تبنت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب 31 دولة ساحلية مطلة على المحيط الأطلسي، من ضمنها المغرب، إعلانا للتعاون الأطلسي وأطلقت “الشراكة من أجل التعاون الأطلسي”؛ وذلك خلال الاجتماع الوزاري للتعاون الأطلسي المنعقد على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، حسب ما أفاد به بيان لوزارة الخارجية الأمريكية.
المصدر عينه أفاد بأن “الشراكة من أجل التعاون الأطلسي” هي “أول تجمع أطلسي يضم دول شمال وجنوب الأطلسي، ويعالج مجموعة من القضايا المتعلقة بالأولويات المشتركة وفتح فصل جديد من التعاون الإقليمي، لاسيما في مجال البيئة والتنمية المستدامة والعلوم والتكنولوجيا”، مشيرا إلى أن الهدف من هذه الشراكة يتمثل في “توحيد مجتمع دول الأطلسي حول إطار للمشاركة بشكل أكثر فعالية وصياغة مجموعة من المبادئ التوجيهية للتعاون على النحو المبين في إعلان التعاون الأطلسي”.
وتبنت الدول الـ32 المعنية إعلانا مرفقا بخطة عمل بشأن التعاون الأطلسي أكد على مجموعة من النقاط؛ أبرزها التزام هذه البلدان بـ”العمل تعزيز التعاون الإقليمي، وإيجاد حلول مبتكرة لتعزيز الأهداف المشتركة، وتنسيق الجهود لتحقيق السلام والاستقرار والازدهار، ومواجهة التحديات بشكل مشترك”، إضافة إلى التزامها بـ”دعم مبادئ المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول”.
فرص استراتيجية وتعزيز لمكانة المغرب
هشام معتضد، خبير في الشؤون الاستراتيجية، قال إن “إعلان التعاون الأطلسي أو ما بات يعرف بـ”الشراكة من أجل التعاون الأطلسي” يشكل فرصة استراتيجية مهمة للدول المطلة على المحيط الأطلسي والتي عانت من فراغ وجود منصة موحدة للتشاور السياسي والدبلوماسي بخصوص هذه المنطقة الاستراتيجية من الفضاء العالمي”.
وأضاف معتضد أن “الفضاء الأطلسي يعرف بعض محاور التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري والسياسي؛ ولكن في شكل تجمعات محدودة الفضاء أو بين دول معينة تتقاسم مصالح محصورة ولا تخدم بالأساس المنطقة الأطلسية في شموليتها”، مشيرا إلى أن “الوقت قد حان لتفعيل شراكة إجمالية بين الدول التي تتقاسم تحديات التدبير الاستراتيجي لهذا الفضاء وتسعى إلى كسب الرهانات المتعلقة بالديناميكية الجيوسياسية المحيطة بهذه المنطقة المليئة بالعديد من الملفات الشائكة”.
وحول انعكاسات هذه الشراكة على علاقات الرباط وواشنطن، أوضح المتحدث عينه أن “تاريخ الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن سيعرف ديناميكية جديدة داخل هذا التعاون الأطلسي، لأن مسار العلاقات المغربية الأمريكية سيلعب بدون شك دورًا حتميًا مهمًا في إلهام هذا التكوين السياسي الجديد؛ وهو ما سيدفع كل من القيادة في الرباط ونظيرتها في واشنطن إلى المزيد من تعزيز الروابط السياسية لتقديم نموذج استراتيجي قادر على تشكيل مرجعية صلبة داخل هذه الفلسفة الأطلسية الجديدة”.
وأكد معتضد أن “المغرب والولايات المتحدة الأمريكية سيكون لهما دور كبير وجد مهم في تحريك ديناميكية هذه المنصة الأطلسية، ليس لأنهما يعتبران فقط فاعلين أساسيين في محيطهما الإقليمي؛ ولكن بلدين يركزان بشكل كبير على الفضاء الأطلسي في بناء رؤيتهما للسياسة الخارجية”، لافتا إلى أن الوضع “سينعكس إيجابا على محور الرباط -واشنطن داخل هذا التجمع الجديد”، لأن “المحيط الأطلسي جزء مهم من الثقافة السياسية المغربية والأمريكية”.
وسجل الخبير عينه أن “الأمن القومي للبلدين يعتمد بشكل كبير على ضبط هذا الفضاء الأطلسي لواجهتيهما البحرية. ومن ثمّ، فإن التعاون الشامل سيشكل فرصة إضافية لكل من الرباط وواشنطن للانخراط الثنائي الوثيق للاستفادة الاستراتيجية من ديناميكيته، ليس للحفاظ فقط على مكتسبات البلدين الحيوية؛ ولكن للدفاع عن مصالح هذا الفضاء الاستراتيجي ضد كل التهديدات العابرة للقارات والعالمية”.
ومن الناحية الجيو-ستراتيجية، أورد المتحدث أن “المغرب سيعزز مكانته الأطلسية من منظور السيادة الترابية والتعاون الأمني والدفاع العسكري. وبما أن الرباط تعتبر من الدول الأطلسية ذات الواجهات البحرية الشاسعة، فإن خلق منصة للتنسيق من هذا النوع سيسهل عليها تدبير العديد من الملفات المعقدة والمرتبطة بهذا الفضاء المفتوح”.
وأضاف أن “هذا التجمع يشكل منصة ذات وزن سياسي ودبلوماسي واقتصادي واستراتيجي مهم على مستوى الساحة الدولية؛ بالنظر إلى الوزن الاقتصادي للدول المعنية ومكانتهم السياسية وقوتهم العسكرية. ومن ثمّ، فإنها ستشكل قناة مهمة لفرض خطابات سياسية والدفاع عن مصالح البلدان، وستشكل قوة دبلوماسية إضافية للمغرب على مستوى الدبلوماسية الأطلسية للرباط وعلى المستوى العالمي من أجل الدفاع عن مصالحه الاستراتيجية”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “خلق تجمع شامل للشراكة الأطلسية مناسبة أيضا للمغرب من أجل الانفتاح أكثر على الأسواق الاقتصادية في المنطقة بشكل أكثر جرأة وتقدمية. وبدون شك، فإن هذا التعاون سيعطي امتيازات استثمارية واقتصادية ومالية جد تحفيزية لأعضائه؛ وهو ما سيشكل فرصة جديدة للاقتصاد المغربي والمؤسسات المالية المغربية”.
مشروع قديم جديد وتعميق للشراكات
من جهته، قال محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، إن “الشراكة الأطلسية مشروع قديم جديد تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع عدد من الدول، إذ يعد تتمة لمشروع مارشال والاندماج الأطلسي”، مشيرا إلى أن “تجديد هذه الشراكة في هذا التوقيت بالضبط يكشف عن الرغبة الأمريكية في استمرار هيمنتها الدولية؛ من خلال شراكات تقوم على الامتثال للنموذج الرأسمالي الغربي في مقابل النماذج الأخرى”.
وسجل العروسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تعزيز هذا التعاون وإضافة دول إفريقية لهذا المشروع، على غرار المغرب، هو خطوة مهمة تخدم مصالح هذا التحالف الغربي”، لافتا إلى أن “الرباط بدورها ستستفيد من هذه الشراكات، خاصة على المستوى العسكري والمستوى السياسي والمستوى الاقتصادي”.
وأشار المتحدث عينه أن “الشراكات الاقتصادية الأطلسية ما زالت ضعيفة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب ولا تعكس الوزن السياسي والحجم الطبيعي لهذا الفضاء مقارنة بفضاءات أخرى”، موضحا أنه “من أساليب الاحتواء التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية هي الإشراف على هذه الشراكة الأطلسية ومحاولة تعميقها، من خلال تعزيز التعاون العسكري بين الدول والترويج للنموذج الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الغربي في المنطقة”.
وشدد مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية على أهمية هذا المشروع؛ غير أنه ربط نجاحه بـ”مدى قدرة واشنطن على قيادة هذا التحالف ومواجهة المعسكر الصيني الروسي؛ ومن ثم الوصول به إلى مستوى الشراكات الوازنة وإقامة تكتل إقليمي موحد يجمع دول المحيط الأطلسي”.
المصدر: وكالات