انعقد بالعاصمة السعودية الرياض اجتماع ملتقى الأعمال السعودي- المغربي، أمس الأحد، برئاسة رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب ورئيس اتحاد الغرف السعودية، ومشاركة أكثر من 250 رجل أعمال مغربيا وسعوديا، من أجل مناقشة سبل تعزيز وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، إضافة إلى تدارس سبل تعزيز الشراكة الاقتصادية بين القطاعين الخاصين في كلتا الدولتين في عدد من القطاعات، بما فيها القطاع الصناعي والسياحي والطاقات المتجددة.
وبالإضافة إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية التي تجمع الرباط والرياض، فإن المملكة المغربية تعد من أكبر الشركاء الاقتصاديين للمملكة العربية السعودية على مستوى منطقة شمال إفريقيا، حيث شهد التبادل التجاري بين البلدين تطورا ملحوظا في السنوات القليلة الماضية، حيث ارتفع بنسبة قاربت 223 في المائة برسم سنة 2022 ليصل إلى أكثر من 16,4 مليار ريال سعودي، أي حوالي 4,4 مليارات دولار في سعر الصرف الحالي، فيما وصلت القيمة الإجمالية لحجم المبادلات بين البلدين حوالي 5,7 مليارات دولار برسم السنة الماضية.
وفي هذا الصدد دعا خالد بن جلون، رئيس مجلس الأعمال المغربي- السعودي، في كلمة له على هامش انعقاد الملتقى، إلى “إنشاء صندوق استثماري مشترك بين البلدين وتسهيل حركة التجارة بينهما”. وكانت الرياض قد عبرت عن رغبتها في إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع المملكة المغربية، حيث وقع البلدان عددا من الاتفاقيات بهدف رفع التبادل التجاري بينهما على غرار اتفاقية الاعتراف المتبادل بشهادات المنتجات الغذائية “الحلال” وغيرها من الاتفاقيات في مختلف المجالات.
من جهته، دعا شكيب لعلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الشركات السعودية والمغربية إلى “توحيد جهودهما لدخول أسواق جديدة كالسوق الإفريقية”، مسجلا أن “المملكة المغربية، باعتبارها بوابة القارة السمراء، يمكن أن تشكل منصة للشركات السعودية الراغبة بالاستثمار في هذه القارة، خاصة أن القطاع الخاص المغربي راكم خبرة في هذا المجال الجغرافي باعتباره من أهم المستثمرين فيه”.
واتفق ممثلو القطاع الخاص في المملكتين على مجموعة من المبادرات المشتركة من أجل دفع عجلة التعاون الاقتصادي بين البلدين على غرار تفعيل مشاريع خط النقل البحري المباشر، وإنشاء صندوق مشترك للاستثمارات، وتشريع مشاركة الشركات المغربية في المشاريع التي أطلقتها الرياض في إطار رؤية المملكة 2030.
انفتاح مغربي وآفاق واعدة
تفاعلا مع هذا الموضوع، قال الخبير الاقتصادي ياسين أعليا إن “زيارة الوفد الاقتصادي المغربي للمملكة العربية السعودية تأتي في إطار انفتاح الفاعلين المقاولاتيين المغاربة على محيطهم الخارجي في إطار تعزيز وتنزيل اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي الموقعة بين البلدين، وتعزيز موقع واستثمارات الشركات الخاصة في كلتا الدولتين في مجموعة من القطاعات، التي أضحت تحتل الأولوية في الاستراتيجيات الاقتصادية لكل من الرباط والرياض”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “رأس المال السعودي مرشح بقوة للانخراط في مجموعة من المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب، سواء على مستوى تحديث البنيات التحتية الأساسية أو الرياضية، خاصة أن المغرب مقبل على استضافة تظاهرات كبرى، أو على مستوى مشاريع الطاقات المتجددة على اعتبار أن الرياض هي الأخرى تسير في اتجاه التخلي عن مصادر الطاقة الكلاسيكية، وبالتالي فإن هذا التكامل الاقتصادي بين البلدين سيحمل آفاقا واعدة لكليهما”.
وأضاف أن “الاتفاقيات والمبادرات التي اتفقت عليها شركات البلدين تمثلت في تعزيز استثماراتها وموقع كل منها في سوق الآخر، والتوجه نحو الاستثمار في مجالات وقطاعات جديدة بعيدا عن القطاعات التقليدية”، مشيرا إلى أن “تأسيس صندوق مشترك لدعم هذه الاستثمارات يوفر هو الآخر مجموعة من الفرص بالنسبة للشركات المغربية للتموقع في الأسواق الخليجية والآسيوية، كما يوفر فرصة للمقاولين السعوديين لضخ رؤوس أموالهم في القارة الإفريقية عبر بوابة الرباط”.
وأبرز أن “انفتاح الشركات المغربية على الأسواق الخليجية أمر مهم بالنسبة لها من أجل تعزيز تنافسية المنتوجات والخدمات المغربية في هذه المنطقة واكتساب تجارب أخرى، وعليه فإن تعزيز التعاون والشراكة الاقتصادية المغربية- السعودية على كافة المستويات أضحى ضرورة استراتيجية بالنسبة للمقاولات المغربية، خاصة أن البلدين تربطهما علاقات دبلوماسية جيدة ونموذجية على اعتبار أن السعودية كانت دائمة إلى جانب المغرب في الدفاع عن قضاياه الوطنية”.
شراكة تكاملية وسوق واعدة
أوضح زكرياء فيرانو، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “هذه الزيارة تأتي في إطار توطيد العلاقات المغربية- السعودية في بعديها الاقتصادي والتجاري، ووضعها على خارطة طريقة جديدة من أجل الدفع بالتبادلات التجارية والمالية بين البلدين في إطار تعزيز الشراكات الاقتصادية والتكاملية بين الاقتصادين المغربي والسعودي”.
وأضاف فيرانو، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “العلاقات التجارية والتبادل التجاري بين البلدين عرفا بلغة الأرقام طفرة نوعية بين سنتي 2021 و2023، وهذا ما يؤكد أن هناك منعرجا جديدا ستعرفه العلاقات بين الرياض والرباط على هذا المستوى”، مشيرا إلى أن “رؤية السعودية 2030 تروم إلى دفع اقتصاد هذا البلد الخليجي ليكون حياديا فيما يخص تصدير المنتجات النفطية، وبالتالي فإن تعزيز العلاقات مع المغرب سيحقق بالتأكيد أهداف هذه الرؤية من أجل تقليص تعويل الاقتصاد السعودي على المداخيل النفطية”.
كما أكد أن “السوق السعودية نفسها بحاجة إلى عدة مواد ومنتجات مغربية، من بينها تلك المتعلقة بقطاع صناعة السيارات والطائرات والمنتجات الفلاحية والفوسفاطية”، مسجلا أن “الشراكة بين البلدين تنطوي على فائدة مشتركة تتجلى في فتح معابر طرقية وبحرية وخطوط إمداد جديدة من خلال المشاريع والمحطات اللوجستيكية الكبرى، التي انخرطت المملكة المغربية في تشييدها كميناء الناظور وغيره من المشاريع الأخرى”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “دخول المملكة العربية السعودية في توافق اقتصادي مع المغرب، في إطار الشراكة القائمة على مبدأ رابح- رابح، سوف يؤسس لطرق وآليات إمداد جديدة للنفط وللمنتجات السعودية، خاصة في ظل انفتاح اقتصادي البلدين، في إطار تكاملي، على الأسواق الإفريقية”.
المصدر: وكالات