تفاعلا مع سؤال حول سر وجود شركة أمنية أمريكية في بلاده، قال ألبيرت يالوكي موكبيم، المتحدث باسم الرئاسة في جمهورية إفريقيا الوسطى، خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة بانكي، إن الدولة تسعى إلى تنويع شركائها وعلاقاتها مع العديد من الدول، مشيرا إلى أن “الرهان الأساسي في الوقت الحالي هو إعادة بناء جيش إفريقيا الوسطى. وفي إطار هذه العملية، فإننا نعتمد على شركاء لبلادنا، من بينهم المغرب وروسيا، الذين يساعدونا على تكوين جنودنا”، حسب ما أفادت به وسائل إعلام محلية.
المصادر ذاتها نقلت عن المتحدث باسم الرئاسة في هذه الدولة الإفريقية قوله إن “الرئيس فوستان أرشانج تواديرا طالما أكد أن أيادينا مفتوحة للعمل مع كل من يمكن أن يساعدنا في هذا الإطار، ومع كل من سيمكننا من تقوية جيشنا”، فيما فسر خبراء استراتيجيون سر جاذبية النموذج العسكري المغربي على الصعيد القاري واستعانة عدد من الدول بالخبرات المغربية في هذا الصدد، بمجموعة من العوامل والأسباب ذات الطبيعية النظرية والميدانية.
تكوين ونجاح ميداني
في استعراض لأبرز هذه العوامل، قال محمد شقير، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “المغرب لا يقدم تجربته الأمنية والعسكرية للدول الإفريقية فقط، وإنما أيضا لبعض الدول العربية والخليجية، خاصة قطر والإمارات، وغيرها”، مسجلا أنه “قبل الحديث عن استفادة دول القارة السمراء، خاصة دول منطقة الساحل والصحراء، من التجربة العسكرية المغربية، تنبغي الإشارة أولا إلى أن العديد من النخب العسكرية لهذه الدول تخرجت وتكونت في الأكاديميات العسكرية المغربية”.
وأضاف شقير، في تصريح لهسبريس، أن “طبيعة التكوين العسكري المغربي، إضافة إلى التجارب الميدانية التي راكمتها القوات المسلحة الملكية على امتداد عقود من الزمن والكفاءة العالية التي تميز عناصر الجيش المغربي، تجعل من المملكة المغربية نموذجا يُحتذى به في هذا الإطار بالنسبة للعديد من الدول الإفريقية التي ترغب في تحديث جيوشها وعصرنتها لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية المحدقة بها”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “النموذج العسكري المغربي يتميز بسمعة عالمية، خاصة على المستوى الإقليمي والقاري، وهو ما يعزز من جاذبيته ويفسر هرولة الدول الإفريقية إلى الاستفادة منه ومن تراكماتها المعرفية والميدانية”، لافتا في الوقت ذاته إلى أن “طبيعة هذه الدول ذات المناخ الصحراوي ثم التجربة العسكرية المغربية وتمرس عناصر الجيش المغربي على العمل في مثل هذه الظروف، كلها عوامل تفسر هي الأخرى توجه هذه البلدان إلى الاستعانة بتجربة القوات المسلحة الملكية التي خاضت حروبا في مثل هذه الظروف وتمكنت من حسمها وتحييد الأخطار المرتبطة بها”.
في هذا الصدد، أشار الباحث في الشؤون الاستراتيجية إلى أن “نجاح الجيش المغربي في تحييد الخطر الذي كانت تمثله جبهة البوليساريو الإرهابية المدعومة من الجزائر على الأراضي المغربية، عزز هو الآخر من جاذبية النموذج الأمني والعسكري المغربي في التعاطي مع مثل هذه الأخطار بالنسبة لعدد من الدول الإفريقية التي تعاني بدورها من تمدد التنظيمات والجماعات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة”.
وخلص إلى أن “الرباط ووعيا منها بأهمية تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية لمواجهة مختلف التحديات الأمنية التي تعرفها المنطقة، فإنها لا تتردد في تقديم إعانات ومساعدات لهذه الدول، سواء بشكل مجاني أو في إطار اتفاقيات للتعاون، أضف إلى ذلك أن السياسة الخارجية المغربية تركز دائما على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، عكس بعض القوى الإقليمية الأخرى، وهذا عامل مساعد آخر يفسر سر الإقبال على استلهام النموذج الأمني والعسكري المغربي”.
استراتيجية ومسؤولية
أوضح محمد عصام العروسي، مدير مركز “منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية”، أن “مواكبة المغرب لعدد من الدول الإفريقية، على غرار جمهورية إفريقيا الوسطى، في تدريب الجنود وتحديث المؤسسات العسكرية لهذه البلدان، أمر واقع، خاصة وأن المؤسسة العسكرية المغربية وتحت التعليمات الملكية رسخت علاقاتها مع دول القارة ودخلت في شراكات مع عدد منها في هذا الجانب إن على مستوى اقتناء العتاد الحربي أو على مستوى التكوين والتدريب”.
في هذا الصدد، سجل العروسي أن “الأطر العسكرية المغربية أطر كفؤة ومتمرسة على الصعيدين الإفريقي والعربي، حيث خضعت الكوادر العسكرية المغربية بمختلف رتبها وتخصصاتها، البرية منها والجوية والبحرية، لتدريبات مكثفة في الخارج في إطار الشراكات مع عدد من القوى العسكرية في العالم، وأيضا في إطار المناورات التي يجريها المغرب بشكل سنوي مع عدد منها، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، إضافة إلى المشاركة الفاعلة للقوات المسلحة الملكية في بعثات حفظ السلام في العديد من مناطق النزاع في العالم”.
ولفت المتحدث لهسبريس إلى أن “كل هذه العوامل مجتمعة أكسبت المغرب تجربة خاصة وفريدة من نوعها، أضف إلى ذلك أن المملكة قامت في السنوات الأخيرة بتحديث ترسانتها العسكرية استجابة للتحولات والتغيرات التي عرفها مجال الدفاع والصناعة الحربية في العالم حيث بدأ المغرب بدوره يؤسس لصناعة محلية للعتاد العسكري. وبالتالي، فإن استعانة هذه الدول بالتجربة المغربية هو تحصيل حاصل واعتراف بقوة الجيش المغربي وبنجاحه أيضا في العديد من المحطات”.
وخلص مدير مركز “منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية” إلى أن “إفريقيا الوسطى تريد التخلص من الإرث الفرنسي والهيمنة الفرنسية. وبالتالي، فإن دخول المغرب إلى هذا البلد من بوابة التعاون العسكري يعزز أيضا فرص التنمية فيه ويعكس تحمل المملكة لمسؤولياتها في ما يخص ضمان الأمن الإقليمي والقاري ومواجهة التهديدات الأمنية التي تعرفها القارة الإفريقية”، مسجلا أن “الجيش المغربي لعب أدوارا مهمة في استتباب الأمن ومواكبة عدد من الدول في تحديث جيوشها، على غرار كوت ديفوار ومالي والغابون وغيرها”.
المصدر: وكالات