كشف نزار بركة، وزير التجهيز والماء، حصيلة الوضعية المائية بالمغرب خلال السنة المشرفة على نهايتها، والتدابير التي باشرتها الوزارة الوصية على هذا القطاع الحيوي من أجل مواجهة أزمة الجفاف، والمشاريع المرتقب تنزيلها خلال السنة المقبلة في هذا الإطار.
الإجراءات والتدابير، التي تم إقرارها خلال سنة من أكثر المراحل جفافا في تاريخ المغرب، اعتبرها خبراء أنها ناجعة؛ لكنها تحتاج إلى السرعة في التنزيل والحكامة في التدبير، من أجل تحقيق الأرقام اللازمة لتجاوز مرحلة الخطر.
الوضعية المائية
قال بركة، جوابا عن سؤال هسبريس حول الوضعية المائية لسنة 2022، إن التساقطات المطرية، منذ فاتح شتنبر 2021 وإلى غاية 31 غشت 2022، تراوحت في المعدل بين 16.4 ميلمترات و325 ميلمترا؛ وهو ما يشكل عجزا يقدر بـ47 في المائة على الصعيد الوطني مقارنة مع معدل التساقطات.
وقد نتجت عن هذه التساقطات المطرية واردات مائية سنوية ضعيفة، حيث بلغ الحجم الإجمالي للواردات المائية المسجلة بمجموع السدود الكبرى للمملكة خلال هذه السنة حوالي 1.95 مليار متر مكعب؛ وهو حجم الواردات السنوي الأدنى على الإطلاق، ما شكل عجزا يقدر بـ85 في المائة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات و63 في المائة مقارنة بالسنة الماضية، أضاف المسؤول الحكومي ذاته.
كما عرفت المملكة خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022 تعاقب سنوات جافة، حيث سجلت على التوالي نسب عجز سنوية تقدر بـ54 في المائة و71 في المائة و59 في المائة و85 في المائة. وبذلك، تكون الفترة الممتدة من 2018 إلى 2022 أشد الفترات جفافا على الإطلاق، حيث بلغ إجمالي وارداتها حوالي 17 مليار متر مكعب؛ وهو ما أصبح يشكل أدنى إجمالي واردات خلال خمس سنوات متتالية، بعد أن كان الحد الأدنى هو 17.6 مليارات متر مكعب والموافق للفترة الممتدة من 1991 إلى 1995.
وانعكست وضعية هذه الواردات على نسبة الملء الوطنية للسدود، حيث بلغ حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية 31 غشت 2022 حوالي 4.16 مليار متر مكعب أي ما يعادل 25.81 في المائة كنسبة ملء إجمالي، مقابل 40.5 في المائة سجلت في التاريخ نفسه من السنة الماضية.
وخلال الفترة الممتدة منذ فاتح شتنبر 2022 إلى غاية 21 دجنبر 2022، أكد المسؤول الحكومي أن البلاد شهدت تساقطات مطرية تراوحت في المعدل بين 20.5 ميلمترات و236 ميلمترا؛ وهو ما يشكل عجزا يقدر بـ20 في المائة على الصعيد الوطني مقارنة مع معدل التساقطات.
وبلغ الحجم الإجمالي للواردات المائية المسجلة بمجموع السدود الكبرى للمملكة خلال الفترة نفسها حوالي 1.77 مليار متر مكعب؛ وهو ما يشكل عجزا يقدر بـ29 في المائة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات وفائضا يقدر بـ281 في المائة مقارنة بالسنة الفارطة للفترة نفسها.
وقد سجلت جميع الأحواض عجزا في الواردات مقارنة مع المعدل تراوح بين 10 في المائة و82 في المائة، باستثناء حوض اللوكوس الذي سجل فائضا يقدر بـ32.4 في المائة.
وبلغ حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية 21 دجنبر 2022 حوالي 5 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 31.1 في المائة كنسبة ملء إجمالي مقابل 34.3 في المائة سجلت في التاريخ نفسه من السنة الماضية.
إجراءات منجزة
الإجراءات المنجزة خلال سنة 2022 لخصها نزار بركة، وزير التجهيز والماء، في تسريع أشغال تزويد المراكز القروية والدواوير انطلاقا من منظومات مائية مستدامة في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب والسقي 2020-2027، وتقوية عمليات تعبئة موارد مائية إضافية خصوصا عبر إنجاز أثقاب لاستكشاف واستغلال المياه الجوفية، والبدء في استغلال محطة تحلية مياه البحر اشتوكة آيت باها بجهة سوس ماسة.
كما تم إطلاق طلب التعبير عن الاهتمام لإنجاز مشروع محطة تحلية مياه البحر الدار البيضاء – سطات في شهر مارس الماضي وفتح الأظرفة خلال شهر يونيو الماضي، وبرمجة إنجاز محطة تحلية مياه البحر بجهة الشرق لتأمين تزويد ساكنة المدن والقرى المتواجدة بهذه الجهة بالماء الشروب وكذا سقي أراض فلاحية بملوية السفلى، وإنجاز سدود تلية وسدود صغرى.
وأورد المسؤول الحكومي ذاته أنه تم وضع وحدات متنقلة لتحلية المياه الأجاجة بالطبقات المائية الجوفية في المناطق التي توجد بها طبقات مائية أجاجة، وإنجاز قناة ربط شبكة مياه الشرب لشمال الدار البيضاء بشبكة جنوب المدينة، ووضع منصات الضخ للتمكن من استغلال الأجزاء السفلية لحقينات بعض السدود، وتأمين تزويد مدينة آسفي بالماء الصالح للشرب انطلاقا من محطة تحلية مياه البحر من طرف المكتب الشريف للفوسفاط مع بداية سنة 2023، وتأمين تزويد مدينة الجديدة بالماء الصالح للشرب انطلاقا من محطة تحلية مياه البحر بالجرف الأصفر من طرف المكتب الشريف للفوسفاط ابتداء من مارس 2023، والشروع في إنجاز الشطر الاستعجالي من مشروع تحويل المياه من حوض سبو إلى حوض أبي رقراق.
إجراءات مبرمجة
كشف الوزير الاستقلالي أنه تم إعداد البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، بغلاف مالي يقدر بـ115 مليار درهم، من أجل تسريع الاستثمار في هذا القطاع بهدف تأمين التزويد بالماء خاصة من خلال تنويع مصادر التزود بالماء واستغلالها وتدبيرها بطريقة مندمجة.
ويرتكز هذا البرنامج، وفق بركة، على خمسة محاور، تهم تطوير العرض المائي من خلال بناء 20 سدًا كبيرًا، وبناء سدود صغيرة للتنمية المحلية، واللجوء إلى تحلية مياه البحر والربط بين الأحواض المائية والتنقيب عن المياه الجوفية وتطوير منشآت التزويد بمياه الشرب، وإدارة الطلب وتثمين الموارد المائية من خلال مواصلة إنجاز برنامج التحويل إلى الري الموضعي والتهيئة الهيدروفلاحية في أحواض اللوكوس وسبو.
كما يرتكز هذا البرنامج على تعزيز التزويد بالماء الصالح للشرب في المناطق القروية الهشة، وإعادة استخدام مياه التطهير السائل المعالجة خاصة لسقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف، وعلى التواصل والتوعية.
كما تعمل وزارة التجهيز والماء، حاليا، بتنسيق مع كافة المتدخلين في القطاع، على تنزيل مضامين البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027.
وفي هذا السياق، تمت المصادقة على مجموعة من التعديلات التي تهم البرنامج سالف الذكر، بغية مواكبة تطور الحالة الهيدرولوجية على الصعيد الوطني؛ خاصة فيما يتعلق بمشاريع تحلية مياه البحر ومشاريع إعادة استعمال المياه العادمة.
وعلى إثر ذلك، فقد تم تحيين كلفة البرنامج لتبلغ 150 مليون درهم، عوض 115 مليون درهم التي كانت مبرمجة ككلفة أولية.
مستويات ينبغي بلوغها
عبد الرحيم كسيري، رئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب، وصف طريقة تعامل الحكومة مع الأزمة بالذكية والتدريجية، إذ حددت الوزارة الإشكالية المرتبطة بالندرة الخطيرة التي وصل إليها المغرب. كما أنه تم التسريع بالمشاريع المتأخرة التي كانت مبرمجة، بالإضافة إلى إعلان حالة الطوارئ وتعبئة جميع المتدخلين ومضاعفة الميزانية والإمكانيات المالية.
من جهة أخرى، أوضح الباحث أن نسبة الأمطار التي تساقطت مؤخرا لا ينبغي أن تدفع نحو الارتياح، مشددا على ضرورة تسريع المشاريع المبرمجة، خاصة في ظل التغير المناخي السريع وعودة الشمس بمختلف مدن المملكة كأن الأمطار لم تتساقط.
وقال كسيري إن نسبة الأمطار التي ينبغي تجميعها فقط على مستوى السدود تصل إلى 19 مليار متر مكعب، وإذا تمت إضافة السدود الجديدة سنصل إلى نسبة 24 مليار متر مكعب، تضاف إليها الحاجة إلى 5 مليارات على مستوى الفرشة المائية، بالإضافة إلى مليار أخرى خاصة بمياه تحلية ماء البحر.
ولتحقيق هذه الأرقام، أكد الباحث أن المغرب يحتاج سياسة مندمجة تشارك فيها جميع القطاعات والمتدخلين الحكوميين وغير الحكوميين والمجتمع المدني، لتحقيقها على المستويين المتوسط والبعيد.
وأضاف المتحدث ذاته أن أسس التعبئة والتخطيط انطلقت، وينبغي أن تقوى. كما يتعين هيكلة اللجان الاستشارية وتغيير طريقة عملها؛ لأن فعاليتها ضعيفة، بدليل أنها لم تستطع أن توقف الاستنزاف، وأن تنظم أنواع المغروسات وحجمها ومساحتها.
ولفت كسيري إلى أن “المقاربة الترابية أساسية لاحتواء الأزمة، إذ تنبغي معرفة على صعيد كل منطقة ترابية كم حجم الكميات المتوفرة من الموارد المائية، وكم ستكون بعد 5 سنوات أو عشر سنوات، وبناء على ذلك نقوم بالتخطيط”.
وحول مطالب البعض بالحد من بعض المزروعات التي تستنزف الفرشة المائية، قال رئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب: “لا بد من دراسة تشارك فيها الجامعات والمجتمع المدني والمصالح المعنية، والتخطيط عن طريق افتراض السيناريو الأسوء أي توقع خمس سنوات مقبلة دون أمطار، وندرس تأثير زراعة كل منتوج بالنظر إلى الكميات المتوفرة من الموارد المائية، للوصول إلى نتائج دقيقة حول طبيعة هذه الزراعات وحجم تأثيرها”.
المصدر: وكالات