فرضية “أزمة” تعيشها “الحركات الإصلاحية الإسلامية السُّنية المعاصرة في العالم العربي”، ينطلق منها أحدث كتب الباحث بلال التليدي ليرصد مظاهر “أزمة في المشروع الفكري” أدت إلى “جمود في كسبها الحركي وانسداد في أفقها السياسي”.
وفي كتاب “الأنساق الإصلاحية الإسلامية المعاصرة: دراسة في بنية العقل الحركي”، قال التليدي إن المحاولات التي بذلتها “الحركات الإصلاحية الإسلامية” للتعامل مع هذه الأزمة، خاصة فيما يتعلق بالتكيف مع الواقع وإكراهاته، فكريًّا وتنظيميًّا، “أثبتت انسداد نسقها المعرفي، وحاجتها إلى بناء نسق جديد، لفتح نوافذ جديدة تبرر وجودها ودورها الإصلاحي”.
ووفق الخبر التقديمي للمؤلّف الجديد، فإن الأخير فسر الأمر بـ”أزمة الأنساق المعرفية” التي تتبناها هذه الحركات، فـ”كلّ من هذه الأنساق أثبت محدوديته للتعامل مع الواقع ومتطلباته ومتغيراته”، مما يعني “حاجة الحركات الإسلامية المعاصرة للبحث عن “نسق معرفي إصلاحي جديد”، تنسجم مفاهيمه ورهاناته مع مقدماته، ويتوجه إلى إعادة تعريف هويتها، ودورها، ورؤيتها لنفسها وللمجتمع وللدولة، وللمعادلة الوطنية، وأن تسعى إلى استئناف دورها الإصلاحي حسب مفردات هذا النسق الجديد المقترح، آخذةً بعين الاعتبار حدود السقف الوطني، وتناقضات المحيط الإقليمي والدولي”.
وكتب التليدي في مقدمة الكتاب أن “تحقيق هذه الحركات لنسب مهمة من الامتداد والتوسع والانتشار، فضلا عن تعزيز تموقعها قوة أولى في المشهد السياسي، لم يوفر في السابق مبررات دراسة أزمتها، وجعل أغلب البحوث تركز على سلوكها السياسي، ونظامها الشبكي في التوسع في المجتمع، وأسلوبها في الانسياب الهادئ في المؤسسات”.
ثم استدرك قائلا: “الأزمات التي تعرضت لها في أكثر من محطة، ولاسيما بعد الربيع العربي، وبعد انحسار عدد من الأهداف التي تضمنها مشروعها الفكري والحركي، وبعد أن انتقلت الأزمة من أداتها الإصلاحية إلى عمق دورها الدعوي، وانحسرت وظيفتها في بث التديّن وتعزيز مواقع المرجعية والهوية وتحسين منظومة القيم… هذه الأزمات، صارت تفرض أن يتم إفراد هذه الحركة بدراسة، تركز على عقلها السياسي والمعرفي، وتبحث عن جذور الانسداد في مسلماته وقواعد تفكيره”.
وقال التليدي إن هذا البحث قد اختار “زاوية جديدة في دراسة هذه الحركات الإصلاحية، تعتمد أساسا منتوجها الفكري، لا سلوكها السياسي، لكن من مدخلين مهمين؛ مدخل معرفي-إبستمولوجي يحاول فهم القواعد المعرفية التي تستند إليها هذه الحركة في إنتاج مواقفها وأدبياتها، ومدخل ثقافي سياسي يروم فهم قواعد عقلها السياسي، حيث يسعى البحث للإجابة عن سؤال جدل التأثير والتأثّر بين القواعد المعرفية والقواعد السياسية، ومن يملك الفاعلية في التأثير، أ البنية السياسية ومتطلبات الحركة ضمن شروطها أم الخطاطة المعرفية المتضمنة لأصول وقواعد الفكر الحركي؟”.
وذكر التليدي أن “القصد المعرفي وحده يبرر الاشتغال في هذا العمل”، ثم تابع شارحا أنه “يجترح مقتربا جديدا في الدراسة، ويروم استثمار التراكم المعرفي الحاصل في دراسات الحركة الإصلاحية، والمساهمة في إحداث نقلة نوعية فيه، تساعد الدارس، وصانع القرار، والمعنيين المباشرين بهذه الظاهرة، انتماء، واحتكاكا، وتفاعلا، وتدافعا، على فهم العقل السياسي لهذا المكون، والقواعد المعرفية التي تحكم سلوكه، والتمايزات الجوهرية بين أنساقه، وربما استشراف مستقبل هذا الفاعل في ضوء تحولات نسقه”.
كما يتطلع إلى ما أبعد من “القصد المعرفي” بـ”الإسهام في استئناف النظر في المنتوج والنظرية الإصلاحية، ومحاولة إرساء أرضية معرفية صلبة، تُعين على تجاوز مآزق الأنساق الحركية، وبناء فكر إصلاحي جديد، يستثمر رصيد الأنساق السابقة، بل يستثمر كذلك رصيد الأنساق النقدية لها – التحللية، للمساهمة في بناء رؤية إصلاحية جديدة، لا ترتهن في أفقها إلى نموذج معياري معين، للمجتمع أو للدولة، بقدر ما ترتبط بقيم معيارية، تحاول تنزيل معانيها الإصلاحية بتفاعل مع بنى المجتمع ومع المؤسسات القائمة، وفي مقدمتها مؤسسة الدولة”.
المصدر: وكالات