أكد محمد عصام العروسي، المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية بالرباط والخبير في الشؤون الأمنية، أن “الجماعات المسلحة في منطقة شمال إفريقيا نشأت من حواضن فكرية وأيديولوجية ساهمت في نشر الفكر القتالي، وتوجهت نحو العنف الذي يؤكد علماء السياسة أن مشروعية استخدامه تبقى حكرا على الدول القُطرية”.
وأضاف العروسي، خلال استعراضه لأسباب توجه هذه الحركات لرسم أنساق جديدة في سلوكها من خلال خوضها للحروب التماثلية، أن “الحضور الغربي في شمال إفريقيا ساهم في تأجيج الصراعات وموجات العنف في المنطقة، خاصة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، التي تؤثر بشكل أو بآخر في منطقة شمال إفريقيا”.
ووضح الخبير في الشؤون الأمنية والعلاقات الدولية، خلال مداخلته في ندوة تناولت موضوع الحركات المسلحة في العالم المعاصر نظمتها “أكاديمية العلاقات الدولية” بالتعاون مع “الأكاديمية الدولية للعلوم الأمنية” في بريطانيا، أن “عملية “برخان” الفرنسية واغتيال القيادات البارزة في هذه التنظيمات كابن لادن والبغدادي والظواهري لم يساهما في الحد من انتشار الجماعات المسلحة عبر فضاءات جغرافية متعددة”.
وتابع المتحدث ذاته قائلا إن “الوهابية في المملكة العربية السعودية ساهمت في إنتاج الأفكار السلفية في شمال إفريقيا. وكلنا نتذكر أواخر سبعينيات القرن الماضي، كيف اعتبر الغرب الذين حملوا السلاح ضد السوفييت في أفغانستان دعاة للتحرر والحرية، قبل أن يتم اعتبار هؤلاء الأشخاص أنفسهم إرهابيين وجهاديين”، معتبرا أن “التحالف بين السعودية وأمريكا ضد الاتحاد السوفياتي أدى، في نهاية المطاف، إلى إنتاج هذا النوع من الجهاديين الذين عادوا إلى بلدانهم وشنوا حروبا ضدها”.
وأوضح العروسي، في مداخلته، أن “السلفية الجهادية تعتمد على القفز على القُطرية والوطنية للوصول إلى مفهوم العولمة المضادة التي تتعارض مع العولمة الحديثة أو الأمركة”، مشيرا إلى أن “السلفية الجهادية في المغرب نشأت واقترنت بأحداث أساسية، خاصة عمليات 16 ماي الإرهابية، إذ كانت الجماعات التي تتبنى هذا الفكر في المغرب تؤمن بتكفير المجتمع وهجره، باعتباره مجتمعا مارقا”.
وأكد المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية أن “المملكة المغربية تمكنت، من خلال إمكانياتها الأمنية واعتماد سياسة مراجعة الأفكار من داخل السجون عبر برنامج “مصالحة”، من تعديل الفكر السلفي الجهادي وتفكيك البنية العقدية لهذا الفكر، حيث جرى تفكيك أكثر من 200 خلية إرهابية حتى العام الماضي، إذ يُصنَّف المغرب من الدول الأقل عرضة للمخاطر الإرهابية في المنطقة المغاربية مقارنة بباقي الدول في هذا الفضاء”.
وفي المقابل، أبرز العروسي أن “منطقة شمال إفريقيا ما زالت تواجه خطرا قادما من منطقة الساحل وجنوب الصحراء المتشنجة والهشة أمنيا، حيث تنشط مجموعة من الجماعات المسلحة؛ مثل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” في مالي، المنبثقة عن تنظيم القاعدة”، لافتا إلى أن “ما يزيد من حدة هذا الخطر هو وجود تناقضات وعدم تناغم في استراتيجيات محاربة الإرهاب، وتراجع أدوار الدول الغربية في هذه المنطقة؛ ما يفرز مخاطر تمدد العنف والجريمة المنظمة إلى الجنوب الليبي وكذلك تونس، ووفود مقاتلين من شرق إفريقيا إلى المنطقة، دون أن ننسى انعكاسات الأزمة السودانية على الأمن في شمال إفريقيا”.
وخلص الخبير ذاته إلى أن “بعض الدول المركزية في شمال إفريقيا، وعلى رأسها المغرب ثم الجزائ وبدرجة أقل تونس، حققت استقرارا واستطاعت تقليص فرص استخدام الجماعات المسلحة للعنف؛ لكن الخطر يظل قائما، والتحديات تظل مطروحة أمام هذه الدول لتكثيف جهودها وتوسيع فهمها لمنطلقات هذه الحركات وفهم طبيعة النزاعات في المنطقة حتى تتمكن من احتوائها”.
المصدر: وكالات