ما زال الدخول المدرسي الجديد يثير الكثير من الجدل بين الأسر المغربية ومدارس التعليم الخاص، فإلى جانب اشتكاء قطاع واسع من الآباء والأولياء من “غلاء واجبات التسجيل” في هذه المؤسسات، لم يخف آخرون “تذمرهم” من استمرار العديد من هذه المدارس في اشتراط نجاح أبنائهم في رائز تشخيصي لقبول طلبات تسجيلهم، خاصة أن “عدم النجاح في هذا الرائز يخلّف ندوبا نفسية لدى هؤلاء الأطفال تصّل إلى حد تنفيرهم من مدارس التعليم الخاص والعام على السواء”.
ولا يخفي الباحثون المواكبون مجال التربية استغرابهم “هذه الممارسة، طالما أن الدور التربوي لهذه المؤسسات أساسا هو تجويد مستوى وأداء الطفل أو التلميذ المرشح لمتابعة الدراسة بها، عوض التنقيب عن تلاميذ متميّزين من الأـساس”، مشددين على أن مدارس التعليم الخصوصي من خلال هذه الروائز غير القانونية إنمّا تكشف عن أن منطقها تجاري أساسا”.
في المقابل، يعتبر أرباب المدارس الخاصة أن “حالات الإقصاء من التسجيل بناء على هذه الروائز تبقى شاذة”، مشددين أنها “تجد تفسيرها في رغبة المؤسسات بكسب رهان الجودة والتنافسية، عدا عن أنها تصب في مصلحة التلميذ متوسط المستوى بالدرجة الأساس، بحيث تقيه عدم القدرة على مواكبة وتيرة التدريس في قسم يعج بالتلاميذ المتميّزين”.
“منطق تجاري”
محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، عدّ “استمرار اعتماد بعض مؤسسات التعليم الخاص في اعتماد النجاح في الرائز التشخيصي كشرط لا غنى عنه لقبولها تسجيل التلميذ، دليلا على تفوّق المنطق التجاري لدى هذه المؤسسات على كل الضوابط الدستورية والقانونية والأخلاقية الواجب أن تؤطر عملها”، مشيرا بداية إلى أن “دستور المملكة يضمن حقّ كل تلميذة أو تلميذ يستوفي الشروط المطلوبة في الولوج إلى التعليم العام أو الخاص، دون تعرّضه لأي تمييز أو إقصاء، وهو حصّلته مختلف القوانين المنظمة لقطاع التربية والتكوين”.
وأضاف الدرويش، في تصريح لهسبريس، أن “حرص هذه المؤسسات على انتقاء الأطفال ذوي المستوى المعرفي المتميّز والجيّد من بين المرشحين للتسجيل، أمر يحمل على الاستغراب، لأن المفروض من أي مؤسسة قبول التلميذ بصرف النظر عن مستواه لحظة التسجيل، والدور المناط بها أساسا كمؤسسة تربوية هو تطوير الأداء المعرفي لهذا التلميذ وتدارك مختلف التأخرات والنقائص الموجودة لديه في مادة من المواد الدراسية أو على مستوى المهارات الاجتماعية والعاطفية”.
وتابع رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين بأن “هذه الممارسة غير الأخلاقية تهدد بتبعات وخيمة على نفسية الأطفال الذين يتم إقصاؤهم من ولوج مدارس كانوا يحلمون بها أو تمكّن أقرانهم من الولوج إليها، وهو ما يفضي في الأمد القريب إلى تنفيرهم من المدارس في القطاعين العام والخاص، وفي الأمد البعيد إلى تكوين جيل بأكمله مثقل بالعقد المجتمعية والنفسية”.
واعتبر الدرويش، في ختام تصريحه لهسبريس، أن “هذه الممارسة هي استمرار لمجموعة من الانحرافات التي تسجّل هنا وهناك من بعض مؤسسات التعليم الخاص بفعل عدم تجاوب المشرّع المغربي مع مناشدات المجتمع المدني التعجيل بإجراء تعديلات في القانون 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي لمنع مختلف هذه الممارسات”.
“ممارسة شاذة ورهان التنافسية”
هسبريس نقلت هذه المعطيات إلى عبد العزيز بوقدير، رئيس فيدرالية التعليم الخاص المكلف بالتعليم المدرسي الخصوصي، فأكد بداية أن “الأمر يتعلق برائز تشخيصي تجريه مؤسسات التعليم الخصوصي بغرض التعرّف على المستوى المعرفي للتلميذ المرشح لمتابعة الدراسة بها، والاستناد إليه لتقييم مدى تطور هذا المستوى لاحقا، وطالما لا يوجد أي نص قانوني يمنع القيّام بهذا الرائز، فهو قانوني بالنسبة إلينا”، مبرزا أن “فترات إجراء هذا الرائز تختلف حسب كل مؤسسة، وبعضها يستعيض عنه بمقابلات شفوية (La prise de contact)”.
وأوضح بوقدير، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الروائز في أغلب المؤسسات ليست امتحانات إقصائية؛ ما يحدث أن بعض الأسر يُجري أبناؤها هذا الرائز في وقت مبكّر كشهر أبريل على سبيل المثال، ثم تتأخر في إبداء رغبتها في التسجيل في مؤسسة ما للتعليم الخصوصي إلى شهر يونيو أو يوليوز، فلا يتم قبول طلبها بالنظر إلى نفاد المقاعد داخل هذه المؤسسة بفعل طاقتها الاستيعابية المحدودة”.
وشدد المتحدث على أن “العديد من مدارس التعليم الخاص تُضمّن رهانها على التميّز واستقطاب التلاميذ المتميّزين في مشروع المؤسسة، وعند مصادقة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين على هذا المشروع، فإن عدم قبولها بعض طلبات التسجيل يصبح أمرا قانونيا ومشروعا”، معتبرا أن قيّام بعض المدارس الخاصة بإقصاء تلاميذ من ولوجها دون هذه الضوابط، “يتعلّق بحالات شاذة”.
وأضاف بوقدير، في ختام تصريحه لهسبريس، أن “المؤسسات التي لا تقبل تسجيل تلميذ كرّر في مؤسسة أخرى أو أبان في الرائز عن مستوى متوسط، هي في نهاية المطاف تحتكم إلى رهانها على التنافسية والجودة”، مشددا على أن “هذا يصب أيضا في مصلحة التلميذ، إذ في حال ألحق بقسم أغلب تلامذته متميّزون، فلن يستطيع مواكبة وتيرة التدريس بهذا القسم”.
المصدر: وكالات