في حدث يؤكد جدية المخاوف التي عبرت عنها مجموعة من الدول خلال الأيام الماضية، شهدت النيجر، أول أمس الأربعاء، تنفيذ عملية إرهابية على الحدود مع مالي، أسقطت 17 قتيلا في صفوف الجيش، هي الأولى من نوعها بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم.
وجاءت هذه العملية الإرهابية لتحيي النقاش القديم الجديد حول الخطر الإرهابي النائم بالمنطقة، والتداعيات الخطيرة التي تشكلها على القارة الإفريقية ودول العالم، وهي المخاوف التي سبق أن حذر منها مسؤولون مغاربة في مناسبات عدة.
محمد بنحمو، مدير المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، قال إن قضية النيجر يحيطها “الكثير من الغموض وهي تسير نحو المزيد من عدم اليقين”، موردا أن تداعيات الانقلاب العسكري “مازالت تتفاعل والمحاولات تبدو تتأرجح بين التدخل العسكري عبر إكواس وبين الطريق الديبلوماسي، دون أن تؤشر إلى إمكانية الوصول إلى توافق أو اتفاق بشأن ما يحدث”.
وأضاف بنحمو، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن هناك “صفا رافضا للتدخل العسكري، سواء من داخل النيجر أو من خارجها، وبعض المواقف داعمة للتدخل العسكري وتسعى إلى أن يكون الحل صرف نيجيريا”، مبرزا أن هذا التأرجح جعل النيجر في “وضعية هشة إلى حد كبير”.
وأوضح الخبير الاستراتيجي أن مع هذا الوضع الهش، كانت هناك إشارات إلى إمكانية “تنامي نشاط الحركات والمنظمات الإرهابية بالمنطقة التي ستسعى للاستفادة من هذا الوضع المهتز والفرصة التي تتاح لها في هذا البلد”.
وأشار المتحدث ذاته إلى وجود تخوف كبير من عملية عسكرية “قد تزيد الوضع تأزما وقد تخلف خسائر بشرية كبيرة”، مبرزا أن “الأجندات الدولية التي تتطاحن في منطقة الساحل والصحراء، تجعل من التنظيمات الإرهابية تهديدا حقيقياً للأمن والاستقرار في هذه الدول”.
وشدد بنحمو على أن التنظيمات الإرهابية المتواجدة بالنيجر ستستمر في “محاولاتها للوصول إلى دول شمال إفريقيا، وهي منطقة التماس والعمق الاستراتيجي لمجموع هذه الدول التي لا تتوفر على مناعة كافية وقد تجد نفسها عرضة لعمليات إرهابية”.
من جهته، سجل الموساوي العجلاوي، خبير مغربي في شؤون منطقة الصحراء والساحل، أن ما يجري في النيجر له “تأثير على الوضع الأمني في جميع منطقة الساحل والصحراء”، معتبرا أن “الدعوة إلى الابتعاد عن الحل العسكري كما تدعو إليه دول إكواس، أمر مهم للغاية”.
وأوضح العجلاوي، في تصريح لهسبريس، أن “نيامي تقع على ضفاف واد النيجر في منطقة محصورة في الجنوب الغربي، ولها حدود بالخصوص مع بوركينافاسو ونيجيريا، وقادة الانقلاب العسكري ربما سينسحبون من مناطق أخرى لتشكيل جبهة حول العاصمة نيامي، وهذا ما سيتيح المجال وحرية التحرك للعديد من الجماعات الجهادية وجماعات الجريمة العابرة للحدود التي تتاجر في كل شيء”.
وأفاد العجلاوي بأن الهجوم الإرهابي الذي سجل أمس بالنيجر، “عنوان لما سيأتي إذا لم يُحَّل المشكل النيجيري على المستوى السياسي”، مبرزا أهمية طمأنة الجيش النيجري بأنه “لن يكون هناك تدخل عسكري، والتأكيد على الحل السياسي في وقت وجيز، حتى لا تطول الفترة الانتقالية”.
وشدد المتحدث ذاته على أنه “عدا هذا الأمر، ستتحول دولة النيجر إلى مرتع ومشتل أقوى مما كان في شمال مالي للجماعات الإرهابية”، مبينا أن تأثير هذا الوضع سيمتد إلى دول الجوار مثل ليبيا والجزائر.
وزاد شارحا: “10 بالمائة من سكان شمال النيجر طوارق، لهم ارتباط بالطوارق القاطنين جنوب الجزائر، وبالتالي سيكون هناك تأثير قوي على المستوى الأمني وتهجير عدد من القبائل في اتجاه الجنوب الجزائري، وكذلك بالنسبة لليبيا، لأن هناك حدودا مشتركة والوضع غير مستقر في ليبيا، وستصبح منطقة اللا استقرار كبقعة زيت تمتد في كل الاتجاهات”.
كما اعتبر العجلاوي أن ما يجري في النيجر “خطير جدا وستكون له تأثيرات كبيرة على المستوى الأمني والهجرة والوضع السياسي الداخلي لبلدان المنطقة”، لافتا إلى أن هذا الوضع “سيعطي دفعة قوية للحركات الجهادية الموجودة في بوركينافاسو ومالي، مع وجود تخوف من أن يمتد ذلك إلى خليج غينيا، في البينين والطوغو وشمال كوت ديفوار”.
المصدر: وكالات