يتواصل بالمغرب، في الأشهر الأخيرة، بشكل لافت للانتباه اهتمام القطاعات الحكومية والمؤسسات الدستورية بالذكاء الاصطناعي. والتحق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالركب، وأعلن إطلاق استشارة مواطنتية حول الموضوع لاستقاء آراء المواطنات والمواطنين حول تطوير الذكاء الاصطناعي بالبلاد.
وتهدف الاستشارة التي فتحها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في إطار إعداده رأيا حول الذكاء الاصطناعي في المغرب، إلى استقاء تمثلات المواطنات والمواطنين حول الفرص والرهانات المرتبطة باستخدام هذه التكنولوجيا في مختلف المجالات.
وأوضح المجلس، الذي يرأسه أحمد رضا الشامي، أن من شأن إجابات المشاركات والمشاركين في الاستشارة أن تساهم في إغناء التحليلات والتوصيات بشأن موضوع الذكاء الاصطناعي.
ويعكس انكباب المؤسسات المغربية الرسمية، بمختلف أنواعها، على دراسة موضوع الذكاء الاصطناعي رغبة جامحة لدى المملكة في استدراك ما يمكن استدراكه، واللحاق بركب الدول التي حققت تقدما مهما في هذا المجال، والسير على خطاها في استثمار الفرص الكبيرة التي تتيحها التقنيات الجديدة.
وتعليقا على هذا التوجه، قال محسن لخديسي، الأستاذ الجامعي والخبير في الذكاء الاصطناعي، إن الاهتمام المتزايد للمؤسسات الحكومية والدستورية بالذكاء الاصطناعي والتحديات التي يطرحها “ينبغي أن يكون ضمن أولويات أي عمل حكومي”، مبرزا أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي “ليس وحده من أطلق استشارة في هذا المجال، بل هناك أيضا تحركات مماثلة على مستوى المؤسسة التشريعية، وهناك أيضا اهتمام من طرف مختلف المؤسسات والقطاعات الحكومية على غرار الوزارة المنتدبة لدى رئاسة الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي ووكالة التنمية الرقمية”.
وأضاف لخديسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الذكاء الاصطناعي “يطرح نفسه بقوة ولا يمكن تجاهله أو القفز عليه، إذ يفرضه الواقع والتطورات التي يعرفها المشهد العالمي من خلال ظهور مجموعة من التطبيقات والبرامج ذات الصلة”، لافتا إلى أن العديد من الدول “قامت منذ سنوات بوضع وتطوير استراتيجيات خاصة في هذا الصدد، كانت أولاها الولايات المتحدة في أوائل سنة 2016، قبل أن تتبعها مجموعة من الدول الغربية على غرار فرنسا وبريطانيا”.
وأشار إلى أن بعض هذه الدول عمدت إلى إنشاء هيئات خاصة بجمع البيانات والذكاء الاصطناعي “لكون الموضوع لم يعد ينطوي فقط على رهانات تكنولوجية محضة، بل أيضا على رهانات مجتمعية، أخذا بعين الاعتبار تأثيره على مختلف مناحي الحياة ذات الأولوية كالتعليم والتشغيل”، مشددا على ضرورة أن “تشتغل الحكومة المغربية بدورها للاستفادة من هذا الأمر في إطار مؤسساتي يتجاوز المستويات المركزية، ليشمل أيضا المستويات الترابية، سواء على مستوى الجهات أو الأقاليم أو المدن أو حتى القرى”.
وتابع موضحا أن طبيعة الاشتغال الحكومي والمؤسساتي “يجب أن يكون في إطار مندمج والتقائي على مستوى الاستراتيجيات المعتمدة لضمان النجاعة، من جهة، وتفادي تعارض البرامج أو تكرارها، من جهة أخرى”، مسجلا أن المغرب ما زال “لم يطور استراتيجية خاصة وموحدة، رغم أن الذكاء الاصطناعي أصبح قطاعا قائما بذاته، بل قطاعا منتجا ومشغلا ومصدرا للثروة والقيمة المضافة”.
وختم لخديسي تصريحه قائلا إن الاستثمارات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي “لا ترقى إلى مستوى التطلعات، وإلى طبيعة الاستغلال العالمي والتطورات المتلاحقة التي يشهدها هذا المجال، والتي تتطلب مواكبة دورية من خلال الاستثمار”، مشيرا إلى أن المملكة “تمتلك قدرات مهمة في هذا الجانب من خلال كفاءات وشركات وطنية مصدرة للحلول، وبالتالي وجب استغلال هذه القدرات من أجل الانخراط في هذه الدينامية العالمية التي بدأت ترسم معالم المشهد العالمي في مستويات عديدة”.
المصدر: وكالات