بعنوان “ولد حبيبتي.. إعلامي بالصدفة.. حظ يعقوبي”، صدرت للإعلامي عبد المجيد الحمداوي سيرة تؤرخ في أزيد من ثلاثمائة صفحة جزءا من تاريخ المهنة بالبلاد، ومسار حياة مغربية؛ انطلقت من “حي يعقوب المنصور بالرباط، مرحلة الطفولة الشقية الطائشة”، وصولا إلى “مرحلة تقاعد غير مريح”، مرورا بـ”مطبات شقاء الحياة الجامعية بداية الثمانينات، وتداعياتها على مسيرته المهنية والأسرية.”
يجمع كتاب “ولد حبيبتي” بين الامتنان والعرفان للأم المغربية التي تحملت مشقة التربية، وضحّت رغم تقلبات الزمن من أجل إسعاد الأبناء، وبين “صفات أشباح الظلام المقززة لمشاعر كل طالب وإعلامي ورب أسرة”، وهو كتاب بأسلوب كاتبه، “يعكس تمرد أبناء الأحياء الشعبية على الجهل والأمية والفقر والفساد، بالنضال أو بالعلم أو هما معا”، ويشخص مرحلة الانتقال من “مكاتب الجريدة الرتيبة” إلى الاشتغال في دواوين وزراء، للقطع مع “ارتياب الرفاق” و”شكوك النفاق السياسي والمهني”، علما أن آثار بعضها “لازالت بيننا حتى اليوم”.
يقدم هذا الكتاب “رسالات الفضيلة والصبر، بشهادة نساء ورجال السياسة والإعلام والمجتمع المدني، مرتكزا على الذاكرة لاختزال مسار طويل في فصول متدحرجة، استقامت فيها طفولة من أدغال يعقوب المنصور بالرباط، انعطفت في سن الرشد بمراوغات شيطانية ثم انزلقت في معمعة حركة طلابية كادت أن تحول صاحبها إلى كعكعة في فم أشباح الظلام”، وفي وقت متقطع صامت، يهيم الإعلامي “متأملا في مقاصد عبارات ضخمة نظير الديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات، وتداعياتها في سنوات الرصاص، ورغم ما بذل الصحفي من جهد مضني، متجنبا الأفكار المرتبطة بالإيديولوجيات التي تخلق المتاعب، لم تشفع السنين المتعاقبة للتألق أكثر.”
ويذكر العمل الجديد أنه قبل الإحالة على التقاعد، “هبت رياح متقلبة على شاب مراهق اكتمل تعليمه الإعدادي والثانوي، إما بصدفة طائشة أو حظ تائه، ثم ولج أبواب جامعة حارقة، فبدأت قصة محنة طالب في سنته الأولى مع رجال الظلام. شق الطالب طريقا مليئا بالمنعرجات، فياضة بمقالب ودسائس الحاقدين والناقمين، وفي زمن ما يعرف بأحداث “كوميرة” وجد الطالب اليافع نفسه في حضن الممنوع في السياسة، قادته إلى جوار نيرانها. من لائحة رفاق الشهداء بكلية الاقتصاد بالرباط خرجت من رحم يسار هو خط أحمر عند حماة مقدسات الوطن، يخترق بوابة إعلام يميني ثم يشارك في لعبة ديمقراطية، كسب فيها الخزي والعار ولم يكسب منها مقعدا انتخابيا.”
لكن، “بالرغم من هلاك الزمن وضيق الحاجة”، كسب بالصبر مقعدا في دواوين وزراء وختم تقاعده مديرا للنشر لموقع إلكتروني، ورئيسا لتحرير جريدة الحركة بمباركة قيادة الحزب الجديدة، “عائدا إلى أصله بعد أن فُصِل منها مكرها”، محاولا الحصول على دكتوراه في الاقتصاد وفي مشواره الإعلامي.
وبتعبير الكاتب، “لا يلهث وراء الكتابة والتدوين سوى إعلامي مجنون بعشق صاحبة الجلالة، تاه بين تفاؤل فرصها وتشاؤم حظوظها ووضع موطئ القدم على مساحة من ورق لسرد رواية شاقة، وبلهفة ينبش وبلا حدود في تربة الذاكرة. في زحمة تلاطم الأحداث ومرارة الأذواق، ترجم ما يدور في الخيال إلى لحظات تجسد وقائع على أرض سطح الواقع”.
وعبد المجيد الحمداوي، “إعلامي بالصدفة” بتنوع صفاته، يعرّف نفسه بأنه “اشتغل بعد سقوط طالب ذي مرجعية فكرية شيوعية في الصحافة المكتوبة تحت سلطة المراقبة، وأخرى مستقلة فقط في تلوينها وإلكترونية احتراما لعصرها، كان ولعه الصحافة منذ أواخر الثمانينات، وعشق تحدياتها وعثراتها إلى حد الجنون، فناور أهلها لبلوغ أهدافها وطارد نحس أشباحها بالمراوغة في دروبها، تعلم في زمن القيم والفضيلة والصدق على أيدي الأقلام الذهبية والأفكار الثاقبة وأصحاب مبادئ شرف المهنة وأخلاقياتها، ليواصل على درب الكتابة، لإيصال رسالة إعلامي لكل من يهمه الأمر، من صحافيين وسياسيين وحقوقيين ورجال الدولة.”
ويتابع: “لكن، شرارة التحدي في جعبة الإعلاميين صامدة إلى الأبد، حيث في دروب هذا الكتاب المختلفة وبأحداثها ووقائعها المتنوعة، رقصت أنامله في محطات عابرة وغابرة على حبل الحظ والفرصة لكي يقدم عبد المجيد الحمداوي رسالة “الإعلامي السياسي” ضمن من تكبدوا في زمن خنوع الحريات، للتخفيف عمن كان ضحية التضحيات.”
وفي شهادة أمين زروال، رئيس تحرير سابق، حول تدوين هذه التجربة المهنية، قال إن مبعث سروره “هو تفكير الحمداوي في تسجيل تجربته ليستفيد منها جيل الصحافيين الشباب، إذ خلافا لما عليه الأمر في كثير من الدول العربية، وخاصة المشرقية منها، فإن قلّة من جيل الصحافيين المغاربة القدامى دونوا تجربتهم في مذكرات.”
المصدر: وكالات