قال إدريس الضحاك، عضو أكاديمية المملكة، إنه على الرّغم من العديد من المؤتمرات التي تناولت موضوع الماء دولياً والتوصيات الصادرة عنها، إلا أن “إشكالية الماء لا تزال حاضرة بيننا، ولن نجد لها حلا إلا باعتماد مبدأ الملكية المشتركة لهذه المادة على مستوى العالم، باعتبارها ملكاً للإنسانية جمعاء”.
جاء ذلك في محاضرة قدمها الضحاك في افتتاح المؤتمر العلمي التاسع لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، الجمعة بوجدة، الذي اختارت له الجهة المنظمة موضوع “الأمن المائي وأسئلة الاستدامة”.
وارتباطا بموضوع المؤتمر، قال إدريس الضحاك إنه حينما نتحدّث عن “الأمن” فهذا يعني أن هناك “تهديدات”، مشيرا إلى أنه فيما يخص الماء، هناك بالفعل تهديدات دولية ووطنية، كانخفاض نسبة الفرد في أغلب دول العالم إلى جانب تفاوت هذه النسبة بين مختلف هذه الدول، ما يطرح ما سمّاه بـ”اللاعدل المائي”، الذي جعل من شمال إفريقيا، ومنها المغرب، من أفقر دول العالم في الماء.
وبفعل هذا “اللا عدل المائي”، يضيف المتحدّث ذاته، أحصت الأمم المتحدة في الخمسين سنة الأخيرة 137 نزاعا دوليا حول هذه المادة، يعود سببها بالدرجة الأولى إلى الأحواض المائية المشتركة، التي حاولت الأمم المتحدة أن تحدث لها اتفاقية دولية سنة 1997 لتحديد حقوق وواجبات الدول تجاهها، “لكن مع الأسف الشديد، هذه الاتفاقية اليتيمة التي اشتغل عليها لمدة 20 سنة لم توقعها الدول الغنية بالماء (دول المنبع)”.
وذكّر الأمين العام السابق للحكومة، وهو يتحدّث عن بعض الحلول المقترحة لمواجهة أزمة الماء، بـ”سياسة السدود” التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1967، مشيرا إلى أن الملك الراحل تنبأ بهذا الأمر في زمن بعيد، حيث لم يكن يتوفّر المغرب آنذاك إلا على 16 سداً، بطاقة استيعابية تبلغ 2.2 مليار متر مكعب، منوّها باستمرار هذه السياسة مع الملك محمد السادس التي ساهمت في توفّر المغرب على 150 سداً حالياً، إلى جانب وضعه-من جهة ثانية-مخططا لمواجهة “ما هو قادم مستقبلا”، وعلى رأسه البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027.
وقال المتحدّث إن تراجع نسبة الفرد من المياه في المغرب “يفرض علينا أن نغير المنظور التقليدي لتدبير المياه، وأن نبدع أفكارا من أجل تسيير وتدبير وحكامة هذه المياه”، مشيراً إلى أن المغرب استطاع أن يدبّر “اللا عدل المائي” بين منطقتي الشمال (الغنية) والجنوب (الفقيرة) عبر برنامج نقل المياه من الشمال إلى الجنوب مرورا بوادي أبي رقراق.
وأضاف في هذا السياق أن “المغاربة تعاملوا مع الماء بأعراف نُقلت للأندلس وما زالت مستمرة إلى الآن، حيث كتب عليها مجموعة من الرحالة العرب والمسلمين كالشريف الإدريسي وابن بطوطة”، مثيرا مثال “الخطارات المائية (أنظمة لنقل المياه تحت أرضية)” التي تواجدت في مراكش وما زالت موجودة إلى الآن في فجيج وتافيلالت.
واعتبر الضحاك أن “للمغرب حضارة مائية أنتجت أعرافاً تتماشى مع الشريعة أحياناً ولا تعارضها في أحيان أخرى ولكن تكملها، اعترفت بها منظمة الزراعة والغذاء عندما سجّلت خطارات فجيج، في نونبر الماضي، كمظهر من مظاهر حضارات الواحات في حسن تدبير المياه”، معتبراً أن ما يقوم به المغاربة في الواحات، “عملية حضارية وتراثا للإنسانية جمعاء”.
وبالنسبة للمتحدّث ذاته، فبوجود برامج بشكل منظم ودقيق، وبتوفر المجلس الأعلى للماء والمناخ ومخططات وطنية ومحلية عدة وآليات لتدبير الماء، فإن المغرب يعد مؤطراً جيداً من حيث الهيكلة، وما “يجب الآن أن يتحقق، هو كيفية الوصول إلى تنفيذ كل ذلك من النص المكتوب في الورق إلى الممارسة التي تجري على الساحة”.
المصدر: وكالات