لم تكن كلمة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الجمعة، بمناسبة انعقاد القمة التاسعة عشرة لحركة عدم الانحياز الجارية أشغالها بالعاصمة الأوغندية كمبالا، لتمر دون مهاجمة المغرب؛ ليأتي بذلك مضمون الكلمة منافيا للفلسفة التي تنبني عليها هذه الحركة.
ودعا تبون في كلمته، التي تلاها نيابة عنه الوزير الأول نذير العرباوي، إلى دعم ما أسماه “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”، مضيفا كعادته أن “الشعب الصحراوي سلبت منه أراضيه وتنهب ثرواته في تعارض مع القانون الدولي”، وفق تعبيره.
ويبدو أن هذه السردية الجزائرية التي تعادي المغرب ووحدته الترابية لا تريد أن تفوت أي محفل دولي دون التحامل على الإنجازات الملموسة التي حققتها الرباط على مستوى قضيتها الأولى المتعلقة بتدبير النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، في وقت استطاعت فيه المملكة إقناع عدد من دول العالم بجدية رؤيتها التي بلورتها في إطار مخطط الحكم الذاتي الذي طرحته كحل واقعي قبل حوالي 17 سنة.
تراكم الخيبات
عباس الوردي، أكاديمي خبير في العلاقات الدولية، قال إن “كلمة الرئيس الجزائري ضد المغرب تعد نتاجا طبيعيا لمسلسل الخيبات التي حصدتها الديبلوماسية الجزائرية خلال الآونة الأخيرة، وهي كذلك خروج عن القواعد المؤطرة لاشتغال حركة عدم الانحياز التي لها تاريخ طويل وضوابط محددة ومؤطرة”.
وأضاف الوردي، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا الخطاب يحمل مجموعة من المغالطات؛ ذلك أن قرارات مجلس الأمن لم تعد تتحدث عن شيء اسمه تقرير المصير أو الاستفتاء الحر، والرئيس الجزائري مدعو بشكل أولي إلى إحصاء ساكنة مخيمات تيندوف”، مشيرا إلى أن “المنتظم الدولي بات مسؤولا عن العبث الجزائري بمستقبل الأجيال عبر احتضان البلاد حركة انفصالية داخل ترابها، إلى جانب احتجازها عددا من المواطنين والتنكيل بهم وتعذيبهم”.
وأوضح المتحدث أن “انحدار الأسلوب الديبلوماسي للجزائر في عهد تبون يبين مجددا مدى سعي هذا الرئيس إلى ضمان ولاية رئاسية ثانية، وضمان رضا القيادة العسكرية الجزائرية”، ذاكرا أن “الحديث بلغة العنجهية والعدوانية يظهر نوعا من عدم التقبل الجزائري للتقدم المغربي في المجال الديبلوماسي”.
ونادى الوردي بـ”العمل على عدم تحويل حركة عدم الانحياز إلى بوق يستثمر فيه النظام الجزائري عداءه تجاه المملكة بعد أن أُغلقت في وجهه منصات أخرى، بالنظر إلى أن هذه الحركة تضم مجموعة من الأعضاء المحترمين”.
حري بالذكر أن القمة أكدت في ختام أشغالها بكمبالا، على دعمها للمسلسل السياسي الأممي المتعلق بالنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، بهدف التوصل إلى “حل سياسي مقبول لدى الأطراف”.
استراتيجية متهالكة
البراق شادي عبد السلام، خبير في تدبير المخاطر وتحليل الصراع، أفاد بدوره بأن “معاكسة مصالح المغرب ووحدته الترابية أصبحت عقيدة ديبلوماسية جزائرية قابلها المغرب باستراتيجية التطويق الإقليمي والحصار الديبلوماسي للبوليساريو في مختلف المحافل الدولية، إلى جانب العمل على تعميق العلاقات الثنائية مع مختلف الدول والمؤسسات والمنتديات الدولية، وتنويع الشركاء الاستراتيجيين كذلك”.
وأكد البراق، في تصريح لهسبريس، أن كلمة الرئيس الجزائري خلال أشغال قمة عدم الانحياز، التي تلاها وزير خارجيته، خصوصا عند مهاجمته المغرب، “تعبر عن فعل لا علاقة له بالواقع السياسي والديبلوماسي العالمي، وتعكس فشل الجهاز الديبلوماسي الجزائري في تقدير موقف واقعي وموضوعي متناسب مع التغيرات الجيو-سياسية الكبرى التي يعرفها العالم اليوم”.
ونبه الخبير في تدبير المخاطر وتحليل الصراع إلى “محاولة الجزائر تحويل حركة عدم الانحياز بمبادئها النبيلة إلى منصة لاستهداف المصالح العليا المغربية، في ظل ما تبديه المملكة من صمود في ديبلوماسيتها ووضوح في مواقفها وثبات في التزاماتها تجاه المجتمع الدولي”، خالصا إلى أن “هذا الفعل الجزائري يبين استراتيجية متهالكة يتم اللجوء إليها للتضييق على الديبلوماسية المغربية”.
المصدر: وكالات