وصل حملة مشاريع شباب إلى مراحل متقدمة من اليأس، بعد التأكد من ضياع ما بذلوا من أموال وجهد ووقت خلال الفترة الماضية وهم يبحثون عن تمويلات وقروض بنكية من خلال برامج دعم عمومية، مثل “انطلاقة” و”فرصة” والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. يتعلق الأمر بدراسات جدوى ومخططات مرقمة ونماذج فواتير تجهيزات وسلع وعقود كراء ووعود بالكراء ووثائق أخرى، تطلب تجميعها أسابيع وشهورا، وجرى تضمنيها في ملفات طلبات معدة بعناية من قبل محاسبين تخصصوا في مواكبة هذه الفئة من طلبة القروض.
وحسب المعطيات التي كشفت عنها عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، قبل أشهر، فقد استقر معدل رفض ملفات طلبات الاستفادة من قروض برنامج “انطلاقة” عند مستوى مرتفع (40 في المائة)، فيما أظهرت الإحصائيات الواردة ضمن التقرير السنوي لمديرية الإشراف البنكي بلوغ جاري القروض الممنوحة من قبل البنوك ضمن البرنامج المذكور 8.6 مليارات درهم، بلغ عدد المستفيدين منها 32 ألف مستفيد، 17 في المائة منهم نساء، بينما تركزت نسبة 17.5 في المائة من القروض الموزعة في الوسط القروي.
وتعتبر هذه الأرقام إلى جانب الشهادات الحية الواردة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا “فيسبوك”، عن مرشحين لبرامج تمويلات لفائدة حملة المشاريع الشباب والمقاولات الصغرى والصغيرة جدا، بمثابة مؤشرات على تعثر هذه البرامج، التي كثفتها الحكومة بعد تفشي جائحة كورونا، في سياق مواجهة تداعياتها الاقتصادية. والواقع أنها لم تثمر إلا زيادة في معدل البطالة الذي تجاوز 13 في المائة، علما أن الرهان كان على تمويل ودعم المقاولات المتوسطة والصغرى باعتبارها محركا اقتصاديا مهما ومنتجا لفرص الشغل.
نقص المعلومات والتوجيه
يواجه حملة المشاريع الشباب مشاكل على مستوى نقص المعلومات، رغم ما تقدمه محركات البحث عبر الإنترنت من معطيات حول إحداث الشركات والاستثمار والمحاسبة وغيرها من الوسائل العملية والضرورية لإطلاق المشروع، حيث يظل المقاول الشاب تائها بدون توجيه، الأمر الذي يسائل المراكز الجهوية للاستثمار وغرف التجارة والصناعة والخدمات المنتشرة في مختلف جهات المملكة، ما يجعله عاجزا عن اتخاذ قرار بشأن تطوير فكرة مشروعه، وصيدا ثمينا لمكاتب محاسبة، أصبحت متخصصة في هندسة ملفات تمويل المشاريع، مقابل عمولات مهمة، حيث تعتمد على دراسات جدوى مستنسخة وفواتير مشبوهة، سرعان ما يجري رفضها من قبل الجهات المانحة للدعم، خصوصا البنوك.
وبالنسبة إلى مراد سنوني، محاسب متخصص في تدبير المقاولات بالدار البيضاء، فإن عدم تكافؤ المعلومات يعد من الأسباب الرئيسية لرفض البنوك طلبات التمويل، ويعني ذلك أن حملة المشاريع لا يمتلكون جميع المعلومات اللازمة، أو لا يقدمونها بشكل صحيح للبنوك، التي تسعى دائما إلى تقليل المخاطر، وبالتالي فإن غياب الشفافية أو عدم كفاية المعلومات المقدمة، مثل توقعات مالية غير مفصلة بما يكفي، وعدم وجود سجل بنكي واضح، أو تخطيط غير دقيق للمشروع، يجعل المؤسسات الائتمانية تتردد في الموافقة على التمويل.
وأضاف سنوني، في تصريح لهسبريس، أنه “عندما يُرفض تمويل المشاريع، خاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بسبب سوء التحضير أو عدم فهم المعايير البنكية، فإن ذلك يؤثر على الاقتصاد من حيث الابتكار وخلق فرص الشغل”، موضحا أن الشركات الناشئة التي تفشل في الحصول على التمويل قد تتعثر أو تتوقف، ما يحد من النمو الاقتصادي والتنافسية في المملكة، مشيرا إلى أهمية تدخل المراكز الجهوية للاستثمار بشكل أكثر قربا من المقاولين الشباب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى غرف التجارة والصناعة، في توفير معلومات واضحة ومساعدة لحاملي المشاريع في إعداد ملفات طلبات تمويل قوية.
دراسات جدوى مستنسخة
استخدام دراسات جدوى غير مخصصة وفواتير غير دقيقة يعرض المشروع للفشل، فالبنوك تعتمد على هذه الوثائق لتقييم استدامة المشروع وقدرته على توليد المداخيل المطلوبة لسداد القرض. وإذا كانت الأسس المالية التي بني عليها القرار خاطئة أو مبنية على معلومات غير دقيقة، فإن المشروع المطلوب دعمه وتمويله قد يفشل بعد فترة قصيرة من الحصول على القرض، ما يزيد من مخاطر التعثر المالي لحملة المشاريع والبنوك على حد سواء.
وأوضحت رجاء أوموس، مستشارة مالية مكلفة بالزبائن لدى بنك للأعمال بالدار البيضاء، في تصريح لهسبريس، أن أحد أهداف دراسة الجدوى هو تحديد المخاطر المالية والتجارية المتعلقة بالمشروع، مؤكدة أنه عندما تستنسخ هذه الدراسات، لا يُؤخذ بعين الاعتبار التحديات الخاصة بكل مشروع، مثل تقلبات السوق والمنافسة المحلية، أو احتياجات الزبائن المحتملين، مشيرة إلى أن هذه العوامل تؤدي إلى قرارات غير مدروسة من جانب البنك، أو في كثير من الأحيان، إلى رفض التمويل، لأن الملف لا يوفر معلومات دقيقة تسمح للبنك بتقييم المخاطر بشكل صحيح.
وأكدت أوموس، في السياق ذاته، أنه “عندما تعتمد مكاتب المحاسبة على استنساخ دراسات الجدوى وتقديم النماذج نفسها لمشاريع عدة، تفقد البنوك الثقة في مصداقية هذه الوثائق. فالبنك يحتاج إلى رؤية دراسة جدوى مصممة خصيصا للمشروع المقدم، تأخذ في الاعتبار ظروفه الخاصة والسوق المستهدف، فيما تثير الملفات الموحدة التي تفتقر إلى التفاصيل الخاصة شكوكا حول جدية المشروع وقدرته على تحقيق النجاح”، مبرزة أن هذه المؤشرات تفسر بشكل كبير تنامي حالات رفض التمويل من قبل البنوك، خصوصا أن أغلب برامج الدعم تدبر على مستوى المؤسسات الائتمانية.
المصدر: وكالات