أن يصل الفريق الوطني المغربي لكرة القدم إلى نصف نهاية كأس العالم، شيء قد لا يحدث سوى مرة في القرن بالنسبة للدول التي لا تمتلك صناعة احترافية كروية، فالبرازيل وألمانيا وإيطاليا والأرجنتين لا تفاجئ أحدا حتى بالفوز بهذه الكأس أكثر من مرة، لأنها متمرسة، وأحيانا متخصصة (إسبانيا وإنجلترا تمتلكان أعظم الدوريات العالمية لكنهما غير متخصصتين في ربح كؤوس العالم)، وهذا يدل على أن الفريق الوطني حقق المستحيل إذا أخذنا بعين الاعتبار مستوى الاحتراف في البطولة الأولى والثانية، والعقلية الهاوية عند المدرب واللاعب والمسير في المغرب.
ومن ثمّ، يمكن فهم الانفعال الجماهيري الكبير الذي عبر عنه المغاربة، حتى أصبح العلم الوطني يشترى في الداخل والخارج، والنشيد الوطني يتردد على لسان العرب والعجم، وغدا المغرب هدفا للبحث عند أمم لم تسمع من قبل بوجودنا.
كلام جميل، لكن “حتى زين ما خطاتو لولا” كما يقول المثل المغربي، وهنا أطلب من المغاربة أن يخرجوا من الحلم وينزلوا إلى الواقع لنرى الحس الوطني الثابت كيف هو وما هي مظاهره، عند الغني والفقير، صاحب الجاه والسلطة والذي ليس له سوى الله وحده، عند المسؤول عن حكومة والمسؤول عن وزارة والمسؤول برلمانيا أو مستشارا جماعيا، عند البائع والفلاح والصانع والحِرَفي، عند كل من يردد بلا حياء “الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري”، كيف هو الحس الوطني عند هؤلاء وغيرهم؟
نأخذ مثلا مجلسا جماعيا لمدينة كبيرة، فنجد أن المستشارين قد انقلبوا على الرئيس أو الرئيسة وهم يشكلون الأغلبية، لأنهم لم يتوصلوا بما وُعدوا به من الكعكة، ملايين “صحيحة” أو على الأقل سيارات فاخرة تتجاوز الأربعين مليونا، وأنا العبد الضعيف صاحب النية الحسنة ظللت أعتقد أن هؤلاء يعرقلون المصادقة على الميزانية من شدة حسهم الوطني وخوفهم على المال العام.
نعم الجماعة الفلانية ستشتري 50 شاحنة لنقل الأزبال بحكم اشتراكها مع شركة خاصة في هذا القطاع، يقوم رئيس الجماعة فيطلب كوميسيون من ممثل شركة شاحنات، 7 ملايين حلاوة عن كل شاحنة، لماذا يفعل ذلك؟ لأنه ملّ من نباح المستشارين الذين يريدون “زطهم” من كل صفقة. أين الحس الوطني؟ والجماعة الفلانية يُسكت الرئيس فيها أغلبيته بالسفريات أو بونات الوقود بلا حساب وهلم تخريبا للبلاد والعباد.
تجد مسؤولا وزاريا يتبجح بماله وجاهه ناسيا أنه شخصية عمومية ملزمة بإعطاء المثال عن التفاني في حب البلاد ونبذ مصالحه الشخصية، كم في قلبه من مرض العظمة وكم من الصدق في حب البلاد؟ وتجد آخر لا يستحيي من جعل منصبه أداة لحفظ أعماله وتزكيتها غير عابئ بكون المال لا يجتمع أبدا بالسلطة إلا محا كل حس وطني لتحل محله نرجسية مريضة مستعصية على التشخيص. وهذا غيض من فيض.
هؤلاء المراهقون الذين يحرقون الأخضر واليابس قبل المباراة وبعدها هل يمتلكون حسا وطنيا؟ آسيدي كاع لا تهز العلم الوطني وكاع لا تحفظ النشيد الوطني، فقط عبّر عن حسك الوطني والحضاري بتوقير المرافق والمؤسسات وأملاك الشعب ونحن نضعك في قمة الوطنية والحس الحضاري.
فلنتوقف إذن عن ممارسة هذا النفاق الذي يخلط الأوراق ويعمي الأبصار عن حقيقة لا يريد أحد أن يدقق النظر في ملامح وجهها القبيح.
المصدر: وكالات