في قلب المغرب، حيث تلتقي الصحراء بالجبال، يقبع إقليم ورزازات كجوهرة ثمينة في تاج السياحة المغربية، ويعرف بلقب “هوليود إفريقيا”، إذ يعج بمؤهلات سياحية تأسر القلوب والعقول، من واحات خضراء تشبه الفردوس إلى قصور ترابية تحكي قصصا من عمق التاريخ.
واحة فينت، بخضرتها الساحرة، وقصر أيت بنحدو، بهندسته المتميزة، يشكلان جزءا من موزاييك سياحي يجمع بين الطبيعة الخلابة والتراث الثقافي الغني.
يمتد إقليم ورزازات ليشمل أيضا مواقع سياحية تاريخية من قصور وقصبات، تقاوم الزمن بجدرانها الشامخة، وتعكس قوة الهندسة المغربية القديمة؛ كما تقدم للزوار لمحة عن حياة الماضي، حيث كانت تشكل مراكز دفاعية وتجارية في الوقت نفسه.
وبالإضافة إلى التراث المعماري تحتضن ورزازات مواقع طبيعية ساحرة كثيرة، تقدم مناظر خلابة تجمع بين الجمال الصحراوي والجبلي، مع أودية وكهوف، ما جعل الإقليم وجهة للمغامرين ومحبي الطبيعة، إذ يمكنهم من ممارسة التنزه أو التخييم في بيئة تحكي قصص الأزمنة القديمة.
ولا يمكن أيضا تجاهل دور ورزازات في صناعة السينما، إذ كانت ومازالت موقعا لعدة أفلام عالمية مشهورة. هذا الجانب يضيف بعدا ثقافياً وترفيهيا للسياحة في المنطقة، حيث يمكن زيارة استوديوهات التصوير ومشاهدة كيف يتم تحويل الصحراء إلى مسرح للأحداث التاريخية والخيالية.
وأكد عدد من المهتمين بتاريخ مدينة ورزازات أنها بتنوعها السياحي ليست مجرد مكان للزيارة، بل هي تجربة تعليمية وثقافية تغوص في عمق التاريخ والطبيعة، موضحين أن هذه المؤهلات السياحية تجعل من المدينة ليست فقط وجهة للمسافرين، بل أيضا مصدر إلهام للفنانين والمبدعين عبر العالم.
“في كل زاوية من زوايا ورزازات تكمن قصة أو مشهد ينتظر ليروى، ما يجعل الإقليم مكانا يستحق الاستكشاف، ليس فقط لجماله الخارجي، بل للثروة الداخلية، من التاريخ والثقافة والطبيعة التي يحملها”، يقول لحسن رابح، أحد أبناء المنطقة.
وبالإضافة إلى كل هذه المؤهلات السياحية والسينمائية والثقافية والتاريخية والطبيعية كانت الأمطار التي سجلت بالإقليم خلال الأسابيع الماضية بمثابة فسحة أمل جديدة للساكنة المحلية، ومعها السياح الذين يعشقون الإقليم، المغاربة منهم أو الأجانب، إذ أصبحت العديد من المواقع السياحية تعج بالسياح من كل الجنسيات.
عودة المياه والسياح
وسط الصحراء الجرداء تخفي واحة فينت سر منطقة خضراء لا يمكن توقعه، خاصة بعد التساقطات المطرية الأخيرة، إذ أصبح هذا السر مكشوفا للعيان، وتحولت الأراضي القاحلة إلى مساحات خضراء مزدهرة، تشكل مشهدا يبعث على الدهشة والسكينة.
عبد العالي أيت يدير، من سكان الواحة، أكد أن “واحة فينت، الواقعة على بعد 12 كيلومترا جنوب مدينة ورزازات، لم تكن يوما مجرد نقطة على الخريطة، بل هي قلب نابض بالحياة والجمال الطبيعي”، مضيفا أن “الأمطار الأخيرة لم تكن مجرد تساقطات عابرة، بل كانت بمثابة نهضة جديدة للواحة”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “الأشجار والنباتات التي كانت تكافح للبقاء في ظل الجفاف بدأت تعود إلى حياتها بقوة، ما أعاد الحياة البرية إلى المنطقة”، مشيرا إلى أن “الطيور التي غادرت في فصول الجفاف عادت لتعشش، والحيوانات الصغيرة بدأت تظهر من جديد، ما يعزز تنوع الحياة في الواحة”.
سائح فرنسي التقت به جريدة هسبريس الإلكترونية داخل هذه الواحة الساحرة أكد أن واحة فينت أصبحت وجهة لا يمكن تجاهلها، مؤكدا أن “الزوار الذين يبحثون عن الهدوء والجمال الطبيعي يجدون فيها ملاذا يمكنهم من التنزه بين الأشجار، والتقاط الصور، أو حتى ممارسة الأنشطة الخارجية في بيئة تحاكي الجنة”، وفق تعبيره.
وأضاف السائح ذاته أن “التحول الذي شهدته الواحة بعد الأمطار ليس مجرد تغيير في المنظر، بل هو تحول اقتصادي واجتماعي”، وزاد أن “السكان المحليين بدورهم يشعرون بالأمل في مستقبل أخضر، إذ يمكن أن تزدهر الزراعة مرة أخرى، وأن تكون السياحة محركا للاقتصاد المحلي”.
وكشف مرشد سياحي يدعى جمال، كان برفقة سياح من إسبانيا، أن “واحة فينت، بعد التساقطات المطرية، لم تعد مجرد واحة، بل أصبحت رمزا للأمل والتجدد، ومكانا يذكرنا بقوة الطبيعة في إعادة الحياة حتى في أكثر الأماكن قسوة”، مضيفا أن السياح الذين يرافقهم إلى الواحة “معجبون بها، وأكدوا أنهم سيكررون زيارتها وينصحون أصدقاءهم بها، لكونها جنة فوق الأرض”، وفق تعبيره.
اللتجدد والحيوية
في ظل التساقطات المطرية الأخيرة، شهد قصر أيت بن حدو التابع لجماعة أيت زينب، الرمز التاريخي والثقافي لإقليم ورزازات، انتعاشا سياحيا غير مسبوق. ويقع هذا القصر، الذي يعكس البساطة والمتانة في تصميمه، في قلب منطقة تتميز بجمالها الطبيعي وتراثها الغني.
وأجمع عدد من زوار القصر، في تصريحات متطابقة لهسبريس، على أنه لم يكتف بعد الأمطار بأن يكون مجرد معلم تاريخي، بل أصبح جزءا من لوحة طبيعية حية، موضحين أن الأودية التي بدأت تجري بمياه نقية، والنباتات التي بدأت تزهر من جديد، أعادت الحياة إلى المنطقة المحيطة بالقصر، ما جعله يبرز بشكل أكبر كمعلم سياحي يجذب الأنظار.
الزوار، الذين كانوا يأتون لرؤية القصر التقليدي بهندسته الفريدة، وجدوا أنفسهم أمام مشهد طبيعي متجدد. وهذا الانتعاش لم يقتصر على الجمال البصري فحسب، بل امتد ليشمل الاقتصاد المحلي، مع زيادة عدد الزوار من جنسيات أجنبية مختلفة ومغاربة، إذ شهدت المنطقة زيادة في الطلب على الخدمات السياحية، من الإقامة إلى الأنشطة الثقافية والترفيهية.
قصر آيت بن حدو، بعد التساقطات المطرية الأخيرة، حسب تصريح لنعيمة، من ساكنة القصر، “لم يعد مجرد معلم أثري، بل أصبح رمزا للتجدد والحيوية”، مضيفة أن “هذا الانتعاش السياحي يعكس ليس فقط جمال المنطقة وتراثها، بل أيضا قدرتها على التكيف والنهوض بعد كل تحد طبيعي”.
وأضافت المتحدثة ذاتها: “يبقى القصر شاهدا على تاريخ غني، وفي الوقت نفسه يستعد لاستقبال مزيد من الزوار الذين يسعون إلى اكتشاف هذا الجمال الجديد”.
بهذا يتضح أن إقليم ورزازات، بمؤهلاته السياحية المتنوعة، يشكل وجهة مثالية للسياح الذين يبحثون عن تجربة فريدة تجمع بين الطبيعة الخلابة والتراث الثقافي العريق. ومع كل تساقط مطري يتجدد الأمل في هذه المنطقة الغنية، ما يعزز من جاذبيتها السياحية ويعد بمستقبل مزدهر.
المصدر: وكالات