قالت جماعة العدل والإحسان إنها “مع إصلاح وطني توافقي لمدونة الأسرة”، بشرط أن يكون “غير متناقض مع الثوابت الدينية في شرعنا الإسلامي الحنيف، ويدار بشكل ديمقراطي ويخضع لنقاش مجتمعي وعمومي شفاف ومسؤول، بإشراك العلماء إلى جانب باقي المتخصصين، ويرتكز على إعلام في خدمة الأخلاق والقيم؛ وغير غافل عن تكامل المجالات التربوية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل إصلاح، ومستفيد من كل حكمة بشرية نافعة، وغير خاضع لإملاءات أجنبية”.
جاء هذا بعدما دعا الملك وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة إلى “إعداد هذا الإصلاح المهم (لمدونة الأسرة) بشكل جماعي ومشترك”، عناية بـ”قضايا المرأة والأسرة بشكل عام”، بتشارك “بشكل وثيق” مع المجلس العلمي الأعلى والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والسلطة الحكومية المكلفة بالإدماج الاجتماعي والأسرة، وانفتاح على هيئات المجتمع المدني والباحثين والمختصين، في ظل سقف “ألا يحل ما حرم الله، وألا يحرم ما أحل الله”.
ويرى مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان أن الحديث الجديد عن تعديل مدونة الأسرة يأتي “في سياق الكلام هنا وهناك عن اختلالات في بنية منظومتها القانونية، دون تقديم أي تشخيص دقيق ونزيه، ينشر للعموم، ويظهر بالأرقام حجم هذه الاختلالات وتصنيفها حسب المجالات والأهمية”.
وترى “الجماعة” أن من الأعطاب الكبرى “اختزال أحوال المرأة والأسرة والطفل في الصيغة القانونية للمدونة، وتجاهل مسؤولية الدولة عن الصعوبات الكبيرة التي تعيشها هذه الفئات، الأمر الذي يؤدي إلى إشكالات عويصة داخل الأسر”، و”غياب نظام تربوي تعليمي يغرس في المتعلمين والمتعلمات الأخلاق والقيم التي تؤهلهم لبناء أسر يسودها التراحم والتواد والتياسر، ونبذ العنف والنرجسية والتنافر”، و”الاختلالات الفظيعة التي مازال يعانيها القضاء عموما”، وتؤدي إلى “التطبيق غير العادل لأحكام المدونة، سواء بصيغتها الحالية أو بأي صيغة أخرى”.
وعبرت “الجماعة” عن قلقها من كون “بعض الأطراف التي أسند إليها الإشراف على ‘الإصلاح’ الحالي معروفة بعدم حيادها وبنشوز مواقفها الإيديولوجية، وذلك على حساب العلماء الأتقياء الصادقين الذين ينبغي أن تكون لهم الكلمة العليا والحاسمة في الموضوع”، في إشارة إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
وذكرت الجهة ذاتها أنها تؤكد على “الدور الرئيسي للعلماء”، لأنها تعتبر “الاعتصام بالمرجعية الإسلامية منطلقا من شأنه أن يكسبنا وضوح الرؤية، وثبات الخطى، وسلامة التقدير، وأن هذه المرجعية ليست مجرد منطلق للتقارب والتفاهم بين المسلمين من أبناء الوطن الواحد فحسب، بل تمثل القاسم المشترك، والمنطلق المؤسِّس، والمسلَّمة التي لا نتصور نجاح أي نقاش عمومي حول تعديل المدونة خارج دائرتها (…) فالإسلام دين هذا الشعب الكريم عانقته فطرته، وسمت به روحه، واختلطت به تاريخيا حضارته وثقافته، وتحقق به مجده، وحافظ به على هويته ووحدته في إطار تنوع يشهد له التاريخ، ولم يكن يوما مصدر تنازع وفرقة وتشرذم”، وزادت: “المرجعية الإسلامية إذن ليست محصورة في القوانين؛ بل هي مشروع نهوض وبناء، وحقوق وتكريم للإنسان والشعب والأمة، للمرأة والرجل على حد سواء، بلا تفريق في الحقوق والواجبات، إلا ما خص الله به أحدهما من أحكام ومسائل تتناسب وطبيعة التكليف وأغراضه ومقاصده”.
ورفضت “العدل والإحسان” كل اقتراح “يتناقض مع المرجعية الإسلامية”، مضيفة: “الاجتهاد المتخصص من داخلها فيه فسحة للإجابة عن كثير من الإشكالات والمعضلات، ولا مجال نهائيا للتنازل عن أي حكم قطعي جاءت به شريعة الإسلام. ونقول بالاجتهاد المتخصص والمسؤول لأنه من السهل أن تأتي بالشاذ من كل مذهب لتجد نفسك في نهاية المطاف خارج إطار أي اجتهاد وأي التزام بأساسيات الدين. فمن الجنايات التاريخية على هذا الدين العظيم في كثير من الحالات اعتماد المنطق التبريري والتلفيقي الذي يشوه أحكام الدين، ويستجيب لما تستهويه الأنفس المريضة، ويفرز اختيارات لا هي بقيت في دائرة الشرع ولا هي قدمت إجابات وافية بالمطلوب”.
وقدّرت “الجماعة” أن “منطلق التعديل اليوم في المدونة ينبعث من إرادتين، إرادة تريد الإصلاح وتؤمن به وتدعمه الغالبية الساحقة من هذا الشعب، من أجل تجاوز أي خلل وإدخال كل تحسين على الموجود، وإبداع كل تجديد في إطار ثوابت الدين الإسلامي وخصوصيات المجتمع المغربي الحضارية والثقافية، وترى أن الإصلاح في هذا المجال ينبغي أن يكون عاما لكل أحوال الأسرة وبكل مكوناتها، المرأة والطفل والرجل، وبكل مجالاتها المتداخلة، من بيئة اجتماعية سليمة، ومن رعاية كافية للمعوزين من أبناء الشعب، ومن إعلام هادف لمصلحة البناء الاجتماعي المتماسك، وتعليم ضامن لنقل الأخلاق والقيم البانية من جيل إلى جيل”.
أما ثانِيةُ الإرادتين فـ”فاسدة مفسدة لأقلية تستقوي بالسلطة وبالدعم الخارجي، وتريد أن تصبغ بفسادها كل المجتمع، معادية لكل خلق كريم ولكل حياء متأصل في هذا الشعب، وتريد أن تعلنها حربا ضروسا داخل الأسر المغربية من خلال محاولات رفع الجرم عن الفساد في علاقة الرجال بالنساء، وجعل الأسر، والعياذ بالله، بين خيارين إما أن تكون أوكارا للفساد وشيوع الرذيلة وانتشار الفاحشة، أو ميدانا للاقتتال والحروب، ينتهي بالناس إلى المقابر والمستشفيات والسجون لا قدر الله. ويا ليت هذه الفئة اعتبرت بالمآلات الأسرية والمجتمعية المأساوية التي انتهت إليها غالبية عظمى من المجتمعات التي طبقت هذه الوصفات، وانتهى بها الأمر إلى التيه الأخلاقي والقيمي، وتفكك الأسرة وسيادة أجواء العنف والرعب داخلها”.
ثم استدرك مجلس الإرشاد قائلا: “ننبه هنا إلى عدم خلط هذا الصنف مع فئة محترمة من نخبة المجتمع لها اقتناعاتها المخالفة لما عليه عموم الشعب، لكنها لا تسعى إلى فرض وجهة نظرها على المجتمع، بل تبحث عن مساحة للتوافق على أسس ديمقراطية مشتركة مع الجميع”.
وأكدت “الجماعة” أنها “مع كل تواصل وتعاون عالمي على قاعدة العدل الدولي والتراحم الإنساني”، ودعت إلى “الاعتراف والالتزام بالمعاهدات والمواثيق الإقليمية والدولية الحافظة للفطرة الإنسانية والمقرة للسلم الاجتماعي، التي نحضرها ونسهم في إنضاجها؛ شريطة ألا تتعارض مع سيادة الدولة، أو تتصادم مع أصول ديننا وقطعياته، ومع خصوصياتنا الحضارية والثقافية، لاسيما أن قضايا الأسرة ترتبط بالهوية مباشرة، وبمدى استقلالية الدولة فعليا عن الخضوع لابتزازات الغير”.
وفي إطار الدفاع عن “استقلالية المغرب” قالت “الجماعة” إن “هذا الضغط الخارجي كان دائما وفي الغالب من توصياته يطمح إلى إحداث تصدعات وخلخلة في بنية الأسرة المسلمة، بما يعلم من أنها الأساس لتماسك بنية المجتمع”، ثم أجملت قائلة: “إن الأمة المجيدة والدولة ذات السيادة التي تقودها العزة والحكمة والعقل لا تقبل المساومة على مقومات هويتها المتمثلة في دينها وخصوصياتها الأخلاقية والقيمية والثقافية”.
المصدر: وكالات