جددت السّنة الأمازيغية في المغرب مطلب إعادة رفات المجاهد الوطني عبد الكريم الخطابي، المدفون في القاهرة، وهو مطلب ظل حبيس الوعود الرسمية المقدمة للمصالحة مع تاريخ منطقة الريف.
وقبل سنوات، باشرت هيئة الانصاف والمصالحة إجراءاتها لإعادة رفات الأمير الخطابي، خاصة بعد اللقاء الذي جمع أسرة المجاهد بالمناضل الرّاحل ادريس بنزكري وأعضاء من الهيئة، قبل أن تتلاشى آمال عائلته الصّغيرة بعودة نهائية قريبة إلى أرض الوطن مع وفاة الرّاحل بنزكري ودخول الملف متاهات “التّأجيل”.
المطلب العائلي بنقل رفات المجاهد محمّد بن عبد الكريم الخطابي إلى أرض الوطن ودفنه بمسقط رأسه بالرّيف وإقامة ضريح في بلدة أجدير يليق بمقامه، سيعاود الظّهور مرة أخرى على شكل ملتمسات موجهة إلى الملك محمد السّادس.
ودخل المجلس الوطني لحقوق الانسان على خطّ دعوات عائلة الأمير الخطابي من خلال تقديم وعود تذهب غالبيتها في اتجاه ضمان نقل رفاته إلى المغرب، حيث سبق لإدريس اليزمي، الرئيس السّابق للمجلس، أن زارَ القاهرة لتنظيم لقاء مع سعيد الخطابي (نجل عبد الكريم الخطابي) وهيئة الإنصاف والمصالحة، لكنّه تأسّف لعدم التوصل إلى اتفاق يعيد الرّفات.
اعتراف رسمي
نبيل الأندلوسي، رئيس جمعية منتدى الحسيمة للثقافة والتضامن والتنمية، قال إن مسألة إرجاع رفات محمد بن عبد الكريم الخطابي وإعادة دفنه بمسقط رأسه بأجدير بالحسيمة، كانت دائما حاضرة عند أبنائه وأسرته، وكذلك عند عدد من الحقوقيين والفاعلين السياسيين والجمعويين.
وبرزت هذه الدعوة بشكل جلي بعد تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، التي اشتغلت على هذا المطلب دون أن تتمكن من إحراز أي تقدم بشأنه، رغم اللقاء الذي جمع إدريس اليزمي وسعيد الخطابي، نجل محمد بن عبد الكريم الخطابي، حول الموضوع بالقاهرة، وذلك لاعتبارات كثيرة.
وشدد الأندلوسي، في تصريح لهسبريس، على أن إعادة رفات الخطابي لا يتحظى بإجماع حتى داخل الأسرة الخطابية الصغيرة المكونة من أبنائه وأحفاده، ولا بين الفعاليات المدنية والحقوقية.
وأبرز أن الاختلاف بشأن الموضوع راجع بالدرجة الأولى إلى سؤال الاعتراف الرسمي بمحمد بن عبد الكريم الخطابي كمجاهد وزعيم وطني ناضل وضحى من أجل تحرير المغرب من الاستعمار، في ظل وجود عقليات، ربما حتى في بعض مراكز المسؤولية، ترى في الخطابي زعيم قبيلة كان متمردا عن السلطة المركزية.
وطالب الفاعل المدني ذاته بفتح نقاش عمومي تساهم فيه الدولة والمجتمع، من خلال حوار صريح تحتضنه الإطارات المدنية والجمعوية ومؤسسات الدولة ذات الارتباط بالجانب الحقوقي وبالذاكرة، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من أجل تسليط الضوء على حقبة من تاريخنا الوطني وتوثيقه وتثمينه.
ودعا الفاعل ذاته إلى “الإسراع بتنفيذ التوصيات العالقة التي لم تنفذ إلى اليوم، ومنها إنشاء متحف الريف، الذي، بالمناسبة، سبق أن راسلتُ رئيسةَ المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، بشأنه منذ شهور”.
واعتبر الأندلوسي أن “هذا المشروع مرتبط بالذاكرة المحلية، التي لا تتجزأ طبعا عن الذاكرة الوطنية، وفي صلبها حفظ وتوثيق ما قام به الخطابي ورجاله أثناء مقاومتهم للاستعمار الإسباني كنوع من الاعتراف الرسمي بهذا التاريخ”.
واستطرد الفاعل المدني نفسه بأن “عودة رفات الخطابي خطوة لها أبعاد رمزية وسياسية مرتبطة بموضوع المصالحة التي يجب أن تتجدد بين الدولة والمنطقة، بعد التوتر الذي شاب مؤخرا هذه العلاقة بسبب أحداث حراك الريف”.
كما شدد على أن فعالية مثل هذه المبادرة، إذا قامت بها الدولة، سيكون لها أثر إيجابي وعميق إذا تبلورت في سياق عام ومبادرة شاملة تستحضر خصوصيات المنطقة وتاريخها، وتعمل على إبراز هذا التنوع المكون للذات الوطنية المغربية متعددة الروافد.
مطلب سياسي
من جانبه، قال شريف أدرداك، ناشط مدني من منطقة صنهاجة بالريف، إن الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة، “مناسبة لرفع مطالب سياسية واجتماعية قديمة تروم المصالحة الحقيقية مع كل ما هو أمازيغي”.
وأضاف شريف، في تصريح لهسبريس، أنه “بالموازاة مع المطالبة بتقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة المجالية، وذلك بالسماح لسكان الجبال (أغلبهم ناطقون بالأمازيغية) بالاستفادة من ثروات البلاد، هناك من يذهب إلى حد المطالبة بتصحيح التاريخ والمصالحة مع الشخصيات الأمازيغية، وعلى رأسها محمد بن عبد الكريم الخطابي”.
وتابع بأن “شخصية الخطابي تعرضت لتشويه وإقصاء سياسي ممنهج من طرف الأحزاب التي تربت في كنف الحماية الفرنسية واستمرت في التواجد في الساحة السياسية بعد الاستقلال الذي عارض الخطابي طريقة الحصول عليه بشدة”.
وقال: “أنا لست من الداعين لإعادة رفاته إلى المغرب، فلو كانت هذه أمنيته لكان قد أوصى بها. أحسن تكريم يمكن أن نقدمه للخطابي هو إعادة الاعتبار لفكره ونضاله وترسيخ القيم التي كان يدافع عنها لدى الأجيال القادمة”.
المصدر: وكالات