها مِثل المواد الفلاحية والمدخلات المستوردة، لاسيما الزيوت والحبوب التي عرفت انخفاضا متوالياً شهرا بعد شهر”.
وأردف المتحدث ذاته: “هذا يؤكد فرضية طالما تحدثنا عنها، وهي أن دواعي التضخم تظل مرتبطة بما هو داخلي”، مستدلا بوصول تضخم المنتجات الفلاحية المحلية إلى رقمين، “أيْ 16%”، قبل أن يخلص إلى أن “التضخم الفلاحي هيكلي ومستدام نتيجة تقلبات مناخية حادة وشح المياه وتوالي سِنين الجفاف، مقابل رهان كبير على انتعاشة السنة الحالية بفضل التساقطات”.
“تأثير إيجابي مشروط”!
في المقابل، استرجع محمد جدري، باحث مختص في الاقتصاد، مسار الاقتصاد المغربي الذي قال إنه “مازال متأثرا بشكل واضح بالموجة التضخمية الكبيرة التي كانت سنتيْ 2022 و2023″، موردا أن “السنة الماضية 2023 أنهيناها بـ6.1 بالمائة كمعدل تضخم مقارنة بـ6.6 في المائة في 2022، وفق معطيات مندوبية التخطيط”، هذا بينما تعوّل الحكومة المغربية على حصر متوسط التضخم في 2.5% خلال 2024.
وأضاف جدري، في تصريح لهسبريس، أن “الجميع يعلم أن المؤشر الكبير المتحكم في تضخم اقتصاد المغرب هو مواد الغذاء، باعتبارها المكوّن الأساسي المهيمن على بنية تحديد الأسعار”، مشددا على أن “الانخفاض الملموس الذي رصدته ‘الفاو’ عالمياً يمكنه أن يؤثر إيجاباً على مستوى التضخم ومعدلاته الشهرية بالمملكة المغربية”.
غير أن الخبير الاقتصادي المغربي زاد مستدركاً: “لكنّ شريطة أن تبقى أسعار الطاقة في مستويات مقبولة، مع تلافي خطر مضاعفات أو تصاعد الصراعات الجيو-إستراتيجية والجيو-سياسية، وهي عوامل حاسمة في تحديد مسارات للصعود والهبوط تهم مؤشرات اقتصادية محددة ومتفاعلة في ما بينها”.
كما لفت المتحدث ذاته الانتباه إلى “أهمية أن ينعكس محصول الموسم الفلاحي، الذي يجب أن يكون جيدا إلى متوسط، لإنتاج مواد فلاحية وغذائية بوفرة وجودة كافيتيْن تضمَن أسعارا محلياً في المتناول”، مؤكدا أن “موسما فلاحيا ضعيفا مثل سابقيه سوف يؤثر لا محالة على قدرة شراء المغاربة، فضلا عن أسعار الشحن وسلسلة تكاليف عديدة قبل السعر النهائي لدى المستهلك بالنسبة للأغذية”.
وخلص المصرّح إلى أن أسعار الأغذية، لاسيما المواد الأكثر استهلاكاً، تظل “رهينة بهذه الشروط”، خاتما بأن “هذا الانخفاض العالمي إيجابي مبدئياً مع وجوب أن يتواصل -على الأقل– خلال النصف الأول من سنة 2024”.
المصدر: وكالات