في تناقض صارخ آخر ما بين المواقف التي تعتبر عنها والسياسة التي تمارسها، أكدت الدولة الجزائرية، أمس الاثنين، على لسان الرئيس عبد المجيد تبون، خلال خطاب أمام البرلمان، أن تبني ودعم بلاده المستميث لما يسمى بـ”القضية الصحراوية”، التي اعتبرها “قضية مطروحة على طاولة لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة”، لا ينطوي على أي كره تجاه “الأشقاء المغاربة”؛ وهو ما اعتبره متتبعون تناقضا صارخا ومحاولة للالتفاف على الضغوطات التي تتعرض لها الجزائر لتصفية هذا الملف، خاصة من جانب واشنطن.
ولم ينتظر الرئيس الجزائري مدة طويلة ليعيد في الخطاب نفسه تأكيد تمسك بلاده بمواقفها المعروفة فيما يخص النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ليسجل أن بلاده “ستعمل على لعب دورها في مجلس الأمن لصالح الأشقاء ولصالح الأمة العربية”، في إشارة واضحة إلى عزم الجزائر استغلال المقعد غير الدائم الذي ستشغله في مجلس الأمن ابتداء من السنة المقبلة من أجل ضخ دماء جديدة في أطروحة البوليساريو الانفصالية التي خفت بريقها في السنوات الأخيرة أمام اقتناع المنتظم الدولي بعدم جدية قصر المرادية ومعه الكيان الوهمي في التوصل إلى حل لهذا النزاع.
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال وليد كبير، صحافي جزائري معارض، إن “ما ورد في خطاب تبون أمام البرلمان بخصوص ملف الصحراء المغربية ينطوي على تناقض صارخ في الموقف الرسمي الجزائري تجاه هذا الموضوع، ثم إن الكل يعلم جيدا ما قام به هذا النظام منذ أكثر من نصف قرن للمس بالسيادة والوحدة الترابية المغربيتين”، متسائلا: “إذا لم يكن هذا كرها فكيف يكون الكره الحقيقي للمغرب؟”.
وأضاف كبير أن “النظام الحاكم في الجزائر يحاول أن يُغالط العالم والرأي العام الوطني والدولي من خلال محاباة المغاربة وممارسة نوع من التضليل بشأن مواقفه الحقيقية من هذا النزاع”، مسجلا في الوقت ذاته أن “خرجة تبون وتصريحه بشأن ملف الصحراء يؤكد عدم جدية هذا النظام في الوصول إلى تسوية لهذا الملف واستمرار تشبثه بالمواقف المتعنتة التي لم تعد تواكب طبيعة التحولات الجيو-سياسية والاستراتيجية في المنطقة وفي العالم ككل”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “النظام إنما يحاول أن يُظهر للجزائريين أنه لا يكن أية عداوة للمغاربة؛ في حين أن هذا النظام هو العدو الحقيقي للشعب الجزائري نفسه ولكافة الشعوب المغاربية والمنطقة ككل، ولا أدل على ذلك سلسلة الأزمات التي افتعلها مع عدد من الدول آخرها مالي”، مشيرا إلى أن “تصريح تبون وادعاء عدم عداوته النظام للمغرب ربما يأتي في سياق التحركات الأمريكية الأخيرة من أجل الضغط على الجزائر للوصول إلى حل دائم وواقعي لهذا النزاع، وبالتالي فإن الرجل ربما حاول بعث إشارات في هذا الصدد”.
عباس الوردي، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “خطاب تبون كان قد تضمن مجموعة من النقاط التي أراد الرجل إثارتها، وتعمد ذلك من أجل طمأنة المؤسسة العسكرية بشأن توجهه إيذانا بتقديم أوراق اعتماده لولاية ثانية على رأس مؤسسة الرئاسة في البلاد”.
في الصدد ذاته، أشار الوردي إلى أن “حديث تبون عن ما أسماه تصفية استعمار وأن ملف الصحراء المغربية مطروح أمام اللجنة الرابعة ينطوي على تجاوز كبير لاختصاصات الأمم المتحدة؛ ذلك أن هذه اللجنة لم تعد تتحدث عن ما يسمى تقرير المصير، لافتا إلى أن “جميع قرارات مجلس الأمن نفسها لم تعد تشير إلى هذا المفهوم؛ بل تكرس تفوق وسمو مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب”.
وأوضح الأستاذ الجامعي ذاته، في تصريح لهسبريس أن “إنكار الرجل لكره نظامه للمغرب تدحضه الأحداث والوقائع التي حاولت معها الجزائر في أكثر من مناسبة معاكسة اختيارات المغرب وخياراته الإقليمية والدولية ومحاولاته لثني مجموعة من الأطراف الدوليين عن مسايرة الدينامية التي تشهدها قضية الصحراء المغربية”، مسجلا أن “المغرب ظل وما زال يمد يده إلى الجزائر من أجل تجاوز الخلافات والتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات فيما بين البلدين؛ غير أن الطرف المتعنت هو النظام العسكري الجزائري”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “الرباط ظلت تؤكد أن لا خلاف لها مع الجزائر؛ ولكنها تؤكد وتشدد في الوقت ذاته على ضرورة عدم التدخل في شؤونها الداخلية أو مضايقة مصالحها الخارجية خدمة لأجندة معينة”، معتبرا أن “المملكة لم يثبت يوما أنها تدخلت في شأن سيادي جزائري؛ بل حاولت النأي بنفسها عن ذلك وفي عز التوتر والأزمة الدبلوماسية بين البلدين”.
المصدر: وكالات