قدم الموساوي العجلاوي، الخبير والأكاديمي المغربي، قراءة في النسخة الأولى لتقرير أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بشأن النزاع الإقليمي حول الصحراء، مبرزا أنه يحمل أهمية خاصة في السياقات الإقليمية والدولية ومؤكدا أن الباب الثامن من أهم مكونات التقرير من حيث “الملاحظات والتوصيات”.
وأضاف العجلاوي، ضمن مقال معنون بـ”قراءة في تقرير غوتيريس.. مؤشرات جديدة”، أن تقرير المسؤول الأممي بصفة عامة احتضن الأبواب الثمانية المعتادة في تقاريره حول الصحراء، وزاد مستدركا: “أن الصيغة الحالية والأولى للتقرير تطرح أمام المغرب وحلفائه أسئلة كثيرة في الحفاظ على التوجه الأممي في هذا النزاع منذ 2018، وتدارك الثغرات الواردة في التقرير بتنبيه الأمين العام من خلال رسائل ومذكرات ومساطر بكل القضايا التي قفز عليها غوتيريس، أو تلك التي أثارها لأول مرة منذ توليه الأمانة العام للأمم المتحدة.
وهذا نص المقال:
قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا في نسخته الأولى بشأن النزاع الإقليمي حول الصحراء، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2654، كما جاء في استهلال التقرير(الفقرة1). وتأتي أهمية هذا التقرير من خصوصيات السياقات السياسية الإقليمية والدولية، ومن التحولات الجارية في موازين القوى، وبروز مراكز جيوسياسية جديدة ودخول العالم زمنا عسكريا تحتل فيه التكنولوجيا والاستخبارات موقعا مهما. كل هذا يطرح سؤال نجاعة دور الأمم المتحدة في حل النزاعات، والخروج من لعبة التوازنات إلى الاجتهاد في تركيب صيغ فاعلة للحلول، تنطلق من التراكم الحاصل، ومن السند السياسي الذي يعضد هذا الحل أو ذاك، كما هو الحال في النزاع الإقليمي حول الصحراء.
احتضن تقرير الأمين العام بصفة عامة الأبواب الثمانية المعتادة في تقاريره حول الصحراء، والتي فصّل فيها الوقائع المرتبطة بنزاع الصحراء من منظور الأمم المتحدة. تكشف القراءة السياسية للتقرير مستجدات بخصوص مواقف الأطراف من النزاع، و”تفاؤل الأمم المتحدة لإيجاد صيغة للحل السياسي”، رغم المخاطر “الضعيفة” في المنطقة، دون نسيان تفاصيل مرتبطة بعمل المينورسو والوضع في المخيمات. وما يثير الانتباه أيضا في هذا التقرير المصطلحات والقضايا الجديدة، وعلى الرغم من تفاصيلها التقنية، فإنها تحمل مفاهيم عميقة مرتبطة بالسيادة وتدبير النزاعات؛ لكنها في نظرنا رسائل إلى الأطراف الأخرى. يتكون التقرير من ثلاثة أجزاء، أولها مرتبط بالمعلومات الواردة من المينورسو، وهي التي تشكل في التقرير مادة التطورات الميدانية، بينما الجزء الثاني مرتبط بالشق السياسي من خلال نشاط المبعوث الخاص دي مستورا، إضافة إلى بعض لقاءات الأمين العام حول الموضوع. والجزء الثالث خصص للأمين العام لوضع ملاحظاته وتوصياته، وهي تشكل أهمية من حيث تركيب المعطيات التي جرت خلال سنة وربطها بالمنظور السياسي بالخصوص التي يقترحه الأمين العام على مجلس الأمن.
يتكون التقرير من 8 أبواب تحتضن 102 فقرة، يبدأ التقرير بمقدمة (الباب الأول)
ـ يتطرق الباب الثاني للتطورات الميدانية الأخيرة في المنطقة (الفقرات 2-25)، يؤكد التقرير أن الوضع في الصحراء متوتر؛ لكن بدرجة منخفضة، غير أن ذلك أثر على عمل وانتشار وتموين المينورسو شرق الجدار. وأضاف التقرير أن المينورسو غير قادرة على تحديد عدد محاولات البوليساريو الاقتراب من الجدار، وتأثير ذلك على الجانب الأمني؛ بيد أن التقرير أقر بأن جل المحاولات وقعت شمال الجدار قرب المحبس، وأن القوات المسلحة الملكية بادرت إلى إطلاع المينورسو على هذه الأحداث (لتكون شاهدة على ما وقع، لدحض التضخيم والتهويل الذي يمارسه إعلام النظام الحاضن للانفصال)، وأن القوات المسلحة الملكية تتعاون بشكل شفاف مع المينورسو. وسرد التقرير ما ورد عليها من أخبار من الجانب الآخر حول ضربات الطائرات المسيرة لمحاولات البوليساريو اختراق الجدار الأمني، وأن عناصر موريتانية كانت من القتلى في بئر لحلو؟؟ وأيضا في ميجك قرب مدينة الزويرات الموريتانية، وأن الرئيس الموريتاني طلب من مواطنيه احترام القواعد وعدم التعرض للخطر. وفي الفقرة 10، تحدث التقرير عن مقتل عناصر البوليساريو، دائما قرب بئر لحلو، ومن بين القتلى قائد عسكري. وقطعا لمحاولات التوظيف من لدن البوليساريو والدولة الحاضنة له، راسل ممثل المغرب الدائم في الأمم المتحدة الأمين العام من أن البوليساريو تستعمل سيارات مدنية ومموهة، وأنها تجند مقاتلين بلباس مدني لخداع القوات المسلحة الملكية، واتهامها بقتل المدنيين في حال فشل الهجوم على المواقع المغربية. وفي الفقرة 13، أقر التقرير بعرقلة البوليساريو لتحرك المينورسو شرق الجدار، وهذا ما يؤثر على عمليات تموين مواقع المينورسو، وأن البوليساريو راسلت الممثل الدائم للأمين العام بأن المخاطر قائمة شرق الجدار، وأنها غير قادرة على حماية قوافل تموين المينورسو. وخصص التقرير فقرات لما تعانيه عناصر المينورسو من محاصرة وتضييق وتجويع، ويتبين من الفقرتين 16 و17 كيف أن قيادة البوليساريو تبتز الأمم المتحدة بالضغط عليها من خلال محاصرة مراكز المينورسو شرق الجدار في أغوانيت والمهيريز وميجك وتفاريتي. كل هذه الأعمال لتفرض البوليساريو على الأمم المتحدة حوارا “بزز”.
وفي الفقرة 18، قال التقرير إن ممثل المغرب الدائم في الأمم المتحدة، وفي ندوة صحافية عقب تبني مجلس الأمن للقرار 2654، أكد أنه في حال دفع البوليساريو عناصر المينورسو إلى الانسحاب من شرق الجدار سيكون للمغرب آنذاك الحق في استعادة المنطقة الممتدة شرق الجدار التي تركت للمينورسو. (بموجب اتفاق عسكري رقم 1 بين القوات المسلحة الملكية والمينورسو مؤرخ في يناير 1998). ولهذه الفقرة أهميتها لتنبيه البوليساريو، كما حدث أثناء “أزمة” الكركرات في نونبر 2020، من أن البوليساريو ستكون الخاسر الأكبر من غياب انسحاب المينورسو شرق الجدار الأمني. وجدد الأمين العام هذا القول لزعيم البوليساريو يوم فاتح شتنبر 2023 (الفقرة 27 من التقرير).
في الفقرة 19 إحالة إلى الخطاب الملكي في عيد المسيرة، يوم 6 نونبر 2022، وما تضمنه من حديث عن مشاريع التنمية الاقتصادية في الصحراء كالطريق السريع تزنيت/الداخلة الذي وصل إنجازه إلى مرحلته النهائية، ومشروع ميناء الداخلة الأطلسي. وهذه الفقرة لها أهميتها من حيث الصورة التي يقدمها الأمين العام في تقريره عن الصحراء من أن المغرب يشيد مشاريع كبيرة في الصحراء، في المقابل تحتج البوليساريو على النهضة العمرانية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الأقاليم الصحراوية. والتقرير في عدد من فقراته قدم هذه الثنائية، وهي رسالة عميقة إلى البوليساريو والنظام الحاضن له. في الفقرة 20 من التقرير إشارة إلى فتح غواتيمالا قنصلية عامة في الداخلة.
بيت القصيد في تقرير غوتيريس ما تضمنته الفقرة 21 من أن تدهور العلاقات “بين الجزائر والمغرب” يؤثر على الوضعية في الصحراء. وأبرز التقرير حضور عمر هلال في كل اللحظات التي تحاول البوليساريو التسرب إلى هياكل الأمم المتحدة، وكتب عمر هلال إلى رئيس مجلس الأمن في مارس 2023 من أن الحديث عن قرارات مؤتمر البوليساريو هو إهانة لذكاء أعضاء مجلس الأمن.
في الفقرة 25 إحالة إلى خطاب العرش وما تم التطرق إليه بخصوص الصحراء ومن قرارات عدد من الدول التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء، وأن الملك أعلن عن أمله بعودة العلاقات بين المغرب والجزائر إلى طبيعته.
ـ خصص الباب الثالث للأنشطة السياسية (الفقرات 26-42)، وهذا الباب يحيل إلى لقاءات الأمين العام وأنشطة المبعوث الخاص للأمين العام، وللمعلومات الواردة في التقرير أهمية لمعرفة مواقف “الأطراف الأربعة” من نزاع الصحراء كما استشفه الأمين العام ومبعوثه الخاص من خلال لقاءاته في الجزائر والمغرب وموريتانيا. ويبدو أن الأمين العام، من خلال سرد فقرات متعلقة بلقاءاته مع الملك محمد السادس والرئيس الجزائري، يرمي من هذا إعطاء دفعة لممثله الخاص بتقوية الجانب السياسي في التقرير وأن منظمة الأمم المتحدة منشغلة بالموضوع. وقد يكون هذا أيضا إشارة إلى انخراط أممي لجهود جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الأمريكية، الذي زار المنطقة وصرح، في الرباط أوائل شتنبر الماضي، تأكيد دعم بلاده لحل الحكم الذاتي باعتباره “جادا وواقعيا وذا مصداقية”؛ بيد أن صيغة القرار الذي ستقدمه الولايات المتحدة لمجلس الأمن، نهاية هذا الشهر، ستحدد بالتدقيق الموقف الأمريكي في قضايا تمس المنطقة، والمرهون بالولاية الرئاسية الثانية لبايدن في رحلة البحث عن توازنات داخل الحزب الديمقراطي لحشد المزيد من الدعم للمترشح بايدن. هذا الباب الثالث يكشف أيضا “نوايا الأمم المتحدة” تجاه نزاع الصحراء في هذه التحولات الدولية التي تعرف اهتزازات في موازين القوى، وعلى جميع المستويات.
ظهر منطق “الأطراف الأربعة” الذي حكم تقارير الأمين العام وقرارات مجلس الأمن منذ 2018 في الفقرة 28 عند وقوف التقرير عند لقاءات دي مستورا بنيويورك بممثلي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، إضافة إلى أعضاء مجموعة “أصدقاء الصحراء الغربية”، (فيدرالية روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا) هي لقاءات ثنائية وغير رسمية، وفق التقرير.
وتضمنت هذه الفقرة رؤية دي مستورا للنزاع من قناعته بـ”حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الأطراف”، وركز على مبدإ الواقعية في الحل السياسي، وأحال إلى قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2654. في هذه الفقرة المهمة، يطلب دي مستورا من محاوريه جميعا “تطوير” مقترحاتهم لصياغة حل سياسي، وأن الهدف من لقاء نيويورك معهم هو استخلاص الدرس من المسلسل السياسي وتعميق البحث في المواقف، والاستمرار في البحث عن صيغ مقبولة لحل سياسي متحرك.
وأضاف التقرير في الفقرة 29 أن الممثل الخاص للأمين العام طرح أسئلة على محاوريه لـ”دفعهم إلى التفكير في الدروس المستخلصة”. والأهم في هذا وذاك لدي مستورا هو ضرورة الالتزام بإجراء حوار مع “كل الأطراف المعنية حول عناصر الالتقاء”.
وتحدث في الفقرة 30 عن مقترح الحكم الذاتي هو الخيار الوحيد في الحل السياسي بالنسبة للمغرب، وأنه أرضية للنقاش المستقبلي. وألح المغرب على الموائد المستديرة للتقدم بالحل السياسي، وأنه سيبقى منفتحا للآراء الأخرى؛ بينما الدولة الجزائرية رفضت الانصياع لقرارات مجلس الأمن الأخيرة (منذ 2018)، وتلح على دورها كملاحظ فقط، وترفض الموائد المستديرة. وتمسكت موريتانيا بـ”الحياد الإيجابي”.
تحدث التقرير أيضا عن زيارة دي مستورا للعيون والداخلة (الفقرات 34-37)، حيث التقى مسؤولين ومنتخبين الذين ساندوا مبادرة الحكم الذاتي وأهمية مجهود الاستثمارات المغربية في المنطقة واطلع المبعوث الخاص على البنيات التحتية كالمستشفيات ومراكز التكوين المهني والمنشآت الرياضية وأشغال ميناء الداخلة الأطلسي. كما استمع إلى اللجنتين الجهويتين لحقوق الإنسان. واجتمع دي مستورا بـ”انفصاليي الداخل”، الذين اصطفوا وراء شعارات البوليساريو وفق وصف التقرير. وذكر التقرير أن دي مستورا دعي إلى لقاء في الداخلة، فوجد في استقباله القناصلة العامين في الداخلة لدول أعضاء في منظمة الأمم المتحدة فتحت قنصلياتها في الداخلة. وفي لقائه مع وزير خارجية المغرب، تم التأكيد على الدعم الدولي الذي يلقاه مبادرة الحكم الذاتي، وأن المغرب يشتغل على هذا التوجه وأكد بوريطة أهمية مقاربة الموائد المستديرة. وفي قضايا حقوق الإنسان، شدد بوريطة على أن المغرب منفتح على آليات الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان في شمال المغرب وجنوبه. بقيت الإشارة إلى القلق الموريتاني من التأثيرات الإقليمية على استمرار النزاع.
وتضمنت الفقرة 40 من التقرير قلق دي مستورا الذي تحرك في المنطقة في سياق توتر إقليمي، وأن عددا من العواصم يساورها القلق مما وصلت إليه العلاقات بين الجزائر والمغرب؛ لكنه تلقى ضمانات في الجزائر والرباط أن البلدين لا يبحثان عن التصعيد في علاقاتهما.
ـ في الباب الرابع المخصص لأنشطة المينورسو الميدانية، سرد التقرير تحركاتها العملياتية (الفقرات 43-67) خاصة بجانب الجدار الأمني، وأن البوليساريو تعرقل تحرك المينورسو وترفض استقبال عناصر المينورسو في الرابوني؛ في حين أشارت فقرات في التقرير إلى التعاون المثمر والشفاف بين القوات المسلحة الملكية وعناصر المينورسو.
ـ خصص الباب الخامس للأنشطة الإنسانية وحقوق الإنسان (الفقرات 68-83). في الفقرة 70 تحدث التقرير عن “الوضعية الكارثية” لسكان المخيمات ودور منظمات الأمم المتحدة في إغاثتهم في مجال الصحة والتعليم والأمن الغذائي بصفة عامة. في مجال حقوق الإنسان، نقل التقرير آراء خصوم الوحدة الترابية، وطرح دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية. ولاحظنا أن التقرير يريد إقامة توازن في معالجة حقوق الإنسان بين المغرب وخصومه، على الرغم من أنه لم يخصص إلا فقرة وحيدة لانتهاكات حقوق الإنسان في تندوف. ولم يظهر في التقرير أثر لصوت تنظيمات صحراوية أخرى. ويجب تبليغ الأمين العام بهذه الثغرات، كي لا تبقى رؤية الأمم المتحدة لمكونات النسيج الصحراوي انتقائية.
خصصت فقرة (84) للاتحاد الإفريقي وما صدر عن المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي تتحكم دولة جنوب إفريقيا فيها طولا وعرضا، حكم يثير الضحك رغم عمومياته.
ـ الباب السابع تضمن القضايا المالية المتعلقة بميزانية المينورسو. (الفقرات 85-8).
ـ ويبقى الباب الثامن من أهم مكونات التقرير من حيث “الملاحظات والتوصيات” الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة (الفقرات 88-102). وبعد التعبير عن الانشغال بالوضع في الصحراء والإحالة في هذا الشأن على تقريريه السابقين في 2021 و2022، بأن تدهور الوضع مستمر في المنطقة، دعا غوتيريس الأطراف جميعها إلى تغيير التوجه نحو الاستقرار في المنطقة بمساعدة الأمم المتحدة والمنتظم الدولي. واعترف غوتيريس بأن الانسحاب من وقف إطلاق النار بين البوليساريو والأمم المتحدة لن يساعد على إيجاد حل سياسي، وألح على العودة إلى وقف إطلاق النار. ومع كل هذا أكد غوتيريس أنه ما زال مقتنعا بالوصول إلى حل “سياسي عادل ودائم ومقبول وفق قرارات مجلس الأمن الصادرة حول الصحراء من 2018 إلى 2022″، وأن الأمم المتحدة مستعدة لجمع كل المعنيين بنزاع الصحراء وفي سياق جهد جماعي للتقدم في عملية البحث عن حل سياسي، وتأسف على غياب الثقة بين الأطراف في المنطقة، وطلب منها التركيز على المشترك والامتناع عن المساهمة في تدهور الوضع.
وانطلاقا من هذا هنأ الأمين العام نفسه بالمشاورات التي أجريت في نيويورك بين ممثله الخاص والأطراف المعنية والمهتمة، والذين قبلوا دعوة دي مستورا، وأن هذا يمثل إطارا جديدا إضافي يستند إليه، وأن على كل الأطراف تعميق مواقفها نحو الحل السياسي “العادل والدائم والمقبول … كما طالب بذلك مجلس الأمن في قراره رقم 2654(2022) (الفقرة 93). بيد أن ما ورد في هذه الفقرة يكشف عن تبني دي مستورا لمقاربة إضافية شبيهة بتلك التي جرت في نيويورك، أي الحوارات الثنائية دون التخلي عن “الموائد المستديرة”؛ إلا أن هذا الأمر سيعقد مهمة دي مستورا، وسيفتح الباب لانسلال النظام الجزائري من رؤية مجلس الأمن للنزاع من خلال الأطراف الأربعة، فهل سيقبل المغرب الاستمرار في هذه المشاورات الثنائية إلى أن تصبح الأساس في المفاوضات بفعل “الواقعية”؟ أو هل التأكيد على “الشكل الجديد” للمشاورات من لدن الأمين العام يهدف فقط إلى فتح كوة في وضع الملف حاليا؟ الأمر لن يكون سهلا للأمم المتحدة ولدي مستورا بالخصوص، فالحروب الجارية في هرم الواجهة الجديدة للسلطة حول الولاية الثانية للرئيس الجزائري، وتوظيف ورقة السياسة الخارجية للجزائر في ذلك، سيجعل “ورقة الصحراء الغربية” في كنه التحرك الدبلوماسي وغير الدبلوماسي للنظام الجزائري، على الأقل إلى نهاية 2024، إن لم تقع مفاجآت كما تعودنا في تاريخ الجزائر الراهن. والمغرب، منذ 1963، يعد ورقة مهمة في لعبة التوازنات الجزائرية الداخلية.
ورد في الفقرة 94 من التقرير بأن دور دول الجوار في نزاع الصحراء، وفي البحث عن حل سياسي مسألة جوهرية في السياق الإقليمي؛ لكنه يتأسف على التوتر القائم بين الجزائر والمغرب وتأثير ذلك على السلم والأمن في المنطقة.
وأشاد الأمين العام بموقف المغرب المتمسك بوقف إطلاق النار، الذي وافق عليه المغرب في رسالة إلى الأمين العام بتاريخ 11 يونيو 1991. وأكد الملك محمد السادس، في اتصال مع الأمين العام، غداة تطهير معبر الكركرات، أن المغرب ما زال متمسكا بوقف إطلاق النار.
ورد أيضا في باب الملاحظات والتوصيات قلق الأمين العام لعرقلة البوليساريو لتحرك المينورسو ومنع تموينها بالغذاء والماء والمحروقات، ويطالبها في الفقرة 96 برفع كل هذه العراقيل. وكما جرت العادة في تقارير غوتيريس، خصصت الفقرة 99 للتعبير عن قلق الأمين العام على الوضع في المخيمات من جراء الأمراض والأوبئة، وركز على الندرة في المواد الغذائية وفي الماء الشروب والظروف المناخية القاسية والعواصف الرملية والفيضانات وما يعانيه السكان من البطالة والفقر.
وفي الفقرة 101، وقف غوتيريس كثيرا عند المينورسو ومهامها ودورها، وأنها تمثل التزام الأمم المتحدة والمنتظم الدولي بإيجاد حل سياسي وعادل ومقبول لنزاع الصحراء وفق قرارات مجلس الأمن من 2018 إلى 2022. وطالب مجلس الأمن بتمديد مهمة البعثة إلى 31 أكتوبر 2024.
بالتأكيد، إن تقرير غوتيريس يحمل أهمية خاصة في السياقات الإقليمية والدولية؛ لكن الصيغة الحالية والأولى للتقرير تطرح أمام المغرب وأشقائه وأصدقائه وحلفائه أسئلة كثيرة في الحفاظ على التوجه الأممي في هذا النزاع منذ 2018، وعلى تدارك الثغرات الواردة في التقرير بتنبيه الأمين العام من خلال رسائل ومذكرات ومساطر بكل القضايا التي قفز عليها غوتيريس في تقريره أو تلك التي أثارها لأول مرة منذ توليه الأمانة العام للأمم المتحدة.
المصدر: وكالات