“على مرمى حجر”.. هكذا بات الكثير من الساسة والمتابعين للشأن السياسي المغربي ينظرون إلى التعديل الحكومي المرتقب والمثقل بالتكهنات والتكهنات المضادة، وسط توقعات تفيد بنزول أسماء بعينها من سفينة حكومة عزيز أخنوش، التي تواصل الإبحار وسط أمواج من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والانتظارات المتعاظمة للمواطنين.
وزاد من حجم مسلسل الانتظار المشوق للتعديل، الذي يجمع الكل على أنه “آتٍ لا محالة”، التأجيل المفاجئ لاجتماع المجلس الحكومي الذي كان مرتقبا عقده اليوم الخميس، وسط حديث عن إمكانية التئام مجلس وزاري برئاسة عاهل البلاد، يرجح المراقبون أنه سيأتي بالجديد في الموضوع.
ويذهب البعض إلى أن تسارع الأحداث وتناسلها في الأسابيع الأخيرة وتصريحات قادة أحزاب التحالف التي اعترفت بأن هناك نقاشا حول التعديل الحكومي بين مكونات الأغلبية، برئاسة عزيز أخنوش، مؤشر ينضاف إلى وقائع وأحداث أخرى يمكن أن تدفع بإخراج وتسريع التعديل الذي طال انتظاره.
سيناريوهات التعديل
في تعليقه على الموضوع، قال عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن “مجموعة من الوزراء في الحكومة الحالية تحوم حولهم شكوك بشأن إمكانية مغادرتهم للسفينة الحكومية خلال التعديل المقبل، خاصة الذين أثاروا نقاشا كبيرا في الآونة الأخيرة سواء بتصريحاتهم المثيرة للجدل على غرار وزير العدل أو بعض الوزراء الذين كانوا حاضرين غائبين ضمن التشكيلة الحكومية”.
وأضاف العلام، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التعديل الحكومي، الذي أكدت قيادات في الأغلبية وجود نقاش داخلي بشأنه، يمكن أن يشمل “بعض الوزراء الذين فشلوا أو على الأقل لم يكونوا عند المستوى التدبيري الذي تتطلبه القطاعات الحكومية التي يشرفون عليها”، موضحا أن “الجهات المسؤولة عن تعديل التركيبة الحكومية باتت هي الأخرى واعية بأهمية ضخ دماء جديدة في الحكومة”.
وتوقع الأستاذ الجامعي ذاته أن “تتم إعادة هيكلة تشكيلة حكومة عزيز أخنوش من خلال قطاعين حكوميين أو أكثر في إطار حقيبة وزارية واحدة وتقليص عدد هذه الأخيرة”، موضحا أن الحسم في تعديل الحكومة في المغرب مرتبط بـ”مجموعة من العوامل؛ منها رضا أو عدم رضا رئيس الحكومة على تدبير وزير ما لقطاع معين، وكذا طبيعة التوازنات التنظيمية داخل هياكل الأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية، ومجموعة أخرى من عناصر التقييم التي تعتمد بموافقة من المؤسسة الملكية بطبيعة الحال”.
وسجل العلام أن التعديل الحكومي تأخر “كثيرا خلافا لما دأب عليه العرف السياسي بالمغرب”، مبرزا أن استقراء المشهد الحكومي يُظهر “عدم الحاجة إلى بعض الوزارات التي يمكن تحويلها إلى مجرد مديريات داخل وزارات أخرى؛ وبالتالي فإن مسألة التعديل تبقى مجرد وقت وقد يتم الإعلان عنه في قادم الأيام، غير أنه قد تظهر من حين إلى آخر مستجدات قد تؤخره أو تقدمه، كما هو الحال بالنسبة للخبر الذي جرى تداوله حول وزيرة الانتقال الطاقي بخصوص تضارب المصالح”.
“فشل قطاعات”
من جهته، قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، إن التعديل الحكومي “إمكانية دستورية محددة جهة الاختصاص والمسطرة في دستور المملكة، وبالتالي يمكن أن يتم التعديل ويمكن أن لا يتم”، مبرزا أن هناك عرفا يتمثل في أن الحكومات منذ دستور 2011 تعرف “تعديلا بعد مرور نصف ولايتها”.
وأضاف اليونسي، ضمن تصريح لهسبريس، أن هناك وزراء في الحكومة الحالية أظهروا “فشلا تدبيريا وسياسيا طيلة هذه المرحلة، ولا يقدمون حلولا لمشاكل قطاعاتهم؛ بل يحدثون مشاكل نتيجة عدم كفاءتهم وضعفهم السياسي مقارنة بحجم التحديات التي تعرفها بلادنا والأوراش المهمة التي فتحتها الدولة في العشرية الأخيرة”.
وتابع الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري مبينا أن جزءا من النخب السياسية يعتبر هذا النوع من التصرفات “ذكاء سياسيا”، لافتا إلى أن ذلك لا يعدو أن يكون “جبنا سياسيا، حيث يتم استغلال أخطاء بعض الوزراء ليتم إخراجهم من الحكومة وتعويضهم بآخرين يكونون موالين لهم”، موضحا أن الأصل في التعديل أن يتم من أجل “ضخ دماء جديدة في عمل الحكومة لتحقيق المصلحة العامة خصوصا والإبقاء على الوزراء الناجحين في قطاعاتهم ليراكموا النتائج الإيجابية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن التكهن بنتائج التعديل الحكومي يبقى “أمرا صعبا؛ لكن المرجح أن يستمر التحالف الثلاثي في الحكومة، والحديث عن أن أحد أحزاب التحالف سيؤدي الثمن مرتبط بإعادة النظر في الهندسة القطاعية للحكومة، وإذا تم تقليصها يمكن آنذاك أن نتحدث عن هذا الأمر”، لافتا إلى أن تعيين كتاب الدولة “يمكن أن يغطي على اختلافات التحالف الحكومي في التعديل الحكومي المرتقب”.
التعديل أمر طبيعي
وعلى المنوال نفسه، سار أحمد بوز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط؛ فاعتبر أن التعديل الحكومي أصبح “سُنَّة في نصف الولاية الحكومية وممارسة سياسية وتقليدا غير مرتبط بالضرورة بأحداث أو تطورات معينة”، مؤكدا أن هذا التعديل يختلف حجمه ويمكن أن يكون محدودا أو موسعا.
وأضاف بوز، ضمن تصريح لهسبريس، أن التعديل “شيء طبيعي؛ لأن الحكومة تقدم الحصيلة ويتم التفاعل معها، والتعديل يمكن أن تقدر من خلاله أنه سيعطي نفسا للعمل الحكومي ويمتص بعض الملاحظات والتقييمات، لأن تقييم وزراء أي فريق حكومي يختلف، ووجوه تكون في الصورة وأخرى متوارية لأن المعايير تختلف”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن السؤال المهم في الموضوع هو: “هل سيكون تعديلا جوهريا في تركيبة الحكومة؟ لا أعتقد”، وأضاف متسائلا: “هل سيمس قادة بعض الأحزاب السياسية في التحالف؟ ممكن، ولكن في النهاية ما الغاية من التعديل؟ هل هو غاية في حد ذاته أم مرتبط بتخطيط واختيار وخطة؟”.
سؤال الكفاءات
وزاد بوز موضحا أن التعديلات الحكومية ترتبط دائما بـ”الكفاءات؛ ولكن الحال هو أن كل التعديلات ليس بالضرورة أن تكون ناجحة؟ وليست مرتبطة بالشخص المناسب في المكان المناسب، لماذا؟”، قبل أن يجيب “لأن الأشخاص الذين سيتم تغييرهم في التعديل جاؤوا إلى هذا المنصب في زفة الكفاءات”، مردفا أن “الإشكال ليس في الأشخاص، وفق تقديري؛ بل إن الاشكال مرتبط باختيارات وتوجهات وإرادات.. صحيح الكفاءات مهمة ما في ذلك شك؛ ولكن في بعض الأحيان إذا كان الإشكال على مستوى الاختيارات والتدبير الانتخابي، ومن يضمن أن التعيينات والاقتراحات الحزبية لن تكون محكومة بنفس المعايير التي حكمت بها في 2021؟”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن الخطاب حول التعديل الحكومي في المغرب “متضخم، ويعكس حالة من التنفيس وبعث الأمل عند الأشخاص الغاضبين الذين لم يتم استوزارهم في السابق”، معتبرا أن ورود تعيين كتاب الدولة في بلاغ الديوان الملكي “خلق أملا عند النخبة التي لم تستوزر”، وفق رأيه.
المصدر: وكالات