شكلت عطلة عيد الفطر امتحانا لمطار المنارة بمراكش الذي أضحى يستقبل رحلات إضافية (8 خطوط جديدة) بعد توقيع اتفاقيات مع شركات للطيران، خاصة ذات التكلفة المنخفضة، ما أدى إلى فتح العديد من الخطوط على المستوى الداخلي والخارجي انطلاقا من فاتح شهر أبريل الجاري وكان وراء الأعداد الهائلة التي وصلت إلى المطار الذي يستقطب 1200 رحلة أسبوعيا، بمعدل 90 رحلة يوميا، وهو رقم كبير جدا، بحسب تصريحات متطابقة لفاعلين سياحيين.
وبلغة الأرقام، فحركة النقل الجوي للمسافرين بمطار مراكش المنارة سجلت ارتفاعا استثنائيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2024، بلغ 22% مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2023، كما عرفت خلال سنة 2023 نموا بـ 41% مقارنة مع سنة 2022، وبـ8% مقارنة مع سنة 2019 التي تعتبر سنة قياسية.
ولأن الاستراتيجية الجديدة الممتدة ما بين 2023 و2026 رصدت لها ميزانية تقدر بحوالي 6 مليارات و100 مليون درهم من أجل جذب أكثر من 17.5 مليون سائح بحلول عام 2026، بالإضافة إلى تحقيق 120 مليار درهم من المداخيل بالعملة الصعبة، فإن هذا التحدي يطرح استفهامات عدة، من قبيل: ماذا أعدت خارطة الطريق الجديدة لقطاع السياحة من أجل تطوير القطاع وإعادة تموضعه كقطاع أساسي في اقتصاد البلاد؟ وماهي المخططات المعدة لمواجهة التحديات التي تفرضها التظاهرات الرياضية التي ستنظمها المملكة؟ وماذا عن برنامج المكتب الوطني للمطارات؟
انسيابية الرحلات مشكلة
بشرى لحياني، خبيرة في قطاع السياحة الطبية والعلاجية، عبرت عن استغرابها مما عاشه المطار الدولي المنارة مراكش مؤخرا “من مشاكل في تنظيم انسيابية الرحلات الجوية القادمة، وعملية عبور المحطة الجوية، ما خلف استياء من طرف السياح الوافدين ومهنيي السياحة في المدينة الحمراء التي تعتبر قاطرة السياحة الوطنية وإحدى أهم الوجهات السياحية في العالم”.
وأوضحت لحياني، في تصريح لهسبريس، أن “مطار مراكش لا يساير، للأسف، تطور الوجهة السياحية، ومشاريع التهيئة أو التوسيع تسير ببطء شديد، وهناك تخبط وعدم تنسيق بين مختلف الفاعلين في القطاع، إذ نلاحظ مثلا أن عمل المكتب الوطني للسياحة لتسويق الوجهة السياحية عبر عدة مشاريع واتفاقيات لربط المدينة بمختلف الدول المصدرة للسياح، وإقامة شراكات مع شركات الطيران منخفضة التكلفة للرفع من عدد السياح، لا ترافقه مشاريع من طرف المكتب الوطني للمطارات بإضافة محطة جوية وتوفير الوسائل التقنية والبشرية لضمان جودة لاستقبال السائح الأجنبي في ظروف مثالية”.
وتابعت الخبيرة في قطاع السياحة الطبية والعلاجية قائلة: “هناك مشكل آخر يتعلق بتنظيم عملية هبوط وإقلاع الطائرات على مدار اليوم بشكل عقلاني، فأن تخلق 122 رحلة جوية كل هذا التخبط في كبرى عواصم السياحة في إفريقيا يسائلنا جميعا عن مدى استعدادنا للمستقبل! فوجهة مراكش السياحية شهدت نموا بأكثر من 20% خلال الربع الأول من هذه السنة، ويرتقب أن تنمو حركة النقل الجوي بشكل سريع، خاصة وأن المغرب مقبل على تنظيم ملتقيات دولية كبرى ستجلب عددا هائلا من الزوار”.
عجز الطاقة الاستيعابية
جمال السعدي، قيدوم المرشدين السياحيين، اعتبر من جهته أن “الطاقة الاستيعابية لمطار المنارة لم تعد قادرة على استقبال ضيوف المدينة، ما يفرض ضرورة توسيعه”، مشيرا إلى ضرورة التفكير “في مراقبة المسافرين داخل المغرب في نقطة الانطلاق والاكتفاء بذلك، إذ لا معنى لإخضاع المسافر لهذه المراقبة بمطار انطلاق الرحلة وعند وصوله، وهذا سيخفف الضغط على العناصر الأمنية”.
ومن أجل انسيابية الرحلات الجوية القادمة وتنظيم عملية عبور المحطة الجوية، اقترح السعدي “تخصيص مدخل للقادمين من خارج المغرب من ذوي الجواز المغربي، لأنهم يتوفرون على البطاقة الوطنية، ما يسهل عملية المراقبة، ومدخل آخر لذوي الجواز الأجنبي، وهذه تجربة أثبتت فعاليتها في عدة مطارات، من قبيل مطار محمد الخامس بالدار البيضاء”.
التسيير والتيسير
تعليقا على هذا المشكل، قال توفيق مديح، عن قطاع وكلات الأسفار، إن “رقم عدد السياح الذين استقبلهم مطار مراكش هائل جد، ورغم ذلك فالاكتظاظ تعرفه مطارات أخرى، كمطارات لندن التي تعتبر من العواصم الكبرى وتتميز بالتجهيزات، ومع ذلك يمكن للإجراءات أن تستغرق ساعتين تقريبا، فما بالك بمراكش التي تتوفر على مطار واحد، لذلك فتسيير وتيسير 90 رحلة في اليوم، في فترات الذروة، ليس بالأمر الهين”.
وأردف مديح أن “مشكل الاكتظاظ لا يمكن ربطه بجغرافيا المطار، ولو أن هذا الجانب مهم وهو رهن العناية، لأن سببه الحقيقي هو التسهيلات التي تقدم لشركات الطيران، وغياب التنسيق بينها من طرف الجهة المختصة بالترخيص. ولأنها تعمل بمنطق الربح، فهي تبرمج رحلاتها بمعزل عن الشركات الأخرى، وهذا يكون وراء الازدحام، وقد يشهد المطار الدولي لمراكش في أوقات أخرى دخول رحلات قليلة”.
وتابع المتحدث لهسبريس أنه “رغم ما يقدمه مطار مراكش الذي يبقى من المطارات المغربية القليلة التي تتميز بتيسير الخدمات وعرف توسعة معتبرة، إلا أن مدينة مراكش كوجهة سياحية تحتاج إلى مطارين، وهذا لا يمنعنا من الحديث عن ضرورة التفكير في توسيعه مرة أخرى نتمناها في أقرب وقت، وإحداث مطار آخر بسيد الزوين لرحلات شركات الطيران الرخيصة، وتخصيص المنارة لخطوط الطيران التابعة لشركات الدول، كالخطوط الملكية والايبرية…، ورحلات الطائرات الخاصة.
التوسعة قريبة
وعن الارتفاع النسبي لحركة النقل الجوي للمسافرين بمطار مراكش المنارة، أوضح مصدر مسؤول من إدارة مكتب المطارات لهسبريس أن “هذا النمو الاستثنائي يضع عبئا ثقيلاً على البنيات الأساسية للمطار الذي يشهد توافدا كبيرا للمسافرين (وصول العديد من الرحلات بمعدلات ملء عالية) خلال فترات متفاوتة من السنة، أو اليوم، أو الساعة، حيث تتعرض بنياته التحتية لضغط كبير”.
ولأن مطار مراكش المنارة يعرف هذا الضغط على مدار السنة، خاصة خلال فترات العطل كما وقع مؤخرا، وللتخفيف من تأثير هذه الوضعية وتوفير أفضل الظروف لاستقبال المسافرين، “يعمل المكتب الوطني للمطارات على تعزيز التنسيق خلال فترات الذروة بين مختلف شركائه المطاريين للرفع من تعبئة المستخدمين وضمان جاهزية مختلف التجهيزات المطارية”، يضيف المصدر ذاته الذي أكد أن “المكتب قام، بالتعاون مع شركائه، ببذل جهود لتخفيف تأثير هذا الضغط عبر إطلاق مشاريع رقمنة الخدمات المطارية وأنظمة التدبير وإنجار مشروع للتهيئة في صورة مكاسب سريعة توجد في طور الاستكمال حاليا ستحسن الطاقة الاستيعابية لهذا المطار في انتظار تنفيذ مشروع التوسعة الذي سيتم إطلاق طلب عروضه عما قريب”.
ومن أهم الإجراءات التي ستمكن من تحقيق مكاسب سريعة، ذكر المصدر ذاته “توسيع قاعة إركاب الرحلات الداخلية، وتوسيع وإعادة تهيئة منطقة المراقبة الأمنية ومدخلها”.
أما المشروع الكبير لتوسعة المطار، بحسب المسؤول بإدارة مكتب المطارات، “فقد تم اختيار مكتب الدراسات الهندسية وسيتم عما قريب إطلاق طلب العروض لاختيار المقاولة التي ستشرع في إنجاز هذا المشروع، الذي ستتم في إطاره إعادة تشكيل التنظيم الوظيفي للمحطات الحالية، وإحداث توسعة بجانب مبنيي المحطتين الجويتين 1 و2، عبر رفع مساحة المنشآت لاستيعاب الزيادات المستقبلية في حركة النقل الجوي للمسافرين عند المغادرة، وتثنية المسالك المؤدية إلى المدرج لضمان السلاسة، وتوفير مساحة تخزين للطائرة قبل الإقلاع، وتوسعة موقف الطائرات”.
المصدر: وكالات