عن دار فضاءات للنشر والتوزيع بالأردن، صدر للكاتب محمد الجرطي مؤلف جديد هو ترجمة لكتاب “من أجل نظرية في الإنتاج الأدبي” للكاتب والفليلسوف والناقد الفرنسي بيير ماشري.
ويعد كتاب “من أجل نظرية في الإنتاج الأدبي” أول كتاب ألّفه بيير ماشري وظل غائباً عن المكتبة العربية لمدة 58 سنة رغم ترجمته إلى لغات عديدة (الألمانية، والإنجليزية، والإيطالية، والإسبانية، واليابانية، والكورية …).
ووفق معطيات توصلت بها هسبريس، فإن الكتاب غني بالمفاهيم والتصورات التي اكتمل بعضها وبقي بعضها الآخر في طور التشكل، ويمكن اعتباره بمثابة عمل مؤسس لنظرية الإنتاج الأدبي وإسهاماً أصيلا وأساسياً في مجال النقد الاجتماعي الذي يُعنى بخصوصية الظاهرة الأدبية وارتباطها بالإيديولوجيا والتاريخ دون أن يغفل أن للعمل الأدبي رغم تشابكه المجتمعي مجالا يستقل به عن مضمونه الإيديولوجي، وعن المرحلة التاريخية التي يقوم بتصويرها.
يضاف إلى ذلك أن بيير ماشري ينقد أفكار وتصورات نظرية الانعكاس وسوسيولوجيا المضامين ويطورهما، من أجل إرساء نظرية جدلية جديدة من العلاقة القائمة بين العمل الأدبي من جهة، والإيديولوجيا والتاريخ من جهة أخرى.
يتكون هذا الكتاب من ثلاثة فصول: “بعض المفاهيم الأولية”، “نقد”، و”بعض الأعمال”. يحدد الفصل الأول مشروع بيير ماشري العام وما يميزه عن غيره من نقاد الأدب، فيما يضم الفصل الثاني تحليلاً لمقالات لينين عن تولستوي، حيث يرى ماشري أن أدب تولستوي هو مرآة لحقبة تاريخية محددة ارتبط بها الكاتب الروسي عن طريق إيديولوجيا معينة تعكس تناقضاً صارخاً في مواقفه.
ويهدف كتاب “من أجل نظرية في الإنتاج الأدبي” للناقد بيير ماشري إلى تكوين معرفة حقيقية عن الأدب؛ فطموحه يكمن في تأسيس علم للأدب يتميز عن النقد المعياري القائم على حكم الذوق، علم للأدب لا يقتصر على الملاحظة التجريبية والوصفية للنصوص الأدبية. لهذا يقيم ماشري مقارنة بين النقد الأدبي والعلوم الأخرى. فالعلم ينتج موضوعه، في حين للنقد الأدبي مجال موجود مسبقاً، هو دراسة الأعمال الأدبية.
من هذا المنطلق، من المهم التوقف عند بعض الخطوط العريضة التي ترتسم في نظرية بيير ماشري النقدية، التي تقربنا من فكره إلى حد يسمح لنا بتلمس بعض العلامات الفارقة التي جعلت من كتاب “من أجل نظرية في الإنتاج الأدبي” تعبيراً عن مرحلة انتقالية في التنظير للنقد الاجتماعي. إذ حاول ماشري تطوير آليات مقاربة النص الأدبي بعيداً عن الفلسفة الماركسية الميكانيكية وما قدمته من تصورات مرآوية للأدب، معتبرة إياه نتاجاً للواقع الاقتصادي والمادي، وحصيلة ما يجيش به المجتمع في حقبة معينة من تناقضات وصراعات طبقية.
ولعل هذا ما دفع الجرطي إلى ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية لكونه أسس توجهات العديد من أعمال النقاد المستقبلية، سواء في التنظير لسوسيولوجيا الأدب أو تيارات ما بعد البنيوية، مما يعطي الكتاب أهميته الخاصة في إطار النظرية النقدية وحاجة النقد العربي للتفاعل الخلاق مع طروحات بيير ماشري ومقاربته للأعمال الأدبية.
الفكرة المحورية في كتاب بيير ماشري “من أجل نظرية في الإنتاج الأدبي” هي أن الأدب يمتح في الآن نفسه من اللغة العلمية واللغة اليومية والإيديولوجيا دون أن يتم اختزاله في أي منها. لقد طرح بيير ماشري مسألة القراءة والكتابة، وخلخل استخدامنا للغة، نافياً أن يكون هناك تماثل بين عالم الأشياء وعالم الكلمات. لقد زعزع المفهوم الذي ترسخ عن اللغة مؤكداً عجز الكلمات على أن تقول الأشياء كما هي.
ويمكن اعتبار كتاب “من أجل نظرية في الإنتاج الأدبي” من أهم الكتب في تفكير بيير ماشري النقدي قبل أن ينتقل إلى مرحلة أخرى من تفكيره مدارها الاهتمام بفلسفة سبينوزا والدراسات الفلسفية. تنبع القيمة الحقيقية لكتاب ماشري في كونه ظل محافظاً براهنيته وجِدته رغم تعاقب مناهج ما بعد البنيوية على النظرية الأدبية، لأن ماشري من تأكيده أن النص الأدبي أثناء استدعائه للإيديولوجيا وتسريدها داخل النص الأدبي لا يحافظ لها على جهوزيتها، بل ينزاح عنها ويفككها بواسطة اللغة منتجاً إيديولوجيا جديدة تشي بها التفافات السرد وانزياحاته اللغوية والأسلوبية.
المصدر: وكالات