تزامنا مع دخول اجتماعي جديد يُرتقب أن يستهل بجولة الحوار الاجتماعي التي كانت منتظرة في شهر شتنبر الجاري، اختارت تنظيمات المتقاعدين بعدد من القطاعات بالمغرب إشهار ورقة التكتل أمام الفاعل الحكومي، من خلال الالتئام ضمن إطار تنسيقي جديد يحمل اسم “الشبكة المغربية لهيآت المتقاعدين”، بعدما بدا أن المنتسبين إلى هذه الشريحة الاجتماعية على اختلاف انتمائهم القطاعي يتقاسمون شكاوى عديدة، ضمنها “الإقصاء” من الحوارات الاجتماعية المركزية والقطاعية، و”قصر المعاشات الجامدة عن الاستجابة لتكاليف المعيشة الملتهبة”.
وأعلنت تنظيمات للمتقاعدين وأصحاب المعاشات، “تشكيل ‘الشبكة المغربية لهيآت المتقاعدين’ (REMOR) كإطار تنسيقي وطني لتوحيد العمل والفعل الاحتجاجيين بما يسمح بانتزاع وضمان الحقوق المشتركة العادلة والمشروعة، وصون الكرامة وتعزيز العدالة الاجتماعية، ورفع الإقصاء والتهميش عن المتقاعدين والمتقاعدات، وذلك على إثر اجتماعها يوم 18 شتنبر الجاري بمقر الجامعة الوطنية للتعليم (FNE)”.
وقالت التنظيمات ذاتها، وعددها 12، في بلاغ توصلت به هسبريس، إن اختيارها التكتل يأتي في ظل “تردي الوضع المعيشي لعموم المتقاعدين وذوي الحقوق بالمغرب جراء تدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع الرعاية الصحية وتزايد متطلبات الحياة اليومية في ظل تجميد المعاشات وتردي مجمل الخدمات العمومية”، مشيرة إلى “خيبة المتقاعدين وأصحاب المعاشات جراء الإقصاء الممنهج من نتائج الحوارات الاجتماعية المركزية والقطاعية (…) بحرمانهم من أي زيادة رغم الغلاء غير المسبوق في جل المواد الأساسية والاستهلاكية، وتخلي الدولة المغربية عن تحملاتها الاجتماعية بتصفية صندوق المقاصة ورفع الدعم عن المواد الأساسية وخوصصة الخدمات العمومية والهجوم على المدخرات والمعاشات التقاعدية”.
وأوضحت بعض التنظيمات المؤسِسة للشبكة، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، رهانها على جعل الشبكة “قوة تفاوضية” أمام الفاعل الحكومي المغربي لدفعه إلى ترك مساحة لملف المتقاعدين ضمن أجندته خلال السنة الاجتماعية الجديدة، بعدما ظلّت مغيبة طيلة السنوات الثلاث الماضية، مؤكدة أن “هذا الإطار التنسيقي يعوّل عليه لتوحيد صوت المتقاعدين ضد عدم تحريك سلم المعاشات وتردي أوضاعهم الاجتماعية خلال وقفة فاتح أكتوبر، على أن يتم بعدها تسطير ملف مطلبي مشترك يشكل أرضية لخطوات نضالية مقبلة”.
قوة تفاوضية
لحسن موموش، الكاتب العام لاتحاد متقاعدي التعليم بالمغرب، أحد الهيآت المؤسسة للشبكة الجديدة، قال إن “خلق الإطار التنسيقي الجديد يروم توحيد الخطوات النضالية خلال الدخول السياسي والاجتماعي المُقبل بين مختلف الهيآت الممثلة للمتقاعدين، خاصة وأن هذه الأخيرة على اختلاف مطالبها الفئوية تلتقي عند هدف إعادة الكرامة للمتقاعدين ورفع الإهمال والتهميش عنهم ولفت انتباه المسؤولين الحكوميين إلى معاناتهم”، مسجّلا أن “هذه الهيئات تراهن على التكتل لدفع الحكومة خلال الحوار الاجتماعي المقبل إلى تدارك خطأ الحوار الاجتماعي بشقيه المركزي والقطاعي، الذي جرى فيه إهمال ملف المتقاعدين بإقصائهم أساسا من الزيادة في المعاشات العامة”.
وأوضح موموش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هيآت المتقاعدين تترقب أن تشكّل الشبكة قوّة تفاوضية قادرة على انتزاع مطالب هذه الفئة التي يبدو أنها مازالت خارج أجندة الحكومة رغم مرور ثلاث سنوات من عمرها”، مضيفا أن “الشبكة يعوّل عليها أيضا لترجمة حجم الغضب لدى المتقاعدين والمتقاعدات ضد تدهور قدرتهم الشرائية جراء عدم تزحزح الحد الأدنى لمعاشاتهم منذ عشر سنوات حين حُدد في مبلغ هزيل (ألف درهم)، رغم كون أسعار غالبية المواد الاستهلاكية قد تضاعفت بشكل مهول خلال السنوات الأخيرة”.
وأورد المتحدث أن “المتقاعدين يوحدّهم أيضا الشعور بالغبن وعدم الإنصاف جراء حرمانهم من الزيادة في الأجور التي شملت جميع الموظفين، ورفع الحد الأدنى للأجور دون رفع الحد الأدنى للمعاشات”، مشددا على أنهم “متمسكّون بالتكتل حتى إقرار الزيادة في هذه المعاشات وجعل الحد الأدنى لها مساويا للحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى تمكينهم من امتيازات تفضيلية في الخدمات الطبية والنقل والسفر وفضاءات الرياضة والسياحة الداخلية… التي يحظى بها المتقاعدون في العديد من دول العالم”.
وذكر رئيس اتحاد متقاعدي التعليم بالمغرب أن “الشبكة تصب تركيزها الآن على إنجاح الاحتجاج المُرتقب خلال فاتح أكتوبر، وستعكف بعد هذه المحطة على تجهيز ملف مطلبي مشترك يُحيط بالمطالب التي ترفعها جميع هيآت المتقاعدين الممثلة داخلها، سيكون بمثابة أرضية مؤطرة لخطواتها النضالية المرتقبة وتدبير اتصالات المتقاعدين مع الحكومة خلال السنة الاجتماعية المقبلة”.
خطوة متأخرة”
المصطفى البويهي، منسق فيدرالية المتقاعدين بالمغرب (FRM)، إحدى الهيآت المؤسسة للشبكة الجديدة، قال إن “تأسيس هذه الشبكة مكسب كبير للمتقاعدين وخطوة مهمة كان يجب القيام بها منذ سنوات بالنظر إلى أن النضال عن المطالب الملّحة للمتقاعدين قد تأخر كثيرا بسبب غياب إطارات نقابية ومؤسساتية تهتم بهذه المطالب، بعد اقتصار جهود الفعاليات الجمعوية لسنوات-رغم أهميتها- على الجوانب الترفيهية، من قبيل تنظيم السفريات السياحية، على سبيل المثال، لهذه الفئة”.
وأكد البويهي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الدخول الاجتماعي الجديد فرض تكثيف الخطوات وتسريع النضال، وهو ما تجلى من خلال تأسيس هذه الشبكة، حتى نلفت انتباه الحكومة إلى ضرورة إدراجنا في أجندتها التي ظللنا غائبين عنها لسنوات”، معتبرا أن “هذه الخطوة ملحة في السياق الحالي بالنظر إلى قرب افتتاح السنة التشريعية الجديدة وانطلاق جلسات الحوار الاجتماعي بشقيه المركزي والقطاعي، فضلا عن اعتزام الحكومة إدماج صندوق كنوبس (الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي) ضمن صندوق الضمان الاجتماعي في خطوة تهدد بخفض نسب التعويضات التي نتلقاها في إطار التأمين الإجباري عن المرض بشكل كبير”.
واستدرك المتحدث بأنه “لا ينبغي أن يفهم مما سلف أن هدف الشبكة هو النضال الموسمي أو المناسباتي ، لأن المشاكل التي تعاني منها فئة المتعاقدين متجذرة وتحتاج إلى خطوات نضالية متواترة لانتزاع مطالبهم، لا سيّما تلك المتعلقة بتجميد المعاشات وعدم الاستفادة من الزيادة في حدها الأدنى أسوة بالزيادة في الحد الأدنى من الأجور التي تم انتزاعها في إطار الحوار الاجتماعي الأخير، وتغييبهم عن المجالس الإدارية للتعاضديات”.
وأكد البويهي أن “المتقاعدين ينشدون تجاوب الحكومة مع مطالبهم؛ لأن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها وصلت إلى مستويات غير قابلة للاحتمال في ظل التهاب مصاريف المعيشة اليومية”، منبها إلى أنهم “لا يسعون خلف تحقيق مطالب صرف مادية فقط، وإنما يطالبون كذلك بتمكينهم من امتيازات على مستوى الولوج إلى الخدمات الطبية والنقل والرياضة وكل ما يمكن أن يصون كرامتهم ويعوضهم عن التضحيات التي قدموها خلال سنوات خدمتهم”.
المصدر: وكالات