مازال المغرب يبدي أهمية كبيرة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، لتوفير ثروة إضافية انطلاقاً من البدائل المتجددة غير المؤثرة على المناخ، الذي بلغت تغيراته مرحلة حادّة وخطيرة؛ فالبلد الشمال إفريقي أطلق أوراشاً مهمّة منذ سنوات في مجال الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والتطهير وتصفية النفايات السائلة وتدبير النفايات الصلبة المنزلية، ولو أن النتائج بخصوصها تظل متباينة إجمالا، ومازالت الوزارة الوصية عليها محط استفسارات متتالية.
في هذا الصدد، وقعت مؤسسة “تمويلكم”، وهي شركة مساهمة تمتلكها الدولة المغربية، مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب، بهدف تعزيز التعاون في مجال الاقتصاد الأخضر. وهو ما يحيل على أن البلاد تواصل الرغبة في التعامل مع التوصيات التي سبق أن قدمها المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي حول خلق “نموذج تنموي اقتصادي وبشري مستدام جديد، باستثمار المؤهلات الوطنية في مجال خلق الثروات ومناصب الشغل”.
فرص واعدة
رشيد ساري، المحلل الاقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، لفت الانتباه إلى أن “ورش الاقتصاد الأخضر يبدو حاضرا لدى صانعي القرار في المغرب، تماشيا مع الرغبة في تكريس التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالبلاد”، مؤكداً أن “هناك مجهودات في هذا الصدد، فيما لا يمكن تبخيس دور هذا الاقتصاد في تعزيز فرص الشغل، خصوصاً في الأوراش المرتبطة بهذا النمط من الاقتصاد، كورش الانتقال الطاقي”.
وأشار ساري إلى “أهمية هذا الاقتصاد وارتباطه بالتوجه العالمي الذي يحاول أن يتكيف مع الطاقات المتجددة”، مبينا أن “المغرب يشتغل على جانبين، الأول يتعلق بالتنمية المستدامة، والآخر يتصل بالانتقال الطاقي نحو البدائل المتجددة”، وزاد: “حين نتحدث مثلا اليوم عن الكهرباء فنحن نوفر أزيد من 41 في المائة من حاجياتنا من طاقات نظيفة، ونتطلع إلى رفع حصة الطاقات المتجددة في القدرة الكهربائية المنشأة إلى ما فوق 52 في المائة في أفق 2030، وهذا ورش يدخل ضمن الاقتصاد الأخضر”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “المغرب سيكون ضمن الدّول الريادية على مستوى إنتاج الهيدروجين الأخضر”، خالصا إلى أن “هذه الأوراش الكبرى تبرز أن المكانة الاقتصادية للمغرب ستكون دالة في السياق العالمي، لاسيما أن المعطيات المتوفرة والتوقعات الرائجة تكشف أن البلد لن يحقق الاكتفاء الذاتي فحسب، بل سيتجه إلى تصدير الفائض؛ لكن هذا لا يمنع أن الحاجة اليوم قائمة إلى التفكير في تأهيل أكثر للاقتصاد الدائري، لكونه لا يقلّ أهمية”.
إستراتيجية متأخرة
إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز المستقبل للتحليلات الإستراتيجية، قال إن “المغرب لديه هواجس حقيقية واتجاهات جدية نحو الاقتصاد الأخضر بحكم التداعيات التي تسلطت عليه نتيجة التغيرات المناخية”، مشددا على أن “ما ينقصنا بالمغرب ومازال متأخّرا هو إستراتيجية واضحة تشتغل على كافة الجبهات الاقتصادية، وتشمل جميع القطاعات الحيوية، فهذا مازال متأخرا رغم وجود العديد من المحفزات والمؤهلات”.
وأوضح الفينة، في تصريحه لهسبريس، أن “الاقتصاد الأخضر له أهمية الاقتصاد الأزرق نفسها، في ظل هذا الاتجاه العالمي نحو البدائل المستدامة والطاقات النظيفة وتثمين الموارد المحدودة، كالماء والطاقة”، مؤكدا أن “هناك تمويلات دولية وجهات مانحة كثيرة تبدي استعدادها الدائم لدعم هذه المشاريع التي لها آثار مهمة على بنية اقتصادات الدول، ويمكن للمغرب أن يعتمد على هذه المنح وأن يشتغل على جلب استثمارات خضراء”.
وخلص المتحدث عينه إلى أن “المغرب يراكم مكاسب مهمة في هذا المجال، ولديه قطاعات تشكل روافد مثل المجال الفلاحي، ولها دور في هذا الاقتصاد الأخضر؛ الأمر الذي يفصح عن وجود أرضية وقابلية كبيرة للاشتغال، ولكن هذه السياسة أفقية وعلينا أن نضع إستراتيجية ونموذج شامل بأهداف محددة وبرهانات واضحة، لكي نكثف خلق الاستثمارات في القطاع الخاص والعام ونشجّع الاستثمار الأجنبي، لكي نستبق التحولات المتسارعة التي تطرأ على هذه المجالات”.
المصدر: وكالات