تفعيلا لمشروعها “وجوه الفكر المغربية والدولية”، الرامي إلى الاحتفاء بمن قدموا خدمات فكرية جليلة لأوطانهم وللإنسانية جمعاء، تحتفي أكاديمية المملكة المغربية بإرث العلامة المغربي الراحل عبد الله گنون، في ندوة تكريمية انطلقت أشغالها مساء أمس الثلاثاء في مقر الأكاديمية بالرباط، وتُستكمل يوم الخميس في قصر مولاي عبد الحفيظ بمدينة طنجة.
عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، نوّه، في الكلمة الافتتاحية لندوة تكريم العلامة عبد الله گنون، إلى أن سنّة تكريم أعضاء الأكاديمية، ووجوه الفكر المغربية والدولية، “ليست مجرد نسخة تقليدية لأدب الاعتراف، بل هي إلى جانب ذلك تنزيل لأهداف الهيكلة الجديدة المتعلقة بإعادة تنظيم أكاديمية المملكة المغربية العاملة على تنمية البحث العلمي وتطويره وتكريم الشخصيات المرموقة، والأعمال العلمية والفكرية المتميزة”.
وأضاف أن أكاديمية المملكة المغربية تهدف أيضا، من خلال الاحتفاء بأعضائها، إلى تقديم قراءات جديدة في حفريات مخزون الذاكرة الوطنية والاستفهامات الفكرية المتميزة التي أنار بها هؤلاء الأعضاء سبل النهوض والتطور للمجتمع المغربي، مردفا بأن هؤلاء “سيظلون أحياء في قلوبنا وخالدين في ذاكرتنا الوطنية لما أنتجوه من نفائس ودرر جديرة بتقديم فهم عصري لها”.
وارتأت أكاديمية المملكة المغربية وسْم ندوتها التكريمية لعضوها الراحل عبد الله گنون بعنوان “الوجه المكنون في آثار عبر الله كنون”، انطلاقا من كون مدنية الأمم ورسوخ نهضتها “لا تقاس بكثرة بنيانها بل بقدر اللافتات المضيئة التي يضعها المفكرون الوطنيون والمصلحون في طريق تطورها، وبدرجة منسوب الوعي الذي يعززون به جهاز مناعة أبنائها في مواجهة تحديات ظواهر التغريب والتقليد والتشكيك في الثوابت الهوياتية للمجتمع”، يردف الحجمري.
واستطرد بأن گنون حمل لواء التحرر من كل آفات التبعية والاستلاب، وكان من زمرة المفكرين الذين وضعوا لبنات مشعّة لمشروع نهضوي متميز قوامه تحصين الذات الثقافية والهوية الحضارية، وترسيخ قيم الولاء للوطن وتراث الأمة وعقيدتها، مسائلا شروط الانعتاق من سجون العقل والنقل مع رواد الإصلاح في المشرق.
وأردف أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية بأن العلامة المغربي گنون، الذي عاش من 1908 إلى 1989، كان مناضلا وطنيا، وفقيها ومفكرا إسلاميا، وعالما لغويا، وناقدا وشاعرا، ومؤرخا أدبيا، ومحققا تراثيا، ومُصلحا اجتماعيا، ومعلما تربويا.
ونوه إلى أن الباحث المتأمل في خطاب العلامة عبد الله گنون “لا يجد عناء في الوقوف على نهر متدفق من عطاءات مشعّة جعلت رسالة تجديد الفكر الديني والدفاع عن استقلال الوطن وسيادته، وتصحيح افتراءات المتحاملين على ديننا وتراثنا، مرتكزا رئيسا لمشروعه الوطني الفكري”.
وواصل بأن الراحل “عمل في مؤلفاته على تعزيز الثقة في ذاتيتنا الثقافية، وهويتنا الحضارية، وإبراز نبوغنا الذي لا يقل عن نبوغ غيرنا”.
وختم أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية شهادته في حق عبد الله گنون بالقول إن رؤيته الوطنية الرحبة جعلته يرى أن الوطنية لا يمكن اختزالها في مدينة مغربية واحدة، ولم تقف الدعوة الوطنية عنده عند حدود التحرر الفكري والوطني من الهيمنة الاستعمارية، بل دعا إلى التحرر من القابلية للاستعمار، وحارب الوجوه الوطنية التي تحمل قلوبا استعمارية.
وعدّ الحجمري عبد الله گنون “من المفكرين الإصلاحيين الداعين إلى تحرير العقل من قيود التقليد، وتصحيح الصور النمطية المسيئة، مؤكدا حضانة الإسلام لأرقى القيم الإنسانية، مؤمنا بالتكامل والتعايش بين العقل والدين والهوية والعالمية”.
المصدر: وكالات