منذ سنوات، يعيش سكان عدد من مناطق سوس على وقع تبديد محاصيلهم الزراعية، وثمار أشجار حقولهم، واستنزاف مواردهم المائية، بسبب “الرعي الجائر” الذي يمارسه رعاة قطعان هائلة من الإبل والأغنام والماعز يفدون من الصحراء.
ومع بداية فصل الربيع، عاد الرعي الجائر ليتفاقم في سوس، ما حدا بعدد من جمعيات المجتمع المدني إلى دقّ ناقوس الخطر، مطالبة السلطات بالتدخل لحماية ممتلكات السكان، وحمايتهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها.
لحسن بولكراك، عضو جمعية أدرار للتنمية والسياحة الجبلية والبيئية، بنواحي تيزنيت، اعتبر أن الرعي الجائر لم يعد يعصف فقط بالمحاصيل الزراعية للسكان المحليين، “بل أصبح يشكل خطرا حقيقيا عليهم، لأن الرعاة لا يتورعون في مهاجمة السكان بالحجارة ويحملون أسلحة بيضاء”.
وقال الفاعل الجمعوية ذاته إن منطقة أدرار “تعرّضت منذ حوالي أسبوعين لهجوم كبير من طرف الرعاة، حيث اقتحموا الحقول وأتت قطعانهم على ثمار الأشجار، واستولوا على خزانات المياه (المطافي)”.
وأصدرت جمعية أدرار للتنمية والسياحة الجبلية والبيئية “بلاغا استنكاريا”، وصفت فيه الهجوم الذي تعرضت له منطقة أدرار من طرف جحافل الرعاة الرحل بأنه “غير المسبوق”، لافتة إلى أن المنطقة شهدت توافُد سبْع مجموعات كبيرة من القطعان يزيد عدد كل واحدة منها على 800 رأس من الماعز والأغنام والإبل.
ولم يعد الرعاة الرحل الوافدون من الصحراء يشكلون خطرا على ممتلكات الناس فحسب، بل أصبح تحرّكهم يهدد المنظومات البيئية في المناطق التي يفدون عليها، حيث أشار لحسن بولكراك إلى أن قطعان الماشية التي استقرت في منطقة أدرار أتتْ على شجرة أجكال التنينية وعدد من أنواع النباتات المستوطنة التي تزخر بها المنطقة، مضيفا: “هؤلاء (الرحل) لا يحترمون ممتلكات الناس ولا يحترمون البيئة”.
وبالرغم من الأضرار البليغة التي يتكبدها السكان في المناطق التي يتهافت عليها الرحل منذ سنوات والخطر الذي يشكلونه على السلم الاجتماعي، وخوض المتضررين مسيرات احتجاجية في كل من العاصمة الرباط ومدينة الدار البيضاء ووقفات احتجاجية محلية، إلا أن هذه الممارسة ما زالت مستمرة إلى اليوم. ويُرجع متابعون سبب ذلك إلى كون قطعان الماشية التي تأتي على ممتلكات الناس تعود ملكيتها إلى “شخصيات نافذة”.
وإلى حد الآن، ما زال دور السلطة يقتصر على محاولة “تهدئة الوضع” كلما عبّر السكان المتضررون عن احتجاجهم، حيث يتدخل أعوان السلطة والدرك من أجل الحيلولة دون اندلاع مواجهات، دون إقرار حلّ نهائي.
وسبق لممثلين عن السكان المتضررين أن قابلوا رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، عقب مسيرة احتجاجية كبيرة بالرباط، ووعدهم بالعمل على إيجاد حل دون أن يتحقق ذلك حتى الآن.
وتُرجع جمعيات مدنية سبب استمرار معاناة عدد من مناطق سوس من الرعي الجائر إلى القانون رقم 113.13 المتعلق بالترحال الرعوي، الذي اعتبرته “تنسيقية أكال للدفاع عن حق الساكنة في الأرض والثروة” قانونا “تمييزيا وعنصريا يستهدف تدمير البيئة السوسيو-ثقافية لمنطقة سوس، ويرمي إلى تجريد ساكنة هذه المنطقة من أرضها وممتلكاتها عبر استباحتها، في أفق تهجير الساكنة قسرا من موطنها”.
وقالت الهيئة المدنية المذكورة إن منطقة سوس “تُستهدف مجددا بغزو أراضيها من طرف مافيات الرعي المنظم ضد قوانين البلاد”، منتقدة عدم تحرك السلطات المعنية “لوقف هذه الأعمال التخريبية والإجرامية التي تطال أراضي وممتلكات الساكنة”.
وأفاد لحسن بولكراك بأن الرعاة الرحل يتواروْن تاركين أغنامهم عندما تحضر السلطات، قبل أن يعودوا إلى أماكنهم بمجرد انسحابها، مضيفا: “المواطنون لا يطالبون بجبر الضرر عمّا يلحقهم، بل يطالبون فقط بحمايتهم، ووضع حد لهذا المشكل العويص المتمثل في الرعي الجائر”.
المصدر: وكالات
