في وقت ما تزال فيه التساقطات الثلجية والمطرية الاستثنائية ترخي بثقلها على إقليم أزيلال، برزت خلال الساعات الأخيرة صورة ميدانية معقدة تتجاوز الأرقام المسجلة إلى رهانات التدخل، وسرعة القرار، ونجاعة التنسيق بين المتدخلين. فمنذ ليلة الأحد، 14 دجنبر 2025، دخل الإقليم مرحلة تدبير وضعية جوية غير اعتيادية، اتسمت بانقطاعات طرقية متتالية، وتحديات حقيقية لفك العزلة عن عدد من الجماعات الجبلية.
الطرق أولاً: حين تتحول المحاور إلى نقاط ضغط
المعطى الأكثر إلحاحًا تمثّل في توقف حركة السير بمحاور استراتيجية تُعدّ شرايين أساسية لربط الإقليم بمحيطه الجهوي والوطني. فقد سُجلت انقطاعات بالطريق الوطنية رقم 23، الرابطة بين بوزنيقة وورزازات عبر دمنات، خاصة عند مقطع تيزي نواعراب بجماعة وقيادة أيت تمليل، إلى جانب اضطرابات بالطريق الجهوية رقم 317، بين أزيلال وقلعة مكونة، على مستوى منطقة أغبار التابعة لجماعة أيت امحمد.
كما شملت الانقطاعات الطريق الجهوية رقم 302، الرابطة بين دمنات وواويزغت، لاسيما بالمقاطع الجبلية المعروفة بحساسيتها، مثل تيزي نترغيست بجماعة تبانت، واسم السوق وتيزي نليسي بجماعة زاوية أحنصال. ولم تسلم الطرق غير المصنفة من الاضطراب، خصوصًا المقطع الرابط بين تاكلفت وأنركي على مستوى أمالو تنكرف، والطريق غير المصنفة التي تصل جماعة أيت امحمد بالطريق الجهوية 302، عبر تيزي نترغيست.
هذه الانقطاعات لم تكن أحداثًا معزولة أو ظرفية؛ إذ كشفت من جديد محدودية صمود عدد من المقاطع الجبلية التي اعتادت أن تكون أولى المناطق تأثرًا بكل موجة برد قارس، ما أعاد إلى الواجهة إشكالية جاهزية البنية الطرقية أمام سيناريوهات مناخية باتت تتكرر بوتيرة مقلقة.
تدخلات متزامنة: سباق مع الزمن لا مع الطقس فقط
ميدانيًّا، لم تقتصر التدخلات على محور دون آخر، بل تم تسجيل تحركات متزامنة في عدة بؤر حرجة، في محاولة لتطويق تداعيات الوضع قبل اتساع رقعتها.
فقد باشرت الفرق التقنية عمليات كسح الثلوج بالمقاطع العليا، بالتوازي مع إزاحة الأوحال والأتربة التي خلفتها الأمطار الرعدية بعدد من الجماعات، من بينها: أفورار، وبني عياط، وفم الجمعة، وتاكلفت، وأيت تكلا.
وفي الوقت نفسه، جرى التدخل لإصلاح أعطاب طارئة مست الشبكة الكهربائية، في خطوة هدفت إلى الحد من التأثيرات الجانبية للانقطاعات، خاصة على الساكنة القاطنة بالمناطق المعزولة، حيث يشكّل التيار الكهربائي عاملًا حاسمًا في التدفئة والتواصل.
أرقام تُقرأ كمؤشرات خطر
الأرقام المسجلة خلال هذه الفترة لا تُقرأ كمعطيات تقنية معزولة، بل كمؤشرات مباشرة على حجم الضغط الذي واجهته فرق التدخل.
فقد بلغ أعلى معدل للتساقطات المطرية 37 ملم بجماعة أفورار، فيما وصلت سماكة الثلوج إلى 100 سم بمنطقة تنكرف (جماعة أنركي)، و80 سم بدوار أيت عبي (جماعة تيلوكيت). وعلى مستوى القمم، تجاوز علوّ الثلوج المتر الواحد بجبل موريق، مقابل تسجيل 100 سم بجبل أعيوي، و60 سم بجبل أزوركي.
هذه المعطيات تفسّر جزئيًا تعقيد عمليات فتح الطرق، خصوصًا بالمقاطع العليا والقمم الجبلية، حيث تتحول كل محاولة للتدخل إلى عملية تقنية دقيقة، محفوفة بمخاطر الانزلاق وانعدام الرؤية.
الاحتراز بدل المجازفة: قرار يحمل أكثر من رسالة
اللافت في تدبير هذه المرحلة هو تغليب خيار الإغلاق المؤقت، وإنزال الحواجز الثلجية، على فتح طرق غير مضمونة السلامة؛ خصوصًا بمداخل أزيلال في اتجاه أيت امحمد، وبآيت بوكماز نحو قلعة مكونة وتيزي نترغيست، إضافة إلى أمزراي بزاوية أحنصال.
هذا التوجه، وفق الجهات المعنية، يرتبط بإدراك متزايد بأن كلفة الحوادث قد تفوق كلفة التأخير المؤقت، ويؤشر على تحول نسبي في مقاربة التعامل مع المخاطر المناخية.
التنسيق: الحلقة التي تُختبر في الأزمات
هذه التدخلات تمت في إطار تفعيل توصيات اللجنة الإقليمية لليقظة والتتبع، المنعقدة يوم 15 دجنبر 2025، حيث جرى تسخير كاسحات الثلوج والآليات الثقيلة وسيارات الإسعاف، إلى جانب تعبئة السلطات المحلية، والمصالح الأمنية، والأطر الطبية، ومصالح التجهيز.
غير أن الرهان الحقيقي ظل في القدرة على تنسيق الجهود ميدانيًّا، وتبادل المعلومة في الزمن الحقيقي، خاصة في ظل استمرار النشرة الإنذارية إلى غاية الخميس، 18 دجنبر الجاري.
وتفيد المعطيات المتوفرة بأن فرق التدخل تظل في حالة تعبئة دائمة إلى غاية نهاية هذه النشرة.
ما بعد العاصفة: أسئلة لا تنتظر ذوبان الثلوج
وإذا كانت التدخلات الجارية قد حدّت من تفاقم الوضع في المدى القريب، فإن هذه الموجة المناخية تعيد طرح أسئلة مؤجلة حول نجاعة تهيئة الطرق الجبلية، وتحيين خرائط المخاطر، وتعزيز آليات التدخل الاستباقي بالنقاط السوداء المعروفة سلفًا. وهي أسئلة تتجاوز اللحظة الآنية، لتضع تدبير المخاطر المناخية بإقليم أزيلال أمام اختبار الاستدامة، أكثر من مجرد إدارة أزمة عابرة.
المصدر: وكالات