على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد بدافوس الأسبوع الماضي، نظمت سفارة سويسرا بالرباط رفقة مبادرة “Global Shapers Rabat” النسخة الثالثة من فعاليات “الطريق” (The Way)، وهي سلسلة من النقاشات حول المواضيع السوسيو-اقتصادية والثقافية بين الشباب وصناع القرار والمسؤولين المغاربة والأجانب.
في هذا الإطار، استقبلت السفارة، أمس الاثنين، شباب المبادرة، وألقى السفير غيوم شيرور عرضا حول بلاده، انطلق فيه من تاريخ النشأة وصولا إلى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها سويسرا، دون أن يغفل الحديث عن مبدأ الحياد الذي تتخذه كعنصر أساسي في سياستها الخارجية.
بلد صغير وديانات متعددة
قال السفير غيوم شيرور، في عرضه، إن بلاده صغيرة من حيث عدد السكان والمساحة، بحيث لا يتجاوزون 8.7 ملايين نسمة، 25.1 في المائة منهم لديهم جنسية أجنبية، فيما تبلغ مساحة البلاد 41 ألف كيلومتر مربع.
يعترف دستور سويسرا بأربع لغات وطنية، أولها الألمانية، يتحدث بها 62 في المائة من المواطنين، تليها الفرنسية بنسبة 23 في المائة، ثم الإيطالية بنسبة 8 في المائة، ولغة الرومانش بنسبة ضئيلة لا تتعدى 0.5 في المائة.
على مستوى الديانات، يصرح 35 في المائة من سكان سويسرا بانتمائهم للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وحوالي 23 في المائة ينتمون إلى الكنيسة الإنجيلية الإصلاحية، أما الإسلام فيدين به 5.3 في المائة من إجمالي السكان، واليهودية 0.2 في المائة، فيما يعتبر 28 في المائة من المواطنين أنفسهم بدون انتماء ديني.
نظام فيدرالي قوي
يعود تأسيس فدرالية سويسرا إلى 1291 حين تمت المصادقة على الميثاق المؤسس، فيما تم اعتماد أول دستور سنة 1848. على غرار عدد من البلدان، رفضت سويسرا عام 1992 الانضمام إلى الفضاء الأوروبي الاقتصادي، فيما لم تنخرط في الأمم المتحدة إلا عام 2002، وبعد مرور عشرين سنة حصلت على صفة عضو غير دائم في مجلس الأمن.
السلطة في سويسرا، بحسب السفير غيوم، مقسمة إلى 3 مستويات، الفيدرالي والأقاليم (الكانتونات) والبلديات، فالأولى تشمل البرلمان الفيدرالي والمجلس الفيدرالي والمحكمة الفيدرالية وتختص بالعلاقات الخارجية والدفاع والطرق والطاقة النووية، أما المستوى الثاني فاختصاصه يشمل المدارس والمستشفيات والثقافة والأمن والضرائب، في حين تهتم البلديات بالمدارس والمساعدة الاجتماعية والوقاية المدنية.
يسير سويسرا مجلس فيدرالي يضم 7 أعضاء يتم اختيارهم من طرف البرلمان ويسهرون على الشؤون الخارجية للبلاد وتطبيق القوانين المصادق عليها من طرفه، وتتم رئاسة البلاد بشكل دوري بين أعضاء المجلس برسم كل سنة باتفاق مسبق. وتهيمن أربعة أحزاب كبرى على المشهد السياسي منذ عقود.
أما بخصوص السلطة التشريعية، فقد أشار السفير السويسري إلى أنها تضم الجمعية الاتحادية التي تعد القوانين وتراقب عمل المجلس الفيدرالي والمحكمة الفيدرالية، وتضم غرفة المجلس الوطني الممثل للشعب بـ200 عضو، ومجلس الدولة الذي يضم 46 عضوا يمثلون الأقاليم.
اقتصاد سويسرا
يبلغ الناتج الداخلي الخام لسويسرا 782 مليار دولار برسم عام 2021، وهو رقم يعادل 8000 مليار درهم مغربي (اقتصاد المغرب لا يتجاوز 142 مليار درهم)، يمثل قطاع الخدمات 74 في المائة من الاقتصاد، وذلك راجع إلى حجم قطاع البنوك والتأمينات في البلاد، أما الصناعة فتمثل 25 في المائة، فيما لا تتجاوز حصة الفلاحة 1 في المائة، في حين لا تتعدى نسبة البطالة 3 في المائة.
تنتج سويسرا بالأساس المنتجات الصيدلانية والمعادن النفيسة والساعات، غالبية شركاتها بنسبة 99 في المائة شركات صغيرة ومتوسطة توظف أقل من 250 شخصا، وتتميز البلاد بنقاط قوة عدة، منها التنافسية والاستقرار السياسي واليد العاملة المؤهلة ونظام التكوين الجيد.
ترتبط البلاد باتفاقيات تبادل حر مع دول عدة عبر العالم، منها المغرب، وتتواجد شركاتها الكبرى في جميع القارات، على رأسها “نستلي” و”نوفارتيس” و”كريدي سويس” و”هولسيم” و”ريتشمونت”.
وتعتمد سويسرا على نظام تعليمي يضم ثلاثة مستويات، الأولي يبدأ من 4 إلى 12 سنة، ثم الثانوي 12 إلى 16 سنة، ثم العالي من 16 إلى 18 سنة، ويضم المستوى العالي تكوينا مزدوجا يسمى بالتعليم المهني يجمع بين التكوين في المدرسة والمقاولة.
المفارقة تكمن في كون نسبة الساكنة المتوفرة على الإجازة لا تتجاوز 14.5 في المائة برسم عام 2019، وتفسير ذلك يكمن في تفضيل الأغلبية لمسارات توفر التكوين المهني ثم ولوج سوق الشغل، عوض الحصول على البكالوريا والولوج إلى الجامعة.
السياسة الخارجية
يعد الحياد أحد المبادئ الأساسية في السياسة الخارجية لسويسرا، وقد نأت بنفسها منذ زمن عن المشاركة في النزاعات المسلحة، لكن هذا لم يمنعها من تقديم العون والمساعدات لمناطق الحروب والنزاعات، وقد قررت أن تصبح دولة محايدة سنة 1516، بعد سنة واحدة من الهزيمة التي تكبدتها جيوشها في معركة مارنيون الشهيرة ضد الجيش الفرنسي.
مبدأ الحياد من المفاهيم المعقدة في القانون الدولي العام، وهناك اتفاقية تحدد حقوق والتزامات الدول المحايدة، وينص أحد بنود تلك الاتفاقية على أنه لا يحق لدولة محايدة المشاركة المباشرة في نزاع مسلح أو مساعدة أحد الأطراف في النزاع من خلال تزويده بالرجال والسلاح.
في كل ولاية حكومية، يحدد المجلس الفدرالي استراتيجية السياسة الخارجية، وقد تم اختيار “السلام والأمن والاستدامة والازدهار والرقمنة” كمحاور أساسية للفترة 2020-2023. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تركز سويسرا على “السلام والأمن وحقوق الإنسان والهجرة والتنمية المستدامة والدبلوماسية الاقتصادية والمالية والعلمية والرقمنة والتكنولوجيات الحديثة”، وفي علاقتها بالمغرب تهتم بالأساس بمواضيع الهجرة والتنمية المستدامة.
تعمل سويسرا على تسويق نفسها كبلد محايد يسعى للوساطة وتفادي النزاعات بالاعتماد على تاريخها الخالي من العمليات الاستعمارية وتبنيها نظاما ديمقراطيا قائما على التبادل والتوازن والتوافق، وتجربة غنية في التنوع والتعدد الثقافي واللسني.
السفير غيوم عاد لإبراز موقف بلاده من الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث قال إن انضمام بلاده للعقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا لا يؤثر على مبدأ الحياد، لأن الموقف لا يتطلب من بلاده تدخلا عسكريا، كما اعتبر أن ما قامت به روسيا يعد اعتداء عسكريا وخرقا للقانون الدولي.
العلاقات مع المغرب
سنة 2021، احتفلت سويسرا بـ100 سنة من التواجد الدبلوماسي في المغرب، لكن المبادلات التجارية بين البلدين لا تزال ضعيفة، بحيث وصلت حوالي 600 مليون دولار عام 2019، وهو رقم ضعيف مقارنة بالإمكانيات المتاحة، بحسب السفير غيوم.
وخلال الاحتفال بمرور قرن من العلاقات الدبلوماسية، أصدر البلدان بلاغا مشتركا أبديا فيه رغبتهما في تعزيز العلاقات الثنائية وتقوية التعاون، والعمل على تسريع وتيرة زيارات العمل على مستوى كبار المسؤولين، وتنويع المبادلات والاستثمار وتعزيز التعاون في قطاعات الأدوية والمعدات الطبية والصناعات الكيميائية والتكنولوجيات المتطورة والبنيات التحتية للطاقات المتجددة.
معروف أن سويسرا تدعم حلا سياسيا قائما على التوافق لقضية الصحراء المغربية، كما تشيد في كل مناسبة بجهود المغرب “الجادة وذات المصداقية” الرامية إلى إيجاد حل لهذه القضية، وقد سبق أن نفت وجود تمثيلية رسمية لجبهة البوليساريو لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف.
المصدر: وكالات